تدوير قمامة «الطائف» إلى نظام

وليد زيتوني

حدّثني صاحبي قائلاً: «أما آن للطائف أن يترجّل؟»، قاصداً اتفاق الطائف المعنيّ بإنهاء الحرب الأهلية اللبنانية.

قلت: نعم، لو كان الطائف فارساً والدولة فرساً.

«الطائف»، يا صديقي، آلة ارتضيناها وقبلنا بها لوقف قصف المدافع وأزيز الرصاص، وحجب الدم المراق لحرب عبثية كريهة بين أخوة حياة.

والدولة، يا صديقي، بقرة حلوب مملوكة من زعماء الطوائف، يستفيدون حتى من روثها.

«الطائف»، دستورياً وقانونياً، بواقعه الحالي، محاولة لتسلط طائفة انتصرت عسكرياً في الحرب على طائفة كانت متسلطة وانهزمت عسكرياً وسياسياً. على قاعدة «جمل محلّ جمل يبرك».

«الطائف» اتفاق بين الولايات المتحدة الأميركية الساعية دائماً بعقلها البراغماتي إلى فرض حالة «ستاتيكو» تؤمّن استمرارها بالنهب، وبين جامعة عربية، لا يجمعها إلا التبعية للسيد الأميركي. جامعة شكلية تحت وطأة غزارة الرشوات السعودية لضبضبة أوضاع لا تخدم السيد المطلق في زمن الانفراد الدولي لحظة انهيار الاتحاد السوفياتي.

«الطائف» يا صديقي، مجموعة من البنود، لم ينفذ منها إلا البنود المجحفة. البنود التي كرّست هذا الكيان مزرعة كما يُقال داخلياً و»عزّبة» على الطريقة المصرية، كي لا نقول «كرخانة» بحسب النهج التركي لأمراء الخليج، وتحديداً للعائلة المالكة السعودية. هذه العائلة التي تملك في لبنان مادياً ومعنوياً، مباشرة أو مداورة أكثر بكثير مما يملك اللبنانيون من حيث القيمة العقارية المالية وقيمة القرار السياسي.

للدلالة فقط، ولتأكيد هذا الكلام، فإنّ سعر متر مربع من السوليدير أو مزبلة النورماندي سابقاً يساوي مالياً قطعة أرض مساحتها أكثر من ألف متر مربع في البقاع أو عكار أو الجنوب، كمعدل وسطي للأسعار.

هذا مالياً، أما سياسياً، فلو افترضنا اجتماع اللبنانيين على انتخاب رئيس جمهورية أو اختيار رئيس وزراء، فهل بإمكانهم فعل ذلك، من دون موافقة سعودية مسبقة؟

لو عدنا، يا صديقي، إلى اتفاق الطائف نفسه، هل نفذت جميع بنوده؟

فمن مثلاً منع إقرار بند إلغاء الطائفية السياسية؟ هذا البند الذي نوقش في مجلس الوزراء في عهد الرئيس الهراوي ونال 23 صوتاً من أصل ثلاثين وزيراً. وبغضّ النظر عن الأسباب والخلفيات التي حكمت مناورة طرحه، فإنّ التأزيم السياسي والتهديد بالشارع الذي لجأ إليه اتباع السعودية في حينه، إضافة إلى الخدمات والامتيازات التي قدّمت لبعضهم، ساهم في التراجع عن إقراره.

ومن منع مثلاً إقرار قانون انتخابي عصري وأكثر تمثيلاً للشرائح الاجتماعية في لبنان؟ فما سُمّي قانون غازي كنعان هو في الحقيقة تقسيم انتخابي يرضي رفيق الحريري ووليد جنبلاط. هذا القانون تمّ بضغط من السعودية لمصلحة أتباعها. وما هو مصير مجلس الشيوخ؟ والمناصفة الحقيقية بين الطوائف، والإنماء المتوازن بين المناطق؟

إنّ هذا الطائف، يا صديقي، هو من يمنع تسليح الجيش تارة، لأنّ المصدر لا يتناسب سياسياً مع النهج السعودي، وتارة بالإغداق الكلامي واللفظي بمليارات الدولارات التي لا يصل منها شيء إلا إلى جيوب الأتباع أو رهناً بموقف سياسي مطلوب تنفيذه.

إنّ هذا الطائف، يا صديقي، هو مَن صنع سوليدير على حساب أرزاق وأملاك وحياة آلاف اللبنانيين المهجرين إلى أحزمة الفقر والعوز، أو إلى بلاد الاغتراب.

إنّ هذا الطائف، هو مَن ابتدع شركة سوكلين التي سرقت أموال البلديات وحقوق الناس في إداراتهم المناطقية.

إنّ هذا الطائف، هو مَن أوصل الماء والكهرباء إلى الوضع الذي نحن فيه تمهيداً للخصخصة ووضعها بتصرّف الأزلام والأتباع والزبانية.

إنّ الطائف، يا صديقي، ما جعلنا نطوف في شوارع بيروت على جبال من النفايات.

الطائف يا صديقي نظام تدوير لقمامة سياسية.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى