زهور على قبر هرتزل!
نسيب بو ضرغم
مرّ أمام عين الشمس مشهد انحناء بابا الكثلكة في العالم وهو يضع الزهور على قبر لطالما كانت الشمس تشيح بوجهها عنه خجلاً من يسوع! مشهد انحناء الضحية أمام الجلاد.
بابا روما، خليفة يسوع الفلسطيني في عالم الأرض، وما كان لنا أن نقارب زيارته إلى فلسطين المحتلة لولا سببان هما من جوهر ثقافتنا القومية.
أما السبب الأول، فإننا نعتبر يقيناً أن يسوع هو إبداعٌ سوري للعالم، وإن شئت إبداع إلهي بروح وشكل سوريين مُترعين بخمرة الحضارة السورية الضاربة في التاريخ منذ ما يزيد على ثمانية آلاف عام، حمل رسالة الحضارة السورية في وجه التحجر اليهودي، فكانت تلكأت الحضارة منطوية في كل كلمة قالها.
يسوع، إرث سوري مسكوني، دمُه محفوظ في وجدان الأمة منذ أن بزغت الشمس وإلى أن تنطفئ، وتعاليمه السورية بُعْدٌ إنساني ثقافي ممتّد في الإنسانية جمعاء، فهو روح عميقة تنطوي في خلايا هذا الجسد الإنساني على مدى العالم.
ولأنه كذلك، فليس لخليفته إلاّ أن يُبشّر بأناجيله، وينشر تعاليمه، فهو خليفة صاحب الرسالة، لنشر الرسالة، أمّا أن يبارك جلاديه ويعترف بهم وينحني فوق قبورهم، أما أن يؤكد احترامه لواحد من «أنبياء» التوراة في العصر الحديث، ثيودور هرتزل، فيعني ذلك أنه قد سفّه تعاليم يسوع وحاد عن صراط خلافته، وبالتالي فقد انحاز إلى الطغيان التوراتي ضد الثقافة السورية السامية.
أما السبب الثاني، فهو أن الانحناء فوق قبر هرتزل نعتبره، اعترافاً صريحاً بشرعية الجلاد الذي اعتدى على حقنا وديننا ووطننا، وأن هرتزل كان على حق، وأننا جميعاً، نحن جميعاً، كنا طغاة، ومحتلين، ومعتدين، وكذبة، وأن القبر وصاحب القبر في مكانهما، وما كان التاريخ إلاّ ما كانوه هم. نعتبر ذلك، ومن حقنا، وبمرارة نقول لقداسة البابا، إنه لو استطاع قبر هرتزل أن ينبس لوجد تحته عظام فلسطينيين انطووا في تلك الأرض الطيبة منذ ما قبل لجوء «أبراهام» من أور الكلدانيين، منذ ما قبل أن بدأت الكذبة العظمى بل الأعظم في تاريخ الإنسانية.
أنْ يضع بابا روما إكليلاً من الزهر على قبر هرتزل فهذا عدوان واضح على وجودنا القومي وعلى قدسية هذا الوجود.
هرتزل يا قداسة البابا يمثل جميع المفاهيم والقناعات التي حملها هؤلاء اليهود وهم يتجمهرون أمام قصر بيلاطس… هؤلاء الذين تسببوا بصلب يسوع… هرتزل هو المؤسس الأول للصهيونية الحديثة، والأب الروحي لدولة الاغتصاب اليهودي، هرتزل هذا رمز لغلبة الباطل اليهودي على الحق السوري، فكيف لك أن تدير ظهرك لكل ذلك وتمنح المنطوي في ذاك القبر صك براءة، وأنت خليفة المصلوب؟!
يا قداسة البابا، كان السلطان العثماني عبد الحميد أكثر وفاء لفلسطين من قداستكم، حينما رفض عرض تيودور هرتزل القاضي بتمويل الخزينة العثمانية ملايين الليرات الذهبية مقابل أن يسمح السلطان بهجرة اليهود إلى فلسطين. بلى، رفض قائلاً له: لا تدخلون فلسطين إلاّ على جثتي… وها أنت يا قداسة البابا تقف إزاء جثتين: الأولى في القبر تنحني لها بالزهر، والثاني حوّلها اليهود إلى قبر لأهلها، وهي فلسطين، الجثة الفلسطينية التي شرعت لهرتزل جرائمه في حقها.
أمام هذه الفاجعة يسأل المرء نفسه: تُرى ما سرّ هذا الانحناء المسيحي الغربي لليهود؟
وإنني في هذا السياق أميل إلى الاعتقاد بأن السرّ يكمن في دمج التوراة بالإنجيل وجعلهما «كتابا مقدساً». هذا الدمج هو الصلب الثاني ليسوع، الصلب الذي لم يسمح ليسوع بأن يدحرج بعده الحجر عن قبره ويصعد إلى السماء.
لقد هوّدوا المسيحية ولم يبق في الغرب مسيحية مسيحية، بل مسيحية صهيونية. يقرأون في الكنائس الغربية مزامير داود أكثر مما يقرأون إنجيل لوقا وإنجيل يوحنا.
ماذا يعني دمج التوراة بالإنجيل غير تسفيه الأناجيل؟ كيف يجتمع الانغلاق بالانفتاح؟ وكيف يجتمع التسامح والبطش والذبح وسفك الدماء؟ كيف يستوي أن يُضَم كنيس الشيطان إلى كنيسة يسوع؟ أليس مَن أطلق وصف المعبد اليهودي بكنيس الشيطان غير يسوع.
من حقنا يا قداسة البابا، بل من واجبنا أن نقول لك لا، إن لنا كنيسيتنا، كنيستنا التي ما زالت تفيض بيسوع روحاً وثقافة وتسامحاً ومحبة وسمواً، لم تعرف بعدُ الماسونية، ولم تتلوّث بعدُ بمفاهيم التوراة. هي إنجيلية صافية تماماً مثلما خرجت من فم يسوع.
لنا كنيسيتنا السورية التي ستقود الثورة العالمية على الكنيسة المتهوّدة انتصاراً ليسوع الناصري. لنا كنيستنا التي ستعيد الدائرة المسيحية العالمية إلى نقطة البيكار السوري. وستبقى فلسطين جنوب سورية، الجنوب الرافل بروح المسيحية والإسلام، والمعتز بقوميته السورية الخالدة.
أيضاً من حقنا القول إنّ الوصول إلى الأرض المقدسة يبدأ من أنطاكية مروراً بسائر المشرق… ومنْ قال إن يسوع يقبل بالحجّ إليه تحت حراب اليهود؟