«مركبتا» في الحزب السوريّ القوميّ الاجتماعيّ… بدايات

لبيب ناصيف

في ستينات القرن الماضي تعرفت إليه، كان ناشطاً ومسؤولاً وملبياً في تلك السنوات الصعبة التي اعقبت الثورة الانقلابية، ومنذ ذلك الحين استمرت علاقتنا، كما استمر هو في المسؤوليات والمهمات الحزبية من دون توقف، مركزياً ومحلياً.

قد تختلف معه في الرأي، وهذا أمر صحي وطبيعي في حزبنا، إنما لا تستطيع إلاّ أن تقرّ له بما يتميز في أعماقه من ولاء للحزب، وإيمان فذّ به، بتعاليمه، بنهجه، بزعيمه.

منذ نيف وثلاثة أشهر خسر شقيقه، التوأم في النضال، الأمين ساسين. فشهدت مركبتا حضوراً شعبياً وحزبياً أكد فيه القوميون الاجتماعيون والفعاليات والمواطنون على تقديرهم للمسيرة النضالية، وللالتزام المناقبي لكل من الأمينين يوسف وساسين الشامي.

الامين يوسف الشامي

من الأمين يوسف الشامي هذا التقرير عن ظروف انتمائه الى الحزب، وعن بدايات العمل الحزبي في بلدتي مركبتا والمنية.

عندما كنت صغيراً دون سن العاشرة، كان يزورنا في بيتنا رجلان من طرابلس ينزلان في بيتنا وأحياناً يبيتان فيه. هذان الرجلان هما أنور المغربي وابن عمه وصفي المغربي، وكان هذا الأخير سورياً قومياً اجتماعياً.

كان وصفي المغربي يجلس على بيدر تحت بيتنا فيتحلّق حوله الفلاحون والمزارعون بصفته أحد ملاكي أراضي القرية، وكان حديثه لا ينقطع عن الزعيم وذكائه وعبقريته وبطولاته، حتى أنه كان يقول إن الزعيم كان ماهراً في إصابة الهدف بمسدس حربي إذ كان يكتب إسمه بطلقات المسدس على لوحة بعيدة عنه، وهذا الكلام ظل محفوراً في ذاكرتي منذ ذلك الحين حتى العام الدراسي 1946 1947 عندما كنت تلميذاً في صف السنة السادسة الابتدائية أي «السرتفيكا». وكانت المرحلة الابتدائية آنذاك ست سنوات والمرحلة التكميلية أي المتوسطة ثلاث سنوات. وفي السنة التالية أي في العام 1947 1948 ، كان يعلمنا اللغة الفرنسية الأستاذ موسى حاماتي،. والد الأمين هنري حاماتي والرفقاء أوغست 1 وجورج وجان جاك. والأمين هنري التقيت به في تلك السنة فتعارفنا وترافقنا، والرفيق أوغست كان يتردد الى المدرسة عند والده الأستاذ موسى إسم المدرسة «مدرسة الجديدة الرسمية للصبيان»، وكانت تابعة للوقف التركي وكانت تسمى آنذاك «المدرسة السلطانية» نسبة الى أحد سلاطين بني عثمان ، فعدت أسمع كلاماً عن الزعيم من أوغست ومن شقيقه هنري. وكان أول كتاب تداولناه هو كتاب «ضحيتان» للكاتب والأديب القومي الاجتماعي جورج مصروعة، فشدّنا هذا الكتاب الى مضمون فكر الزعيم اللاطائفي. وبدأت مرحلة مرافقة القوميين الاجتماعيين وزيارة «مكتبة الثقافة» التي كان يملكها الرفيقان ياسر وأحمد عجم مقابل الدائرة العقارية والمالية والمدرسة التي أتعلّم فيها، وبدأت بالاطلاع على فكر الزعيم من خلال بعض المجلات والكتب التي كانت تنشد، الى أن كان العام 1949 وكان لي صديق قريب من «المنية» اسمه رئيف قليمة 2 أصبح في ما بعد طبيباً عاماً، وكان رئيف قومياً اجتماعياً ولم نكن نفترق إلا نادراً والحديث بيننا كان يتناول الزعيم ومبادئه وحياته والأيام القومية المشهورة. وفي صبيحة التاسع من تموز عام 1949 كنا نتمشى أنا ورئيف بجانب منزله في «المنية» رأيت وجهه متجهماً والدمعة تترقرق في عينيه فقلت له ما بك يا رئيف؟ فأجابني وهو يختنق وناولني جريدة كتب في أعلاها: إعدام انطون سعاده.

فحزنت كثيراً على الخبر وأصبح الحزب منذ تلك اللحظة في وجداني. وفي العام 1950 1951 انتقلت الى مدرسة الفرير الى الصف الأول الثانوي بعدما نلت شهادة البريفية بفرعيها العربي والفرنسي من تلك المدرسة الجديدة الرسمية.

وكانت مدرسة الفرير آنذاك تعجُّ بالقوميين الاجتماعيين من جميع المناطق، وكان في المدرسة محفل أدبي يرأسه معلم قومي اجتماعي اسمه وديع عيسى 3 والد الأطباء الثلاثة الحاليين نجيب ووسام وبسام.

وكان معظم أعضاء هذا المحفل قوميين اجتماعيين بينهم: رئيف قليمة ويوسف قليمة من المنية، فازدادت معرفتي بالحزب وإيماني به.

أمضيت في مدرسة الفرير سنتين فحسب، وهناك حادثة طريفة لا بد من ذكرها لأنها تنمّ عن عقلية قومية اجتماعية رائعة تمثلت بالرفيق رئيف قليمة، إذ كان في المدرسة صراع شبه دائم بين القوميين والكتائب، حتى أن احد الكتائبيين آنذاك كانت مهمته أن ينتظرنا كل صباح على مدخل المدرسة ليشتمنا وليشتم الحزب وزعيمه والأمينة الأولى بكلمات نابية لم أستطع أن أتحملها فصممت أن أضربه لأنتقم منه، أما رئيف فكان يمنعني ويقول لي: «يا يوسف سأجعل من هذا الكتائبي قومياً اجتماعياً «. فذهلت وقلت له: « أيعقل ان يصبح هذا الشتّام قومياً اجتماعياً؟ « . ودارت الأيام وما أن انتهت السنة الدراسية 1951 1952 حتى أصبح هذا الشاب قومياً اجتماعياً متحمساً، كان له في الثورة الانقلابية دور مهم جداً في المحاولة، إذ قطع كل الخطوط الهاتفية في المركز الرئيسي للهاتف في بيروت حيث كان موظفاً 4 .

وفي نهاية العام الدراسي 1951 1952 وقبل أن أتقدم من شهادة البكالوريا القسم الأول في أوائل حزيران أقسمت يمين الولاء بحضور الرفيقين أوغست حاماتي وأنطون موسى 5 وكان هذا يسبقني بسنة واحدة في الفرير وهو الذي قدّم إليّ طلب الانتماء.

كنت أول قومي اجتماعي في القرية، وبعد سنتين أقسم أخي الأمين ساسين اليمين بعدما انتشلته من يدي شيوعيين اثنين كانا يجتذبانه لمدة سنتين ويحاولان إقناعه بالفكر الشيوعي. وفي مطلع الستينات كان من الذين انتموا أقربائي ديب الشامي وهو صهري في ما بعد، ووديع الشامي وابن خالي نافذ عطية لم يبق منهم إلاّ هذا الأخير على قيد الحياة.

وبعد انتقالي الى قريتي مركبتا لأتسلّم إدارة المدرسة وكانت في سنتها الأولى عام 1958 بعد ما يسمى بثورة 58 ركزّت على طلابي في المدرسة فكنت أدخل مفاهيم الحزب الى عقولهم بواسطة شرح الدروس وإعطاء المواضيع الإنشائية والأحاديث والأمثلة والقدوة في التعليم والعطاء خارج الدوام الرسمي صباحاً وظهراً ومساءً وأيام العطل، ما أثرّ في نفوسهم، وما أن تقدموا الى شهادة البريفية بعد منتصف الستينات حتى كان الفوج الأول من المنتمين وكرّت السبحة في ما بعد. حتى وصل العدد التقريبي في يومنا هذا الى أكثر من ستين رفيقاً.

بالنسبة إلى المنية كان أول المنتمين في أواخر الأربعينات الرفيق الراحل رئيف قليمة تلاه في أوائل الخمسينات أنيس البيطار، ثم الرفيق عبد القادر علم الدين 6 ، بعد مقتل العقيد عدنان المالكي في 22 نيسان 1955 ونزوح عدد كبير من القوميين الاجتماعيين من الشام الى لبنان بدأت مرحلة الحضور الى المنية عن طريق الامين عمر أبو زلام 7 وكان قد عيّن منفذاً في طرابلس، وكانت هذه المرحلة بين 1955 1958 المرحلة الذهبية في المنية إذ انتمى عدد كبير من الشباب.

الرفقاء الأوائل في المنية توفّوا جميعاً وهم: رئيف قليمة، أنيس بيطار، يوسف قليمة، إسبر قليمة، كمال كنعان، عبد القادر علم الدين وشقيقاه عدنان وشوكت، مصطفى سعد الدين ، بهزت كنعان، ابراهيم البضن، محمد زريقة 8 وصلاح العيسى.

مركبتا

من قرى قضاء الضنية.

تبعُد عن بيروت 102 كلم.

الارتفاع عن سطح البحر 220 متراً.

القرى المحاذية: كفريا، المنية، تربل، زوق بحنين.

وردنا من الرفيقة وعد عطية الشرح الآتي، نقلاً عن كتاب «المجتمع، الدين والتقاليد للدكتور عاطف عطية الصادر عام 1993:

«لا يسعنا التأكيد أن اسم القرية يعود الى اصل سرياني وإن كان قريب الصلة بهذا الأصل أكثر من العربية، إلاّ أن شبه المؤّكد أن سكان القرية الحاليين لا يعود تاريخهم الى أكثر من ثلاثة قرون، وإن كان رجل دين يضفي عليه نوعاً من الهالة الدينية بنسبته الى دير قديم موجود فيها. وكانت القرية مركزاً لتجمّع رعاة ومزارعين تركوا جرود الضنية للاستقرار في أمكنة، المناخ فيها أكثر اعتدالاً، ومياه الريّ متوافرة. وما يرجّح هذا الظن وجود صلات قرابة مع عائلات لا تزال تحمل الاسم نفسه في منطقة الضنيّة.

تقع مركبتا بين جبال ثلاثة لا منفذ لها إلاّ من جهة الشمال ناحية البحر وبلدة المنية. يغذي أرضها نبع ماء غزير نسبياً هو «عين الضيعة» .

تضيف الرفيقة وعد أنه تمّ استحداث بلدية في مركبتا منذ سنة 2010.

« ينشط في المتحد مستوصف خيري تشمل خدماته الجوار، و»نادي النهضة الثقافي الاجتماعي» الذي تأسس سنة 1968 ويقوم بنشاطات ثقافية واجتماعية وترفيهية… هدفه رفع مستوى الشباب الثقافي والاجتماعي وشدّ أواصر المحبة والإخاء وتوثيق روابط التضامن والتآلف في البلدة. ويرأس النادي حالياً الرفيق الدكتور عامر عطية «.

هوامش:

1 – تولّى مسؤولية ناظر تدريب في منفذية طرابلس، الى مسؤوليات في عمدة الدفاع. شارك في الثورة الانقلابية عملية الإفراج عن النقيب الأمين شوقي خيرالله من ثكنة الفياضية، مع الأمين ميشال خوري والرفيقين جوزف عقل الياس وعادل إندراوس .

2 – منح رتبة الأمانة. بقي عاملاً حزبياً حتى آخر لحظة في حياته. ومات في المنية ودفن فيها.

3 – والد الأطباء نجيب، وسام وبسام. كان مربياً وقومياً اجتماعياً مناضلاً متمتعاً بوعي عقائدي والتزام صادق بالحزب.

4 – هو الرفيق قزحيا شليطا، من منطقة الجبّة .

5 – من بلدة «رماح» في عكار. لم يستمر طويلاً في الحزب وكان أمضى سنوات في سويسرا.

6 – شارك في الثورة الانقلابية ، وخرج مع العفو عام 1969. تابع نضاله الحزبي متولياً مسؤوليات حزبية، منها مسؤولية منفذ عام طرابلس .

7 – محام، من حلب، تولى مسؤولية عميد العمل، وكان منح رتبة الأمانة. كان خطيباً مفوهاً وضليعاً بالعلوم القرآنية.

8 – أسر في الثورة الانقلابية. وخرج مع العفو. رفيق مناضل وهو رب عائلة قومية اجتماعية بكاملها. ومنهم الرفيق عمر زريقة.

رئيس لجنة تاريخ الحزب

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى