لماذا العودة إلى إحياء فزاعة الكيماوي؟

حميدي العبدالله

وزع مندوب الولايات المتحدة في مجلس الأمن في الأسبوع الثاني من شهر تموز، مشروع قرار «يهدف إلى تحديد مرتكبي هجمات الأسلحة الكيماوية في سورية لتقديمهم إلى العدالة»، وتعليقاً على هذه الخطوة قال مندوب روسيا في مجلس الأمن فيتالي تشوركين «أنه يتوجب على مجلس الأمن التأكد من حقيقة ومسؤولية الأشخاص الذين زعم أنهم مسؤولون عن الهجمات بغاز الكلور من أجل مثولهم أمام المحكمة».

لا شك أنّ الولايات المتحدة هي التي كانت تقف في السابق ضدّ تحديد هوية مرتكبي الهجمات الكيماوية، ومعروف أنه عندما أرسلت الأمم المتحدة خبراءها في عام 2013 للتحقيق في مسألة استخدام أو عدم استخدام السلاح الكيماوي، أصرّت الولايات المتحدة والحكومات الغربية على أن لا يكون من مهامّ الفريق الدولي تحديد الجهة التي استخدمت هذا السلاح، وواضح أنّ هذا السلوك لم يكن حرصاً على الحكومة السورية التي تتهمها الولايات المتحدة ليلاً نهاراً بأنها تقف وراء استخدام هذا السلاح، وإنما التستر على الفاعلين الحقيقيين، لا سيما أنّ ثمة واقعة غير قابلة للدحض تؤكد أنّ الإرهابيين من قوات المعارضة هم الذين استخدموا سلاحاً كيماوياً في خان العسل بالقرب من حلب، وكان الإصرار على عدم تحديد هوية الفاعلين حماية هؤلاء الإرهابيين، وربما حماية حكومات تقف وراء مثل هذه الهجمات.

دعت الولايات المتحدة عبر ممثليها في الأمم المتحدة إلى إجراء تحقيق مستقلّ حيث قالت «نظراً للادّعاءات المتكرّرة حول هجمات الكلور في سورية، وعدم وجود أيّ هيئة دولية لتحديد هوية مرتكبي الهجمات بالأسلحة الكيماوية، فمن الأهمية بمكان أن يجد مجلس الأمن آلية للقيام بتحقيق مستقلّ».

تعلم الولايات المتحدة أنّ هذا المشروع لن يمرّ إذا كان مشروعاً كيدياً، ويهدف إلى تجريم مسبق للحكومة السورية، أو إجراء تحقيق شكلي يقود إلى تجريم الحكومة السورية، لأنّ ما رفضته روسيا في السابق عندما كانت علاقاتها جيدة مع الولايات المتحدة، لن تفعله الآن في ظلّ تدهور العلاقات بين البلدين، وتبادل التحديات والعقوبات، ولكن مع ذلك وزعت واشنطن هذا المشروع، فما هو الهدف من وراء ذلك؟

الأرجح أنّ الهدف الفعلي هو تفعيل هذه الفزاعة، على الأقلّ سياسياً وإعلامياً، للضغط على الحكومة السورية، ولكن إذا أصرّت واشنطن على المضيّ في مشروعها ووفرت ما من شأنه أخذ شروط ومطالب روسيا من أجل تمرير هذا المشروع في مجلس الأمن، إنْ لجهة تشكيل لجنة التحقيق والآلية، أو لجهة الجهة المخوّلة البت بنتائج التحقيق، فعندها يمكن الاستنتاج أنّ ثمة توجهاً جدياً لمعرفة الفاعلين الحقيقيين، وإذا ما حدث ذلك فهذا يكشف في الواقع عن قلق أميركي من احتمال أن تستخدم الجماعات الإرهابية السلاح الكيماوي ضدّ أهداف تخصّ الغرب وتؤثر سلباً على مصالحه، وهي تريد من خلال إجراء ما في مجلس الأمن اتخاذ موقف حازم إزاء مثل هذه المخاطر المحتملة.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى