أميركا تناقش التفاهم النووي مع إيران… والمعركة الانتخابية بلا محرّمات تركيا تتخلى عن المنطقة العازلة وتنخرط ضدّ «داعش»… ودي ميستورا في دمشق
كتب المحرر السياسي
دخلت الخطوات التطبيقية للتفاهم حول الملف النووي الإيراني حيّز التنفيذ مع بدء المناقشات لبنود الاتفاق داخل الكونغرس الأميركي بلجانه ومجلسيه، وبدا من سياق المناقشات التزام إدارة الرئيس الأميركي باراك أوباما بالدفاع عن التفاهم، ما يؤكد النية بالسير فيه حتى النهاية، حيث تولى وزير الخارجية جون كيري تقديم مرافعة متكاملة حشدت لمصلحة تسويق الاتفاق كلّ الأسباب التي تضع الحجة على الضفة المقابلة المطالبة باللااتفاق، بالتالي بترك إيران تمتلك مقوّمات إنتاج قنبلة نووية لأنّ البديل الآخر وهو الحرب يرفضه الجميع، بينما العودة إلى العقوبات فتعني ضمناً عودة إيران إلى التخصيب المرتفع النسبة وتخزين المخصّب الذي سيكون كافياً خلال فترة وجيزة لتمتلك إيران ما يلزم لإنتاج أول قنبلة والعودة عندها إلى التفاوض معها من موقع أضعف، أو تركها تستكمل امتلاك كميات إضافية لا يتوقف خطرها عند حدود قيام إيران بإمكانية تجميعها في إطار قنبلة في أيّ تأزم مقبل، بل بإمكانية وصولها بصورة رسمية أو شبه رسمية إلى أيدي طرف ثالث لا ينفع معه التفاوض سواء كان حكومة أم منظمة غير حكومية. وفيما وصف كيري خصومه بالعبثية والغوغائية ذهب الجمهوريون حدّ اتهامه بالتفريط بالأمن القومي الأميركي، وتمكين دولة تدعم الإرهاب من امتلاك منظومة شرعية لتقنية خطيرة كالتقنية النووية. ولاحظ كلّ متابعي النقاشات أن الضرب تحت الحزام بلا رحمة قد بدأ مع انطلاق المناقشات، وأنّ حملات إعلامية ضخمة مموّلة بملايين الدولارات تواكب هذا النقاش الذي يبدو ظاهره نووياً وجوهره إعلان افتتاح الانتخابات الرئاسية بين الحزبين الديمقراطي والجمهوري.
بالتوازي مع سير إدارة الرئيس أوباما في استحقاقات تشريع الاتفاق الذي يبدو أنّ الرئيس أوباما سيضطر إلى إبرامه استناداً إلى استخدام حق النقض ضدّ رفض الكونغرس التصديق عليه، نجحت واشنطن في إبرام التفاهم المعلّق مع حكومة الرئيس التركي رجب أردوغان وحزبه، بالفصل بين الحرب مع «داعش» والمواجهة مع الدولة السورية التي كانت تشترطها حكومة حزب العدالة والتنمية لتسهيل استخدام قاعدة «انجرليك» من جانب الطائرات الأميركية. وبينما تداولت الأوساط الأميركية تخلي أنقرة عن مطالب مثل إقامة مناطق عازلة على الحدود أو مناطق حظر طيران، أكدت واشنطن تقيّد أنقرة بضبط حدودها لجهة تدفق المقاتلين ومرور السلاح والعتاد والمال عبرها، بينما كان تنظيم «داعش» عملياً يعلن الحرب بصورة ميدانية على القوات التركية فيردي ضابطاً وشرطياً في دورية حدودية رداً على التطورات التي أعقبت تفجير «داعش» لتجمع كردي داخل تركيا على الحدود السورية التركية.
في هذه الأثناء وصل المبعوث الأممي ستيفان دي ميستورا إلى دمشق حاملاً حصيلة محادثاته الإقليمية التحضيرية لجولة جديدة من الحوار السوري السوري يفترض أن تتضمّنها مقاربته أمام مجلس الأمن الدولي يوم الخميس المقبل. وتقوم محاولة دي ميستورا على التوصل إلى تفسير موحّد لبيان جنيف الأساسي الصادر عن وزيري الخارجية الروسي والأميركي قبل ثلاثة أعوام، خصوصاً الجواب على سؤال أيّ من الأولويتين تحكم الأخرى، إعادة تكوين السلطة أم الحرب على الإرهاب، بعدما تكفل التفاهم على الملف النووي الإيراني بإزالة التحفظ الأميركي على شراكة إيران مع الدول المعنية بالمساهمة في رعاية الحوار. وتقوم مبادرة دي ميستورا وفقاً لمصادر أممية هذه المرة على وضع مصير الرئاسة السورية جانباً، وتركها لما بعد الانتخابات النيابية في الربيع المقبل، والتي تشكل الفقرة الأهمّ في مبادرة دي ميستورا لتشكيل حكومة معبّرة عن مشيئة السوريين تخرج من صناديق الاقتراع تحت مراقبة أممية، بعد الانطلاق من اعتبار الحرب على الإرهاب سبباً كافياً لتوحيد جهود السوريين في إطار حكومة وحدة وطنية تشرف على الانتخابات وتتولى قيادة هذه الحرب من ضمن صيغ اعتراف دولية وإقليمية بهذه الحكومة وتطبيع العلاقات معها.
في لبنان الذي يراقب هذه التطورات ويستشعر مناخ التسويات والتفاهمات، لم تتحرك بعد قاطرة التهدئة حتى يتسنى البحث عن التسويات، ففشلت الحكومة مرة أخرى في وضع يدها على صيغة وسط للقضايا التي فجرت اجتماعاتها الأخيرة. وكشفت جلسة أمس وصول مساعي الوساطات إلى طريق مسدود، فحظي ملف النفايات بنقاش من دون بلوغ نتائج مجدية تتخطى الوعود الطيبة القائمة على المزيد من المهل، بينما بقيت قضية آلية عمل الحكومة في مكانها تراوح، وسط تسرّب معلومات عن صيغة تسوية للتعيينات يعمل عليها وزير الدفاع سمير مقبل تقوم على ترقية العميد شامل روكز إلى رتبة لواء بما يمنحه تمديداً تلقائياً للبقاء لمدة سنتين في السلك العسكري تمهيداً لتولي قيادة الجيش مقابل تمرير التمديد للعماد قهوجي لمدة سنة واحدة، تكون كافية لتبلور الاستحقاقات المقبلة وفي طليعتها الانتخابات الرئاسية.
مجلس الوزراء مكانك راوح
لم يخرج مجلس الوزراء أمس بأي نتيجة تذكر، على رغم الملفات الضاغطة التي لا تحتمل التأجيل من التعيينات العسكرية إلى ملف النفايات التي تحولت إلى جبال على طرقات العاصمة والضواحي. ولم يتوصل مجلس الوزراء أيضاً إلى حل لآلية عمل الحكومة، التي كانت الجلسة مخصصة لها، وقرر استكمال البحث الثلاثاء المقبل في مناقشة مستفيضة لطريقة العمل.
ولفتت مصادر وزارية لـ«البناء» إلى أن مجلس الوزراء طرح موضوع النفايات في شكلٍ مقتضب بسبب وجود خطة معتمدة في المجلس سابقاً ووجود لجنة وزارية مخصصة لبحث الملف، ويعمل الوزير محمد المشنوق على تنفيذ الخطة وعرض في الجلسة العقبات التي تحول دون تنفيذها، ولم يتخذ أي قرار على صعيد مجلس الوزراء، بل قال المشنوق في الجلسة انه سيعالج الموضوع الملحّ وسيطلع المجلس الثلاثاء على ما قام به ليرى المجلس ما يمكن أن يفعله ويقدمه للمساعدة في هذا الموضوع».
وطلب وزير الاقتصاد آلان حكيم مناقشة موضوع أزمة النفايات وقدم أربعة حلول في هذا الشأن، إلا أن رئيس الحكومة تمام سلام رفض وأعلن انه لن يبحث أي بند قبل المقاربة الحكومية كما قرر سابقاً».
وعلمت «البناء» أن نقاشاً دار حول مقاربة إدارة الجلسات الحكومية، وعرض كل طرف وجهة نظره في هذا الأمر، لكن لم يطرح أحد أمراً جديداً، وأن وزيري التيار الوطني الحر تمسكا بموقف العماد عون برفض الانتقال إلى بحث البند رقم 2 إذا لم يبت بالبند رقم واحد وهذا ما لم يتم التوافق عليه ورفضه وزراء «14 آذار» والرئيس تمام سلام.
وخاطب الرئيس سلام وزراء التيار الوطني الحر بالقول: «أنتم تريدون وتدعون إلى تطبيق القانون والدستور، فهل رفضكم بحث أي بندٍ من بنود جدول الأعمال قبل بحث آلية العمل الحكومي، هو عمل بما يقتضيه الدستور»؟ ولفت إلى «أنه سيعطي فرصة جديدة نهائية هذه المرة أملاً بأن يتم الاتفاق داخل مجلس الوزراء، رافضاً كل صيغة تؤدي إلى التعطيل مهما كلفه الأمر».
البلد مجمّد وخيار الاستقالة وارد
وأكد وزير الدولة للتنمية الإدارية نبيل دو فريج لـ«البناء» أن جلسة الأمس كانت في الشكل هادئة، إلا أن المواقف ما زالت على حالها والتعطيل مستمر والبلد مجمّد في ظل غياب المعالجة الجدية للأزمة الحكومية وعدم وصول الاتصالات إلى أي نتيجة ملموسة حتى الآن.
وأشار دو فريج إلى «أنّ حزب الله أظهر خلال مواقفه في الجلسة أنه يسير حتى النهاية مع العماد ميشال عون، في حين أظهر الأخير أنّ على الجميع السير كما يريد على قاعدة «ما لنا لنا وما لكم لنا ولكم» وكأنّ الحروب الأهلية والمراحل القاسية التي مرّ بها لبنان لم تعلم التيار الوطني الحر بأنّ في لبنان لا غالب ولا مغلوب وأن لا فرض بالقوة».
ولاحظ دو فريج أنّ حزب الله لم يبرهن في هذه الجلسة على أنه متمسك بالحكومة كما كان يتحدث عادة في الجلسات السابقة وهذا ما كشفت عنه كتلة الوفاء للمقاومة في بيانها أمس بتحميلها المسؤولية بموضوع النفايات للحكومة السابقة التي هي حكومة الرئيس نجيب ميقاتي وحزب الله والتيار الوطني الحر ولم يكن تيار المستقبل موجوداً فيها، وأضاف: «الخطة التي وضعت للنفايات عام 2010 في الحكومة السابقة لم تطبّق اليوم».
وإذ حذر دو فريج من «أنّ خيار الاستقالة وارد لدى الرئيس سلام الذي عبّر خلال الجلسة عن القرف والتشاؤم من هذا الوضع الحكومي التعطيلي، إلا أنّ ما يؤخر ذلك هو عدم وجود رئيس للجمهورية ليقبل الاستقالة، لكن استقالة سلام تحوّل الحكومة إلى تصريف أعمال».
وفي موضوع النفايات، أوضح دو فريج أنّ «المشكلة في المطامر وعند المواطن اللبناني الذي لا يملك عقلية التعاون مع الدولة، فلا يوجد في مدينة بيروت التي تعاني من الكثافة السكانية أيّ مكان أو عقار واحد لاستعماله كمطمر للنفايات».
وأكد وزير الإعلام رمزي جريج لـ«البناء» أنّ «الجلسة كانت هادئة وطال النقاش بين الوزراء، وكل وزير أدلى بوجهة نظره، وعرض الرئيس سلام مقاربته لجميع مراحل طريقة عمل مجلس الوزراء».
تمديد لجزء من عمل سوكلين
واقترح رئيس بلدية بيروت بلال حمد أن تستمر سوكلين بما كانت تقوم به على صعيد بيروت الإدارية ما عدا الطمر .وأشار إلى أن المجلس البلدي يعمل على مشروع عقد مع شركة خاصة تملك عقاراً خارج النطاق البلدي حيث تتسلم بقايا النفايات وتطمرها خارج المدينة.
وأكد النائب محمد قباني لـ«البناء» أن استمرار سوكلين بعملها على نطاق بيروت الإدارية هو تمديد لجزء من عملها المتعلق بالكنس والجمع لا الطمر». ولفت إلى «أن بيروت لم تدخل في المناقصات ومن الطبيعي أن يتم البحث عن شركة خاصة لتطمر النفايات خارج العاصمة».
وأكد النائب عمار حوري بدوره لـ«البناء» أننا كنواب بيروت نضغط من أجل إيجاد حل لأزمة النفايات في العاصمة». ولفت إلى «أن اجتماع نواب بيروت مع البلدية أمس ناقش قرار إرسال النفايات إلى عكار». وأشار إلى «أنه لا يجوز لمناطق أهملتها الدولة لعقود طويلة أن تتخذ قراراً بتوريد النفايات إليها، فنحن ندعم مطالب أبناء عكار ونعمل في الوقت نفسه على إيجاد حل للأزمة».
وقالت كتلة الوفاء للمقاومة: «ليست مشكلة النفايات والعجز الحكومي عن معالجتها سوى واحدة من مفردات هذا الوضع المهترئ الذي وصلت إليه البلاد في ظل سلطات تفتقد روح المسؤولية العامة، وتدخلات تقطع الطريق عملياً على المحاكمة والمحاسبة، وفقدان التخطيط لمشاريع الإصلاح والتطوير فضلاً عن مشاريع التنفيذ وحسن إدارتها ومواكبتها. وإذا كان هذا الاهتراء قد نما مع معظم الحكومات من دون أي علاج، فإن الحكومة الراهنة في هذا الظرف الاستثنائي، تعمل وسط آليات وأدوات وبنية فساد خلفتها لها معظم الحكومات السابقة.
أنا موجود أنا مرشح
وأكد رئيس تكتل التغير والإصلاح العماد ميشال عون في حديث إلى «أل بي سي»: «أنه لا يخوض معركته ضد أحد وطالما أنه موجود فإنه مرشح للرئاسة، والمشكلة اليوم هي في حقوق المسيحيين في السلطة والمناصفة الفعلية في مجلس النواب».
وشدد عون على «أننا نريد التوصل لقانون انتخابات عادل ومنصف للجميع»، مشيراً إلى «أن العدالة الانتخابية لا تتحقق إلا بقانون يعتمد النسبية».
وأضاف: «لا أحد يمكنه أن يمدّد وكالته من طرف واحد، وعليه فإن مجلس النواب الممدِّد لنفسه غير شرعي، ومن أسمى أشكال الديمقراطية انتخاب الرئيس مباشرة من الشعب»، معتبراً في هذا السياق «أنه إن لم يكن الحل بالانتخابات المباشرة فيجب على الكتلة الأكبر مسيحياً تسمية رئيسها مثلما يفعل السنة في الحكومة والشيعة في رئاسة البرلمان. وأكد أن التيار الوطني الحر يجب أن يكون ممثلاً مثل غيره. ولفت إلى «أنه اتفق مع البطريرك الماروني الكاردينال بشارة الراعي على المعايير المطلوبة للرئاسة».
ورداً على سؤال في شأن التعيينات الأمنية، أوضح عون أنه «اتفق مع رئيس كتلة المستقبل سعد الحريري في 18 شباط على تعيين العميد شامل روكز لقيادة الجيش مقابل العميد عماد عثمان أو العميد سمير شحاده لرئاسة قوى الأمن لكن الأمر لم يبت، مشدداً على أن لا علاقة للصداقات في التعيينات».
روكز وفاضل من الاحتياط
في سياق آخر، تتردد معلومات عن إمكان استدعاء مدير المخابرات ادمون فاضل وشامل روكز من الاحتياط في أيلول مع انتهاء ولايتهما. ولفتت مصادر مطلعة لـ«البناء» إلى أنه إذا كان لاستمرار فاضل في مديرية المخابرات فهذا أمر يمكن فهمه، أما لاستمرار العميد روكز في قيادة فوج المغاوير فهذا غير مفهوم لناحية ماذا سيجني روكز من هذا المنصب غير المؤثر في القيادة، أما إذا كان المقصود فتح المجال أمامه لعودة روكز لتسلّم قيادة الجيش فهذا مستحيل، إذ أن المادة 19 من قانون الدفاع تشترط أن يكون القائد من الضباط العاملين ولا يمكن استدعاءه من الاحتياط.
وتحدثت المعلومات عن أن وزير الخارجية جبران باسيل هو من بحث طرح استدعاء روكز من الاحتياط مع الوزير سمير مقبل الذي لم يبد أي رفض له. ولفتت المصادر إلى «أن قصة مدير المخابرات قد تكون باباً للتسوية لاسم قائد الجيش، بين الرئيس ميشال سليمان وقائد الجيش المختلفين على اسم المدير بين العميد وديع الغفري المرشح من سليمان والعميد كميل ضاهر المحسوب على قهوجي وهو مدير مكتبه، وهكذا يمكن إزالة هذا الخلاف وإقفال الباب أمام أي تسوية أخرى». وسألت المصادر: «لماذا لم يتم تعيين نائب مدير للمخابرات وهو منصب للطائفة الشيعية حتى اليوم»؟
في سياق آخر، سارع رئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع إلى طمأنة رئيس التيار الوطني الحر العماد ميشال عون أن زيارة السعودية غير موجهة ضد إعلان النوايا، فأوفد رئيس جهاز الإعلام والتواصل في حزب «القوات» ملحم رياشي إلى الرابية للقاء العماد عون، وأكد النائب إبراهيم كنعان لـ«البناء» «أن مجرد إطلاع جعجع الجنرال على أجواء اتصالاته في الرياض فهذا بحد ذاته التزام من قبل القوات بإعلان النوايا والتعاون بينهما». وأكد «أن رياشي نقل للعماد عون رسالة من جعجع تؤكد دعم السعودية للحوار المسيحي وتشجيعها للتقارب بين الطرفين». ولفت إلى «أن هدف الزيارة وضع الجنرال في أجواء زيارة رئيس القوات إلى السعودية ونتائج الاتصالات التي أجراها مع المسؤولين السعوديين والتي تمحورت حول الأوضاع في المنطقة من اليمن وصولاً إلى لبنان مروراً بالعراق وسورية في ضوء الاتفاق النووي».