التعاون البنّاء وقواعد الاشتباك

عامر نعيم الياس

قال الرئيس الإيراني حسن روحاني في كلمة له بمناسبة الإعلان عن الاتفاق بين إيران والست الكبرى إن «الاتفاق أثبت أن التعاون البنّاء مثمر»، فيما سارع وزير الخارجية الفرنسي إلى خطب ودّ طهران عبر إبدائه استعداد بلاده لدخول عالم الاستثمارات الإيرانية المحاصر منذ أكثر من ثلاثة عقود، أما الرئيس الأميركي باراك أوباما فالتقى مع الرئيس الإيراني حول فكرة التعاون المثمر البناء وحل بعض الخلافات بالحوار، فضلاً عن افتخاره بإنجازه في النووي الإيراني والذي ركّز فيه على «منع طهران من إنتاج البلوتونيوم»، فكيف هو شكل العلاقة بين طهران والغرب؟ هل يتم اعتماد إدارة الأزمات بدلاً من التصعيد؟ هل تنكفئ إيران أسوةً بالنموذج الصيني أم أن النموذج الإيراني في العلاقة مع الغرب والولايات المتحدة هو أقرب إلى الروسي؟

يحمل الاتفاق ضمانات متبادلة تضع إيران في مستوى الند للغرب عموماً وللولايات المتحدة خصوصاً فإلغاء العقوبات المفروضة على إيران يتم من بوابة مجلس الأمن الدولي الذي سيستمر قراره «نافذاً لمدة عشرة أعوام وستكون إيران في حلٍّ من الاتفاق في حال عودة العقوبات»، كما أن تصريح فابيوس الذي كان وإدارته على يمين أوباما في المفاوضات النووية يثبت عدم قدرة الساسة الغربيين على السيطرة على العقل الإمبريالي الغربي في تعاملاتهم مع الدول فالاستثمارات والمال على رأس الأولويات وما يلي عالم «البيزنس» يبقى قابلاً للتسوية والنقاش، لكن ما بعد الاتفاق يفتح الباب أولاً أمام سباقٍ محموم بين أعضاء الكتلة الأميركية الأوروبية للاستثمار في إيران، حيث لا يمكن ترك الكعكة الإيرانية لبكين وموسكو وحدهما، أمرٌ تدركه إيران جيداً وتسعى إلى استخدامه كورقة لتسويق الاتفاق النووي وترسيخ دعائمه والمضي في عملية تطبيع اقتصادية أولاً تجعل من إيران رقماً اقتصادياً صعباً لا غنى عنه في المعادلة الدولية في المنطقة، وهنا لا يسعنا أن نتغاضى على رهان الكتلة الغربية على التغيير في إيران عبر الرهان على القوة الاقتصادية ودفع الليبرالية الإيرانية إلى الأمام، لكن طبيعة المجتمع الإيراني وتركيبة السلطة فيها تجعل من الصعب التمييز بين ليبرالي وتكنوقراط متشدد أو معتدل من الناحية الدينية المرتبطة بجوهر نظام الحكم في طهران، وهو ما يعقّد من مهمة الغرب الذي أدرك أن الرهان قد فشل وأن الاعتراف بالجمهورية الإسلامية الإيرانية هو السبيل الوحيد لإدارة الأمور في المنطقة، وهو الهدف الأساس من الاتفاق الذي يفضي إلى تحديد قواعد استباك جديدة في عملية تركيب نظام إقليمي جديد باتت طهران عضواً رسمياً فاعلاً وأساسياً فيه من دون أدنى شك، لكن في الطريق إلى تشكيل النظام الإقليمي الجديد تبدو طهران في سياساتها الحالية أقرب إلى موسكو بوتين الحاضرة في كافة المحافل الدولية والتي تتعاون مع واشنطن في إدارة بعض الملفات لكن تحت ضغط الاشتباك في عدد من الساحات التي لا يمكن لأي طرف أن يتنازل فيها للآخر على المديين المنظور والمتوسط، وعلى رغم الاختلاف في الحالتين الروسية والإيرانية في ما يخص العقوبات تحديداً فإيران اليوم وبعد الاتفاق بلا عقوبات لكن موسكو تتعرض لعقوبات مركزة من الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة، لكن علينا ألا نتناسى أن هذه العقوبات جاءت بعد فشل محاولات التعايش والاحتواء بين واشنطن وبروكسل من جهة وموسكو من جهة أخرى، فروسيا ليست الصين كي تنكفئ مع أن الأخيرة بدأت بالتمدد الناعم في محيطها الإقليمي، لكن الجيوسياسي حاضر في السياسة الروسية أكثر من الجيو ـ اقتصادي على عكس الصين التي ترى في الاقتصاد القاطرة الأهم لبناء العلاقات والبزوغ كقوة كبرى.

من حيث شكل العملية التفاوضية التي جرت بين طهران والدول الكبرى على خلفية جبهات ساخنة موجودة وفتح بؤر توتر ومواجهة جديدة على مدى ثلاثة عشر عاماً، لا يبدو أن الأمور تتجه بعد الاتفاق النووي إلى انكفاء وتسويات سريعة، بل إلى إدارة أزمة عبر تحديد قواعد اشتباك جديدة تحت سقف الاتفاق النووي وجوهر إنهاء القطيعة مع الدولة الإيرانية.

كاتب ومترجم سوري

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى