إجماع دولي ومارقان
حميدي العبدالله
عكست ردود الفعل على الاتفاق الموقع بين إيران والسداسية الدولية، إجماعاً منقطع النظير لم تشذ عنه سوى دولتين هما الكيان الصهيوني والمملكة العربية السعودية. ووفقاً للمصطلحات الأميركية فإنّ هاتين الدولتين تعتبران دولتين مارقتين.
مفهوم أن يعارض الكيان الصهيوني الاتفاق لأنه كان يحارب إيران بمقدّرات الولايات المتحدة والغرب، لأنّ إيران لا تعترف بوجود الكيان الصهيوني، وتدعو إلى إزالته، وترفض الحلول السياسية معه، وتدعم المقاومة الفلسطينية من أجل ذلك، في ضوء كل ذلك فإنه ليس مستغرباً على الإطلاق أن تعارض تل أبيب الاتفاق وتعتبره «خطأً مأسوياً» وتصف الموقف الغربي بالتخاذل.
لكن ليس مفهوماً على الإطلاق أن تشذ المملكة العربية السعودية عن الإجماع الدولي، بل الإجماع الخليجي، ذلك أنّ كافة الدول الخليجية، باستثناء البحرين، رحبت بالاتفاق. فإيران تسعى بكلّ جهدها لإقامة علاقات طيبة مع المملكة العربية السعودية، سواء كان المسؤولون في إيران من المحافظين، كما هي حال الرئيس السابق محمود أحمدي نجاد، أو من الإصلاحيين كما هي حال الرئيس حسن روحاني، كانت الأولوية لديهم لوحدة الدول الإسلامية ولإقامة علاقات جيدة مع المملكة العربية السعودية والدول الخليجية.
المبرّرات التي تسوقها السعودية لعدائها لإيران لا يمكن أن تقنع أحداً، فالسعودية تقول إنها ضدّ إيران لأنّ إيران دولة غير عربية وتسعى لفرض نفوذها في المنطقة. لكن السعودية لم تعارض النفوذ الأميركي في المنطقة، إلا إذا كانت الرياض تعتبر الولايات المتحدة دولة عربية، علماً أنّ إيران دولة مجاورة، في حين أنّ الولايات المتحدة تبعد آلاف الكيلو مترات من الأراضي العربية، ولا يجمعها مع شعوب المنطقة ما يجمع الأمتين العربية والإيرانية.
السعودية وقفت إلى جانب الأميركي والغربي الأجنبي وغير العربي ضدّ الرئيس الراحل جمال عبد الناصر، وحاربته بالقوة ذاتها التي تحارب بها إيران، بل أكثر من ذلك السعودية دعمت الاحتلال الأميركي والغربي للعراق، وإسقاط حكومة عربية حاربت إيران بقوة لمدة تزيد على ثماني سنوات.
هذه الوقائع التاريخية غير القابلة للنقاش أو الدحض، تؤكد عدم صحة المبرّرات التي تستند إليها السعودية في مناهضتها لإيران، وشذوذها الآن عن الإجماع الدولي حول الاتفاق الذي تمّ التوصل إليه بين إيران والسداسية الدولية.
في الحقيقية معاداة السعودية لإيران تنطلق من ذات الحسابات التي دفعتها للوقوف ضدّ الرئيس الراحل جمال عبد الناصر، وضدّ العراق في مرحلة تصادمه مع السياسة الأميركية. تكمن هذه الحسابات في واقع أنّ أيّ سياسة تعتمد من قبل أيّ دولة في المنطقة وتناهض الهيمنة الأميركية والغربية من شأنها أن تسلط الضوء على عيوب السياسة السعودية القائمة على الارتباط التبعي بالدول الغربية، ولهذا السبب وقفت السعودية ضدّ كلّ دولة تحارب الهيمنة الغربية.