واشنطن: تبييض صفحة الإرهاب

حميدي العبدالله

بتاريخ 10-7-2015 نشرت صحيفة «واشنطن بوست»، وهي من كبرى الصحف الأميركية، ومعروف عنها دعمها لخيار التدخل العسكري الأميركي المباشر في سورية، ومن أشدّ ناقدي استراتيجية أوباما، مقالاً لشخص يدعى «لبيب نحاس» قدّمته على انه «رئيس العلاقات السياسية الخارجية لأحرار الشام» تحت عنوان «عواقب مميتة لتصنيف الثوار في سورية» أدان فيه تصنيف الجماعات المعارضة المسلحة بين معتدلين ومتطرفين.

معروف أنّ «أحرار الشام» تنظيم إرهابي تابع لتنظيم «القاعدة»، ومعروف أنّ أحد أبرز قادة هذا التنظيم ومن كبار مؤسسيه أبو أحمد السوري الذي اغتالته «داعش» في حلب، وكان موفداً من قبل أيمن الظواهري لتشكيل هذه المنظمة الإرهابية. وثمة أشخاص قياديون آخرون من «أحرار الشام» مصنّفون من قبل الولايات المتحدة كإرهابيين، ومع ذلك أفسحت كبرى الصحف الأميركية ومنحت الفرصة لقائد في هذا التنظيم الإرهابي لمخاطبة الرأي العام الأميركي والغربي.

لا شك أنّ مجرد السماح بنشر هذا المقال، في الوقت الذي يدعو فيه الكثير من المسؤولين في الغرب إلى تقييد استخدام الإعلام من قبل التنظيمات الإرهابية يشكل إدانة دامغة للصحيفة وللقوى والتيارات التي تمثلها في الكونغرس وفي النخبة الحاكمة الأميركية بالتواطؤ مع الإرهاب والتعاون معه وتبييض صفحته وتقديمه عل نحو مغاير لسلوكه الفعلي.

المقال المنشور لم يخفِ هوية هذا التنظيم الإيديولوجي، فكاتب المقال قال بصراحة إن تنظيم «أحرار الشام» «جماعة إسلامية» ومعروف أنّ الجماعات الإسلامية تلتزم بإقامة نظام حكم يستلهم الشريعة الإسلامية وفق تفسير هذه الجماعات لهذه الشريعة، وبديهي أنّ هذا التفسير يحارب المذاهب والأديان الأخرى، ويرفض مساواة الرجل والمرأة، ويرفض مبدأ الديمقراطية وتداول السلطة.

ومعروف أنّ الحكومات الغربية، والنخب الحاكمة القريبة دائماً تصدح بشعار أنّ المعيار في تعاملها مع الأنظمة والحكومات يتجسّد في مدى تطابق قيمها مع القيم الأميركية والغربية، فهل القيم التي تعتقدها هذه الجماعات الإسلامية، وعلى رأسها «أحرار الشام» تمثل قواسم مشتركة مع القيم الأميركية، هل القيم الأميركية ترفض مساواة المرأة بالرجل أو تداول السلطة ديمقراطياً، أو احترام حقوق الأديان والمذاهب الأخرى؟ إذن ما الذي يجمع هذه الجماعات الإسلامية مع القيم السائدة في الغرب؟

من الواضح أنّ المسألة ليست مسألة قيم مشتركة، بل مسألة سياسية بالدرجة الأولى، والقيم التي تتغنّى بها النخب الغربية، ولا سيما الأميركية، هي مجرد شعارات طنانة من أجل تضليل الرأي العام، فطالما أنّ الجماعات الإرهابية تضعف الدول والحكومات المستقلة والتي ترفض سياسة الهيمنة الغربية والأميركية، فلا بأس من التعامل معها ووصفها بالثوار حتى لو كانت هذه الجماعات جماعات إرهابية موصوفة.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى