ما علاقة النظام السعودي بتغذية التطرّف؟ أسئلة وجدنا بعض إجاباتها
هشام الهبيشان
من الطبيعي أن تعيش بعض الشعوب العربية في دول مجلس التعاون الخليجي في هذه المرحلة بين مطرقة أخطائها التاريخية وسندان تمويل بعض أنظمتها للتطرف الذي ساهم في تعزيز الفوضى في المنطقة والوضع الإقليمي الخطر في المنطقة وانعكاس كلّ ذلك على داخل هذه الدول الداعمة للتطرف. في هذه المرحلة بدأت دوائر صنع القرار الرسمية في هذه الدول، تبحث عن طوق نجاة لها، من تمدّد وارتداد الإرهاب الذي صنعته عليها، هذا الإرهاب الذي حذّر منه كثير من المتابعين، وخصوصاً لمسار دعم النظام السعودي للتنظيمات الإرهابية. ومع موجة هذه التحذيرات التي كانت وما زالت توجه للنظام السعودي، من الواضح أنّ النظام السعودي ما زال مستمراً في مغامراته ومقامراته التي ستوصل المنطقة ككلّ إلى حال الفوضى العارمة، ومن هنا يبدو واضحاً حجم الأزمة التي سببها النظام السعودي للشعب السعودي وللدولة السعودية وللمنطقة بكلّ أركانها، ومن الواضح أنّ سياسات النظام السعودي، إن استمرت كما هي، ستقود المنطقة إلى حافة الهاوية، والمستفيد الوحيد منها هو الكيان الصهيوني. سنذهب بمحور حديثنا هنا إلى حديث الكثير من الأنظمة والدول والمنظمات التي بدأت تحذِّر من سلوك النظام السعودي ف دعم التطرف.
أميركا تحذِّر من سياسات النظام السعودي الذي «سيقود المنطقة إلى الجحيم»
بعيداً عن ما تحدث به أوباما قبيل زيارة أمراء ومشايخ وملوك دول مجلس التعاون الخليجي لمنتجع كامب دايفيد مؤخراً، حيث حذر وبطريقة غير مباشرة بعض هذه الدول من استمرار دعمها للتطرف ومن خطر ارتداد هذا التطرف عليها، سنعود إلى كلمة نائب الرئيس الأميركي جو بايدن، التي ألقاها في مطلع شهر تشرين الأول من عام 2014 في جامعة «هارفرد» حول سياسة الولايات المتحدة في الشرق الأوسط، والتي لم يتردّد فيها بايدن باتهام حلفاء واشنطن بالتسبُّب باتساع رقعة الإرهاب في المنطقة، عبر تسليح و تمويل الجماعات المتشدّدة. وسمّى بايدن السعودية تحديداً، كطرف سعى إلى إسقاط النظام في دمشق عبر استخدام كلّ الوسائل، وعلى رأسها تمويل وتسليح الجماعات المتشدّدة، ومنها «القاعدة» و»تنظيم الدولة الإسلامية»، وقال: «إنّ مشكلتنا الكبرى هي في حلفائنا في المنطقة، السعوديون أصدقاء كبار لنا، لكنّ همهم الوحيد كان إسقاط الرئيس السوري بشار الأسد لذلك شنّوا حرباً بالوكالة بين السنّة والشيعة وقدموا مئات الملايين من الدولارات وعشرات آلاف الأطنان من الأسلحة إلى كلّ المتطرِّفين لذين يقبلون بمقاتلة الأسد، انتهى الاقتباس. من هنا يظهر بوضوح حجم الإدراك الأميركي لخطورة الدور السعودي بدعم التطرف في المنطقة والعالم، ومع كلّ ذلك، ما زالت أميركا وضمن مشروعها الصهيو ـ أميركي مستفيدة من كلّ هذه الفوضى التي تعمّ المنطقة لإنجاز مشروع تقسيم وتفتيت هذه المنطقة.
مجلة «تسو ارست» الألمانية: «النظام السعودي هو من يمول داعش»
وللتأكيد على دور النظام السعودي في دعم التنظيمات «الراديكالية» التي تغزو المنطقة، فقد نشرت مجلة تسو ارست الألمانية دراسة شاملة مطلع عام 2014 أجراها رئيس تحريرها مانويل أوكسنراينر والصحافيان ديرك راينار وستيف ليرود، تحت عنوان «تنظيم الدولة الإسلامية هل هو من صنع أميركا». وهنا أكدت المجلة أنّ ما يُسمى تنظيم «دولة العراق والشام» أنشئ من قبل أجهزة الاستخبارات الأميركية لتحقيق مصالح الولايات المتحدة في الشرق الأوسط، فيما يتولى تمويله النظام السعودي، وتقوم حكومة حزب «العدالة والتنمية» في تركيا بتسهيل نشاطاته وعبور إرهابييه من أراضيها إلى سورية والعراق.
وهنا تنقل المجلة عن البروفسور خوسودوفسكي، وهو خبير في السياسة العسكرية للولايات المتحدة في الشرق الأوسط، قوله إنّ «الاستخبارات الأميركية أنشات عدة مجموعات إرهابية تنشط في سورية والعراق لتحقيق مجموعة أهداف جيوسياسية أميركية في المنطقة»، مشيراً إلى اعترافات أدلى بها أحد متزعمي تنظيم «القاعدة» الإرهابي في العراق عام 2007 والتي أكد فيها أنّ «اسم التنظيم هو مجرد ستار يخفي وراءه الغرب حقيقة قيادته الحقيقية له»، ما يظهر حجم الشراكة الخفية، الصهيو ـ أميركية ـ السعودية، بدعم هذا التنظيم.
المخابرات الأميركية والبريطانية دفعتا دولاً خليجية لتمويل وتسليح تنظيمات راديكالية في المنطقة
كشف تشارلز شويبردج في حديثة لإحدى وسائل الإعلام الروسية نهاية عام 2014، وهو أحد ضباط الاستخبارات البريطانية سابقاً وكان يعمل في في جهاز مكافحة الإرهاب، أنّ وكالة الاستخبارات الأميركية «سي آي أيه» والاستخبارات البريطانية، دفعتا دولاً خليجية إلى تمويل وتسليح تنظيمات مسلحة في مقدمتها «داعش».
وأضاف تشارلز: «إنّ الاستخبارات البريطانية والأميركية تقفان وراء كلّ الأحداث الدراماتيكية التي تعصف بدول الشرق الأوسط مثل سورية والعراق وليبيا»، كاشفاً عن تفاصيل خطيرة ومثيرة حول دور واشنطن ولندن في صناعة الإرهاب.
«الاندبندنت» البريطانية: النظام السعودي يستثمر أموالاً طائلة في دعم الإرهاب
في مقال للكاتب في صحيفة «الاندبندنت» البريطانية بول فاليلي في مطلع شهر آب من عام 2014، قال فاليلي: «إنّ الدعم المستمر من النظام السعودي منذ سنوات طويلة للتنظيمات الإرهابية والمتطرفة المختلفة التي تشيع القتل والخراب في سورية أدى إلى خلق وحش مخيف يعرف باسم تنظيم «داعش» الذي يرتكب مجازر وجرائم تتخطى كلّ حدود الفظاعة».
وأضاف: «بحسب تقارير أعدّتها وزارة الخارجية الأميركية فإنّ النظام السعودي استثمر على مدى العقود الأربعة الماضية أكثر من عشرة مليارات دولار في مؤسسات خيرية مزعومة في محاولة لنشر الإيدولوجية الوهّابية التي تتسِّم بالتعصُّب والقسوة، فيما يقدِّر خبراء أوروبيون أنّ 20 في المئة تقريباً من هذه الأموال السعودية تمّ تحويلها إلى تنظيم «القاعدة» وتنظيمات «راديكالية» أخرى».
سكارسيني: بندر بن سلطان هو المموِّل الرئيسي للإرهاب في العالم
يقول رئيس جهاز الاستعلامات الداخلية الفرنسي السابق برنار سكارسيني في كتاب نشره مطلع العام 2014، تحت عنوان «المخابرات الفرنسية … رهانات جديدة»، ويخصِّص بعض محاوره للحديث عن الشكوك المتداولة في خصوص تمويل النظام السعودي لشبكات إرهابية تنشط في كلّ من الجزائر وسورية وفي بعض بلدان في الشرق الأوسط، أنّ بندر بن سلطان هو المموِّل الرئيسي للإرهاب في العالم.
وبحسب سكارسيني الذي غادر منصبه منذ سنتين تقريباً، فإنّ الجماعات التي أعلنت ولاءها لتنظيم القاعدة الإرهابي مموِّلها الأساسي هو الأمير بندر بن سلطان الذي كان يشغل منصب «الأمين العام لمجلس الأمن القومي السعودي ورئيس المخابرات العامة»، وقد تبنى بندر سياسة إقليمية مستقلة عن إخوته وبني عمومته، وكان وراء تمويل الجماعات الجهادية في أفغانستان وسورية ولبنان ومصر وشمال أفريقيا.
لطالما حذرت الدولة السورية من ارتداد الإرهاب على صانعيه
لم تترك الدولة السورية، مناسبة دولية ولا إقليمية ولا محلية، إلا وحذرت من خلالها الدول الداعمة والصانعة والمستوردة والداعمة للإرهاب من ارتداده عليها، وقد حذرت دول الإقليم والعالم كله وكلّ الداعمين للحركات «الراديكالية»، من خطورة الإرهاب ومن آثاره المستقبلية ليس على سورية فحسب، بل على كلّ من دعم وساهم في تمدّد هذا الإرهاب، ولطالما تحدثت في المنابر الدولية والعالمية، وخصوصاً منبر الأمم المتحدة عن خطورة دعم الفكر المتطرف، وخطورة تطور هذا التطرف وارتداده على صانعيه، وهو ما حصل بالفعل، ويحصل هذه الأيام في السعودية والكويت وتونس، والمقبل من الأيام ينذر بالمزيد من هذه الحوداث، ليس فقط في هذه الدول، بل في كلّ دولة دعمت وساندت هذا الفكر «الراديكالي».
التكهُّنات المستقبلية لحجم فوضى الإرهاب في السعودية والمنطقة؟
نستطيع أن نقرأ وبوضوح أنّ حجم دعم النظام السعودي والمستمر إلى الآن في دعم وتنظيم صفوف وتسليح مقاتلي التنظيمات «الراديكالية» في سورية والعراق، كما أثبتت الكثير من التقارير الدولية، سيكون له عواقب كارثية مستقبلاً ليس على الداخل السعودي فحسب، بل على كلّ دول المنطقة، وهذا، بدوره، سيسمح بانتشار الفوضى في كلّ أرجاء المنطقة، وكلّ ذلك بسبب سياسات عمياء يقوم بها النظام السعودي بدعمه للتنظيمات «الراديكالية» في المنطقة. والسؤال هنا: إلى متى سيبقى العرب والمسلمون والعالم أجمع يتحمّلون سياسات النظام السعودي الداعمة للتطرف؟ وهل سنرى قريباً تحركاً أممياً وعربياً وإسلامياً باتجاه الضغط على النظام السعودي لوقف دعمه للتطرف؟ أم أننا سنرى مزيداً من التعنُّت من قبل النظام السعودي بدعم التطرف، ومزيداً من الصمت العربي والإسلامي والعالمي على ممارسات النظام السعودي؟ دعونا ننتظر المقبل من الأيام، لعله يعطينا الإجابة الشافية على معظم تساؤلاتنا المطروحة.