رواق العرفي للثقافة والتراث… جمعية أهلية تواجه الإرهاب بالثقافة والفن
إيناس سفان
يواظب رواق العرفي للثقافة والتراث منذ انطلاقته عام 2013، على تقديم جملة من النشاطات، معرّفاً بتراثنا الثقافي المتوارث عبر الأجيال، والذي يشكل هويتنا التي يجب أن نحافظ عليها في حرب كونية تهدّد وجودنا وتراثنا وحضارتنا.
وتشكل النشاطات التي ينفّذها الرواق خطة عمل تصلح لأن تكون جزءاً من برنامج وطني لمواجهة الإرهاب وإفشال مخططه في محو الحضارة السورية، فضلاً عن إعادة إحياء صوَر التراث السوري اللامادي بما يتضمنه من تقاليد وطقوس واحتفالات وفنون من خلال دمج الأصالة والقيم التراثية السورية مع التطوّر، وتقديمها بصورة تستفيد وتتعلم منها الأجيال.
مقر رواق العرفي الذي يقع في بيت دمشقيّ قديم، في حي القنوات، يمثل بما يحتويه من أثاث ولوحات وديكورات وأدوات صورة عن البيت الدمشقي القديم ودور العلم القديمة التي عرفت في ما مضى بالكتّاب، حيث يضم أربع قاعات سميت واحدة منها قاعة «كتاتيب بلاد الشام»، في حين تمثل باقي القاعات نماذج عن التراث السوري في البيت الدمشقي، خصّصت لنشاطات الرواق في المطالعة والموسيقى والندوات والمحاضرات.
يقول مدير الرواق حسين العرفي عن نشأة الرواق: إن الفكرة بدأت عام 2005 حيث بدأ عملنا كمؤسسة ثقافية أهلية، عندما خصّصنا بيتاً دمشقياً قديماً ليكون «كتّاب بلاد الشام»، إذ يتم فيه تدريس اللغات والخط العربي والتشجيع على القراءة، وليمثل قاعات التدريس التي عرفت قديماً في الحضارة العربية الإسلامية.
هذه الخطوة هي برأي العرفي جاءت ردّاً على ظاهرة تحويل البيوت الدمشقية القديمة إلى مطاعم. لنقول إنها دور علم ومعرفة وثقافة وفنّ بكل ما تحمله روح المكان من تراث. سواء في الأثاث والأدوات إلى الحارة الدمشقية القديمة.
ويوضح مدير الرواق أن تسمية العرفي جاءت نسبة إلى جدّه العلامة الشيخ محمد سعيد العرفي الذي ولد في دير الزور 1896 وتوفي عام 1956 وكان رجل دين وسياسة. عمل رئيساً للمجلس الاسلامي الاعلى في بلاد الشام وعضواً في مجمع اللغة العربية وفي البرلمان السوري كما شارك في الثورات ضد العثمانيين والفرنسيين لذلك نُفي إلى مصر وأنطاكية.
وتابع العرفي: تلقينا الدعم من وزارة الثقافة ووقّعنا مذكرة تعاون معها، إذ افتتح الرواق عام 2013 ومنذ ذلك الوقت انطلقت نشاطاتنا في مختلف المجالات وشكلنا فريق «سورية بلدي التطوعي» الذي يضمّ 50 متطوعاً ومتطوعة من الشباب الذين جمعهم الحسّ الوطني للعمل من أجل الحفاظ على التراث وإعادة إحيائه، وتعريف أطفالنا وشبابنا به، لا سيما أن الإرهاب يستهدف تراثنا وآثارنا وهويتنا.
وخلال السنتين الماضيتين، نظّم الرواق نشاطات مختلفة منها ندوات حوارية دورية حول الكتب التي تصدرها الهيئة العامة السورية للكتاب والتعريف بإصداراتها المطبوعة والالكترونية، فضلاً عن نشاطات في أماكن متعددة، منها في ساحة المسكية، مبادرة رمضان كريم بالثقافة والتراث بهدف إظهار صور الحب والتعايش التي يتميز بها المجتمع السوري. وفعالية تراث العيد ضمن حملة سورية بلدي التي أقامتها وزارة الثقافة بهدف إعادة إحياء تراث العيد ونشاطات أخرى متنوعة في مراكز الإقامة الموقتة.
كما شارك الرواق بيوم السياحة العالمي في التكية السليمانية عبر لوحات تشكيلية حول الخط العربي، وخصّ الأطفال بحيّز من نشاطاته كما في فعالية تراث الطفل السوري، إذ قدّم حكايا الجدّة، وفعالية تحية إلى تدمر حيث قام الاطفال برسم ما شاهدوه من النماذج الأثرية التي تمثل مجموعة من الآثار السورية، خصوصاً آثار تدمر التي تعرضت لتدمير وتخريب من قبل إرهابيي «داعش». وخلال أيام رمضان، قدّم الرواق بعضاً من الطقوس الرمضانية الدمشقية في حديقة ثقافي أبو رمانة مثل الحكواتي ورقصة المولوية والأناشيد الدينية التي عرفت في دمشق خلال هذا الشهر من السنة.
وحول تمويل نشاطات الرواق أوضح العرفي أن التمويل ذاتيّ من قبل أعضاء الرواق المتطوعين الذين عملوا بجهود كبيرة من أجل تراث سورية والحفاظ على إرث الآباء. مؤكداً أن فعاليات الرواق ونشاطاته تتم بالتعاون مع مؤسسات الدولة المختلفة لأن المسؤولية مشتركة وواجب وطني.
وقالت رهف عاجوقة، متطوعة في رواق العرفي: عملنا خلال النشاطات التي نقدمها على تعريف الاطفال بتراثنا وآثارنا لتبقى صوَر تراثنا وإرثنا الحضاري ماثلة في أذهانهم. ونحن بيّنا لهم مثلاً أن تمثال أسد اللات في تدمر وهو من التماثيل النادرة في العالم، دمّره إرهابيو «داعش» لأنه مكتوب على قدمه باللغة التدمرية القديمة «إن الربة اللات تبارك كل من لا يسفك الدماء في المعبد»، وهو يفضح أعمالهم الإجرامية.
أما المتطوّع المحامي ثائر مراد فرأى أن مجال عمل الرواق في نشر الثقافة والتراث على رغم أنه عمل بسيط لكنه عمل فعال في ظل ما تتعرض له سورية من حرب إرهابية تعمل على تسطيح الانسان السوري وإلغاء حضارته. مبيّناً أنّ متطوّعي رواق العرفي اختاروا العمل في مجال الثقافة لنحارب الإرهاب الذي يستهدف ثقافتنا وحضارتنا وبلدنا بشكل عام، مركزين على الأطفال لأن هذا الجيل لا يملك القدر الكافي من المعلومات حول تراث بلده وآثارها وهو في الوقت ذاته يحمل مستقبل الوطن.
ووظّفت المتطوعة إسراء المصري دراستها في اختصاص رياض الأطفال في العمل التطوعي ضمن نشاطات رواق العرفي فقالت: إن للعمل مع الأطفال متعة خاصة. مشيرة إلى أن الأهل يشاركون أطفالهم في حضور الفعاليات التي تقدم وهو أمرٌ إيجابي لدور الاسرة في توعية الطفل حول تراث بلده وآثاره، في إطار ترفيهيّ وتوعويّ للطفل.
أما مدير التراث الشعبي في وزارة الثقافة حمود الموسى فيرى ان عمل الجمعيات الأهلية في مجال الثقافة والتراث يشكل رديفاً مهماً لعمل وزارة الثقافة سواء في العمل من أجل الحفاظ على التراث المادي واللامادي من جهة والتعريف به عبر الاجيال وإعادة نشره من جهة أخرى. مشيراً إلى وجود عدد كبير من الجمعيات الاهلية التي تعمل في هذا المجال وصل عددها إلى 11 جمعية منها رواق العرفي ورواق خليل مردم بيك وجمعية أبناء سورية الأم والجمعية الشبابية السورية للتنمية الثقافية وجمعية دمشق الحرفية وغيرها.
ويشير الموسى إلى أن عصر التكنولوجيا ساهم في اتساع الفجوة بين الاجيال والتراث ما أدى إلى ابتعادهم نوعا ما عنه لذلك جاء عمل المؤسسات الحكومية والاهلية والمجتمعية لإعادة نشر هذا التراث وتقديمه في إطار مناسب.
وعن نشاط رواق العرفي للثقافة والتراث يوضح مدير التراث الشعبي أنه قدّم نشاطات متميزة أبرز فيها التراث السوري من خلال مجموعة عروض قدّمها متطوّعوه بهدف تعريف الاطفال بتراث بلدهم، خصوصاً في إطار ما يقوم به الإرهاب الذي يستهدف تراثنا وآثارنا.
ولكن عمل الجمعيات الثقافية كما يبيّن الموسى يجب أن يكون أكثر وأوسع لخلق حالة ثقافية نهضوية والاستفادة من طاقات المتطوعين الشباب. منوّهاً بدورهم في العمل التطوعي الذي شكل في الآونة الأخيرة بصمة مميزة في تكريس القيم التراثية الإنسانية.
وكشف الموسى أن وزارة الثقافة تعمل الآن على افتتاح معهد الثقافة الشعبية متخصص بالتراث الشعبي في خان أسعد باشا في دمشق، يقيم ورشات تدريبية للكبار والصغار لتعليم الحِرف التقليدية القديمة حفاظاً عليها من الانقراض.
وختم موسى حديثه بالتأكيد على دور الجمعيات الأهلية والشباب في الحفاظ على التراث السوري وتعريف الأجيال به وتوثيقه وإعداد الأبحاث والدراسات حوله كشركاء إلى جانب وزارة الثقافة.