سوء طالع أردوغان
حميدي العبدالله
خاض رئيس الحكومة التركية رجب طيب أردوغان بنفسه معركة الانتخابات البلدية، وكان الرهان معقوداً على احتمال أن يؤدي الظفر بهذه الانتخابات إلى الظفر بمعركة الانتخابات الرئاسية، وهو نجح نسبياً في معركة الانتخابات البلدية من خلال تقليل نسب تراجع مقاعد حزبه، وتخطى الكثير من العوائق وأهمها فضائح الفساد، وتداعيات قمع التحركات الشعبية في ميدان تقسيم.
وبعد إعلان نتائج الانتخابات البلدية تراءى لأردوغان أن الفوز في معركة الرئاسة في شهر آب المقبل بات قاب قوسين أو أدنى، وأنه تخطى جميع العوائق، ولم يعد بمقدور قوى المعارضة، سواء المعارضة العلمانية أو جماعة فتح الله غولين، زرع المزيد من العقبات في وجهه وعرقلة جهوده لحشد المزيد من المؤيدين، لضمان الحصول على أكثر من نصف أصوات المقترعين في الانتخابات الرئاسية المقبلة، وهو شرط لفوزه في هذه الانتخابات.
لكن الأمور لم تسر وفق ما يشتهيه أردوغان، بل إن سوء طالع أردوغان كان لـه بالمرصاد، فقد أدت حادثة انهيار أحد المناجم في تركيا وعدد الضحايا الكبير الذي سقط جراء هذا الحادث الأليم إلى انفجار الغضب ضد أردوغان وحكومته، حيث عادت التظاهرات الصاخبة إلى شوارع المدن الكبرى، ولا سيما اسطنبول، وواجه أردوغان هذه التظاهرات بالقمع الذي سقط جراءه قتلى مما ضاعف من النقمة الشعبية ضده، إضافةً إلى اضطرار الحكومات الغربية إلى إصدار بيانات الاستنكار لممارسات الحكومة التركية في مواجهة الاحتجاجات الشعبية. وفي سياق رصد تأثير انهيار المنجم على مستقبل أردوغان السياسي سلط مقال نشرته مجلة «دير شبيغل» الألمانية الضوء على الفساد المستشري بين أعضاء حكومة حزب العدالة والتنمية «كارثة سوسا مكان المنجم كانت القشة التي قصمت ظهر أردوغان الذي بدأ يفقد السيطرة على تركيا، وإن موجة الغضب العارمة التي اندلعت في تركيا تزايدت مع محاولات أردوغان الحثيثة لقمع أصوات المعارضة، وشن الحملات ضد المحتجين فضلاً عن فضائح الفساد وتورط مسؤولين كبار في الحكومة فيها».
وحمّلت المجلة أردوغان وحكومته مسؤولية انهيار المنجم مؤكدةً أن «ما حققته الحكومة التركية في السنوات الماضية جاء على حساب عامة الشعب، فالنقابات العمالية والمعارضة على حد سواء، تتهم الأجهزة الحكومية ومفتشي الصحة بإهمال واجباتهم لمصلحة مجتمع رجال الأعمال الذين لا يهمهم سوى تحقيق أكبر قدر من الأرباح» وخلصت إلى أن «أردوغان يترنح ويتخبط بسبب هذه الأحداث».
في ضوء هذه التطورات التي حدثت بعد فوزه بالانتخابات البلدية، وقبل اقتراب موعد الانتخابات الرئاسية بشهرين، بات واضحاً أن فرص فوز أردوغان في الانتخابات الرئاسية في آب المقبل بدأت تتراجع بقوة، فإذا كان هذا الفوز غير مضمون حتى في ضوء نتائج الانتخابات البلدية، لأن توزع الأصوات في الانتخابات البلدية أعطى المعارضة نسبة 54.5 في المئة مقابل 45.5 في المئة لحزب أردوغان، فإن الأزمات الجديدة، ولا سيما انهيار المنجم وما ترتب عليه من تفاعلات حادة، وقمع التظاهرات الاحتجاجية، وسقوط قتلى جراء هذا القمع، ستزيد من حدة الأزمة وستقود إلى خسارة المزيد من التأييد لحزب العدالة والتنمية، وهذا سيقود إلى واحد من أمرين: إما عزوف أردوغان عن الترشح للانتخابات الرئاسية، وإما خوض مغامرة فاشلة عبر الإصرار على خوض المعركة التي باتت خسارتها هي المرجحة.