هل تتحوّل بيروت الى مطمر للنفايات؟
محمد حمية
أزمة جديدة طفت على سطح الأزمات في لبنان بعد انتهاء العقود مع شركة سوكلين المكلفة ملف النفايات في السابع عشر من الشهر الجاري وبعد إقفال مطمر الناعمة.
رغم الابعاد البيئية لأزمة النفايات المستجدة، إلا أنها عكست حجم الخلاف السياسي وتضارب المصالح المالية والتجارية وأماطت اللثام عن بعض من الخلل الكامن في مؤسسات وإدارات الدولة في ظل تعطيل المؤسسات الرئيسية الثلاث في الوقت نفسه وهي رئاسة الجمهورية ومجلس النواب ومجلس الوزراء.
فما هي جذور وأسباب هذه الأزمة الطارئة؟ وما هي تداعياتها البيئية؟ وما هو الحل؟
مصدر نيابي أشار لـ«البناء» الى أن ملف النفايات كغيره من الملفات، حيث توزع الاسهم والحصص على الطوائف والاحزاب السياسية الاساسية، فقد نال كل طرف حصته في التلزيم الأخير لشركة سوكلين وعندما انتهت العقود اليوم بدأ الخلاف على توزيع الحصص والاسهم من جديد، وأكد المصدر أن هذه الأزمة ستحل بتوزيع هذه الحصص من جديد بعد الاتفاق بين الأطراف المعنية بهذا الملف، وأشار الى أن هناك رائحة اتفاق تفوح بين بعض الجهات لدفع الدولة للإستنجاد بشركة سوكلين وتلزيمها من جديد ملف النفايات.
وذكر المصدر بما حصل في التلزيم السابق لسوكلين، حيث مدد للشركة ثلاث أشهر بعد أن تم الاتفاق بين الاطراف المعنية على الحصص، حيث توزع أرباح هذا القطاع التي تقدر بمليون دولار يومياً على ست جهات سياسية، أي أن كل جهة تحصل على 180 الف دولار يومياً.
وأوضح المصدر، أن شركة سوكلين موجودة منذ حقبة الرئيس رفيق الحريري وتملكها مجموعة من النافذين الموجودين في السلطة وبعض المسؤولين السوريين آنذاك، أما ما يحصل الآن هو الاتفاق على عملية تقاسم الحصص بين الزعامات الجدد.
مصدر مطلع على مرحلة الوجود السوري في لبنان، لفت لـ«البناء» الى أن ملف النفايات مطروح منذ ما بعد تحرير الجنوب في العام 2000 وعائداته المالية تقدر بمليارات الدولارات، وأشار الى أن مشاريع المطامر خربت موضوع التلزيمات في ذلك الوقت، مشيراً الى أن الاهم من المطامر هو المطامع، متحدثاً عن ضغوط سياسية كبيرة مورست لإقفال مطمر الناعمة.
وأشار المصدر الى أنّ الرئيس رفيق الحريري هو أول من أدرك أهمية الاستثمار في ملف النفايات والى عائداته المالية، فأنشأ شركة سوكلين وبدأ يوزع من عائداتها حصصاً مالية على زعماء الطوائف والمذاهب والمسؤولين السوريين الذين كانوا في تلك المرحلة.
وذكّر المصدر بأنّ الرئيس إميل لحود كان يريد إدخال الرئيس فؤاد السنيورة الى السجن بسبب مشاركته في الفساد في شركة سوكلين وحينها رفض اللواء غازي كنعان ووقف الى جانب السنيورة ضدّ الرئيس لحود.
وجزم المصدر بأنه إذا لم يتمّ إنشاء معامل تكرير النفايات لن تحلّ المشكلة، إلا انه أكد أنّ بناء معامل ومصانع يحتاج الى وقت طويل وبالتالي أننا أمام أزمة حقيقية في ملف النفايات.
وشدد على أن أهالي الناعمة اتخذوا قراراً نهائياً بإغلاق مطمر الناعمة بتغطية من بعض الجهات السياسية، وتساءل: إذا التزمت الشركات الملف، فإلى أين سينقلون النفايات؟
وأسف المصدر لأن نفايات الشارع أظهرت كل نفايات السياسيين والنظام المذهبي والطائفي في لبنان، ودعا اللبنانيين الى التظاهر في الشارع وأمام منازل السياسيين ونقل النفايات من الشوارع ورميها أمام المجلس النيابي.
تساؤلات عديدة تطرح أمام هذا المشهد الكارثي والغير حضاري، فإذا كانت الدولة عاجزة عن حل مشكلة النفايات، فهل تستطيع حماية الحدود من الخطرين الارهابي و«الاسرائيلي»؟ أما ما يثير الاستغراب هو دخول ايران النادي النووي في الوقت نفسه تطمر لبنان النفايات! أما اللافت هو الهجمات التي يشنها بعض شخصيات قوى 14 آذار على ايران، فهل يحق لمن تمتلئ شوارع عاصمته بالنفايات في موسم السياحة والاصطياف انتقاد دولة دخلت النادي النووي؟
حلول عديدة طرحت لمعالجة الازمة المستجدة، إلا انها ليست حلولاً حقيقية، فالازمة لا تسمح بتضييع الوقت، النفايات تتكدّس في الحاويات وعلى جنبات الطرقات وتفوح منها روائح كريهة تسبّب أمراضاً خطيرة، أما إقدام بعض المواطنين على حرق النفايات فإنه يضاعف الخطر بحسب ما حذر منه أخصائيون في الكيمياء، فضلاً عن الخسائر في البنية التحتية، فقد أعلنت هيئة اوجيرو أنّ احراق النفايات أدى إلى إحراق موزعات اساسية وثانوية وانقطاع الخدمة الهاتفية الثابتة والانترنت عن 4000 خط تابعة لمشتركين في المناطق التي تغذيها هذه الموزعات مخلفة أضراراً جسيمة في الشبكة الهاتفية.
مجلس الوزراء المعنيّ بهذه الازمة مرّ عليها في جلسة الامس مرور الكرام وكأنّ الموضوع امر طبيعي، فرهان الوزراء كان على مناعة المواطن اللبناني ضد سموم النفايات، والتي اكتسبها طوال عقود من الزمن.
أما وزير البيئة محمد المشنوق، فبشر اللبنانيين بأن «النفايات ستزال من شوارع بيروت وستتقلص أحجامها بدءاً من اليوم»، لافتاً الى انّ «قرار مجلس الوزراء السابق أكد على ضرورة ايجاد مطمر لبيروت وضاحيتيها وباقي المناطق خارج منطقة الناعمة».
الى أن تتحق وعود المشنوق وإلى حين اتفاق المعنيين على حصص وأسهم سوكلين، هل تتحوّل بيروت الى مطمر للنفايات؟