وكيل عميد الخارجية لسنوات طوال… المحامي الأمين جورج شربل
إعداد: لبيب ناصيف
كنت شاهداً على قسمه عندما رفع يمينه عام 1967، طالباً في الجامعة اليسوعية، تلك التي شهدت حضوراً حزبياً جيداً في النصف الثاني من ستينات القرن الماضي وأوائل السبعينات عبر انتماء رفقاء تمتعوا بالوعي العقائدي وصلابة الموقف فحققوا في وسط انعزالي طاغ، نشاطاً حزبياً متميزاً يعرفه من كان طالباً في الجامعة اليسوعية في تلك الفترة.
نذكر منهم الأمين توفيق ميلان، الأمين نبيل فغالي، والرفقاء صباح مطر، نبيل رياشي، أنطون صفير، منى نداف، أولغا أبو شعر، حسام سلوم والعشرات غيرهم.
منذ أن تولى الأمين جورج شربل مسؤولية مدير مديرية اليسوعية، استمر ناشطاً حزبيا، لا يعرف القعود على رغم كل ويلات الحرب التي جعلته يهجر منزله في»المنطقة الشرقية» ويلجأ إلى رأس بيروت.
كان محامياً، إلا أنه لم يمارس المهنة كثيراً، بل انصرف كلياً إلى العمل الحزبي، وبخاصة في مسؤولية وكيل عميد الخارجية.
كان والعميد الأمين مروان فارس «توأم عمل» حقق نجاحات في حقل العمل الخارجي، وإذا كان الأمين مروان برع في تواصله مع السفراء والقناصل، وفي تمثيله الحزب في عدد جيد من المؤتمرات، والمساهمة في زيارة دول وأحزاب ومنظمات أقام معها الحزب، في سنوات الحرب اللبنانية «وبفضلها» علاقات جيدة، فإن الأمين جورج شربل برع في إقامة علاقات صداقة مع أفراد السلك الدبلوماسي يلتقي بكثيرين منهم خارج الإطار الرسمي ما ساعد في توطيد تلك العلاقة.
عدد كبير من الرفقاء اضطر في سنوات الحرب، إلى استعمال أسماء غير أسمائهم بحيث ضاعت أسماؤهم الحقيقية عن كثيرين، لذلك فقليلون جداً يعرفون أن الأمين «جورج حداد» الذي كان يتردد اسمه في صحف الحزب وفي كل التعاطي مع السلك الدبلوماسي، هو جورج شربل.
هذا الواقع يعيدني إلى سنوات العمل السري في ستينات القرن الماضي. كنت على علاقة ممتازة مع الرفيق كميل، إلى أن اكتشفت بعد سنوات وقبل يوم من انتقاله إلى الأردن، فمغادراً بعد سنوات قليلة إلى أوتاوا، أن اسمه الحقيقي هو شفيق راشد.
وبطرس هو الرفيق غطاس الغريب، وأحمد هو الرفيق توفيق حايك، وغيرهم كثيرون.
جورج حداد ـ جورج شربل كانت تربطه علاقة جيدة بالعاملين في مركز الحزب، وخدماته تجعله ينجح في كسب صداقات الآخرين، فالحفاظ عليها. كما أن تمرسه لسنوات في تولي مسؤولية وكيل عميد الخارجية وتعاطيه مع أعضاء السلك الدبلوماسي زادت من تميّزه في حسن التصرف مع الجميع.
تعرضه للخطف:
جاء في عدد مجلة «صباح الخير البناء» بتاريخ 19/2/1983 وفي معرض الحديث عن اختطاف الأمين شربل، ما يلي: «في الساعة السادسة من مساء يوم الخميس الواقع فيه 10/2/1983، اقدم أربعة عناصر مسلحين على اختطاف وكيل عميد الخارجية في الحزب السوري القومي الاجتماعي المحامي الرفيق جورج حداد وهو على وشك الصعود إلى سيارته من أمام أوتيل «امباسي» في منطقة الحمرا في رأس بيروت. ولما حاول الفرار أطلقت النار عليه ووضع بسيارته «الرينو- 12» زرقاء اللون، وهو يتعرض للضرب، واقتاده الخاطفون باتجاه بيروت الشرقية حيث شوهدوا يسلكون طريق الصليب الأحمر القنطاري- جسر فؤاد شهاب».
هذا ما جاء في مقدمة البيان الصادر عن عمدة الإذاعة في الحزب السوري القومي الاجتماعي.
أضاف البيان: «إن الحزب السوري القومي الاجتماعي إذ يضع هذه التفاصيل والحقائق أمام الرأي العام والسلطات الشرعية المعنية. ويطلب تحرك هذه السلطات الفوري، للكشف عن الخاطفين والعمل على إطلاق سراحه ويحمّلها المسؤولية عن أي سوء يمسّ حياته، لأنها هي المسؤولة عن أمن المواطنين وحرياتهم وكرامتهم وحياتهم.
ويهيب الحزب بالرأي العام في بيروت الغربية وكل القوى والفعاليات والمراجع أن ترفع صوتها عالياً للإفراج عن المناضل جورج حداد.
ويعلن الحزب أنه لن يسكت بعد اليوم على أي حادثة تطال أي عضو من أعضائه، أو مسؤول من مسؤوليه.
إننا نلتزم النظام والقانون كل الالتزام لكننا لن نسمح لقانون الخطف والاغتيال ولشريعة الغاب، أن تستهدفنا دون رادع منا. والجدير ذكره أن الرفيق جورج حداد هو من منطقة جزين، التي تشهد منذ فترة أعمال اغتيال وتصفيات تستهدف كوادر وأعضاء من الحزب السوري القومي الاجتماعي».
على إثر الحادث، أجرت قيادة الحزب 1 سلسلة اتصالات شملت القصر الجمهوري، رئاسة الحكومة، وزير الدفاع، وزير العدل، نقابة المحامين والنواب السادة: منير أبو فاضل، زاهر الخطيب، نجاح واكيم، إدمون رزق، إضافة إلى نقابة المحامين وعدد من المراجع النقابية والسياسية والحزبية.
وفي اليوم التالي لعملية الاختطاف، أفاد مصدر مسؤول في الحزب السوري القومي الاجتماعي أن الحزب يؤكد حرصه على إعطاء الشرعية كامل دورها لإجراء الاتصالات اللازمة للإفراج عن وكيل عميد الخارجية المحامي جورج شربل وهو بانتظار هذه الاتصالات.
ووجه رئيس الحزب الأمين إنعام رعد إلى كل من رئيس الجمهورية ورئيس مجلس النواب ووزيري العدل والدفاع ونقيب المحامين بالوكالة برقية جاء فيها:
«أقدم مسلحون في السادسة من مساء العاشر من شباط الجاري على خطف المحامي جورج شربل وكيل عميد الخارجية في الحزب السوري القومي الاجتماعي المعروف بـ جورج حداد، واقتادوه إلى شرقي العاصمة. ويأتي هذا في أعقاب حملة تصفية بالاغتيال لعدد من كوادر الحزب السوري القومي الاجتماعي في الجنوب وخاصة في جزين على أيدي عناصر من القوات اللبنانية. كما سبق أن خطفت كوادر قومية اجتماعية من بيروت والجنوب ومصيرها مجهول حتى الساعة.
نطلب تدخلكم السريع لإطلاق سراح المحامي جورج شربل قبل مسه بأي سوء، ووضع حدّ لهذا المسلسل الإجرامي الخطير الذي يدق اسفينا خطيراً في درب الوحدة الوطنية في هذا الظرف المصيري ويعرّض الأمن الوطني لأشد الأخطار».
ومن جهة أخرى، دعت لجنة المحامين للدفاع عن الحريات والمعتقلين والمخطوفين إلى اجتماع طارئ بحثت فيه موضوع اختطاف وكيل عميد الخارجية وأصدرت في أعقاب اجتماعها البيان التالي:
«إقدام مسلحين على خطف المحامي جورج شربل حداد دليل جديد على عنوان سياسة السلطة الرسمية المنحازة، والمتهاونة في قضايا الحريات وتركها الحبل على الغارب لمنتهكي الحقوق الديمقراطية.
إن لجنة الدفاع عن الحريات والمعتقلين والمخطوفين تستنكر بكل شدة هذا الافتراء وتطالب السلطة وللمرة الألف، بوقفة حازمة ووضع حدّ للممارسات التي تمعن في تشويه وجه لبنان وامتهان الكرامة الإنسانية فيه».
وفاته:
بعد صراع مرير في «مستشفى الشاب» في صيدا وافت المنية الأمين جورج شربل في 2 آذار 2007، وقد نعاه، إلى عائلته، حزبه، ونقابة المحامين، وشيع في اليوم التالي السبت 3 آذار وسط حضور حزبي وشعبي لافت إلى مثواه الأخير في بلدة «صيدون» منطقة جزين .
تقبلّت عائلة الأمين الراحل التعازي في كنيسة مار نهرا، فرن الشباك، ثم تقبلّته إلى جانب قيادة الحزب في قاعة الشهيد الرفيق خالد علوان منطقة البريستول التي شهدت تدفقاً لسياسيين ودبلوماسيين ومحامين وفعاليات حكومية واجتماعية، إلى وفود القوميين الاجتماعيين.
نعي الحزب:
«ينعي الحزب السوري القومي الاجتماعي، أحد كوادره، الأمين المحامي جورج شربل.
الراحل من مواليد صيدون قضاء جزين.
انتمى إلى الحزب عام 1967.
تحمل مسؤوليات عديدة في الحزب، فكان وكيلاً لعميد الخارجية، ومديراً لدائرة المحامين في الحزب، وممثلاً للادعاء في المحكمة الحزبية العليا، وانتخب في المؤتمر العام القومي الأخير عضواً في هيئة منح رتبة الأمانة.
مثّل الحزب في مؤتمرات عربية ودولية.
اختطف إبان الاجتياح الصهيوني للبنان على أيدي ميليشيا الرئيس أمين الجميل وفي عهد رئاسته، وبقي مصيره مجهولاً لمدة شهرين.
تميّزت حياته الحزبية بالعطاء المخلص لحزبه وأمته، وكان مقداماً في تنفيذ المهام الحزبية الموكلة إليه.
وتميزت حياته المهنية بالصدق والشفافية، وهو أحد المحامين الذين اضطلعوا بدور رئيسي دفاعاً عن الحزب في مواجهة الحملات التي تستهدفه، وكان من فريق المحامين الذين توكلوا للدفاع عن القوميين الاجتماعيين الذين اعتقلوا مؤخراً في الكورة».
الاسم الكامل: جورج فريد شربل
الأم: روز عاقوري
مواليد 7/12/1944
اقترن من غريس جوزف عرمان، ورزق بولد وحيد: فريد
أشقاؤه وشقيقاته:
جوزف، سلوى عقيلة القاضي مارون عواد، سامية عقيلة موريس عازار، المرحومة إيلان، المرحومة سهام
انتمى إلى الحزب عام 1967، وتولى المسؤوليات الحزبية التالية:
مدير مديرية اليسوعية، ناظر مالية منفذية بيروت، مندوب مالي في الجنوب، وكيل عميد مالية، وكيل عميد خارجية، مدير دائرة المحامين في الحزب، ممثل الحق القومي، وكان عضواً في هيئة منح رتبة الأمانة عند وفاته.
منح رتبة الأمانة عام 1977
عرف التهجير من منطقة جزين، ومن الأشرفية طيلة سنوات الحرب ما اضطره إلى الاستقرار في رأس بيروت.
شهادة وفاء
رغب الأمين د. مروان فارس، أن يقدم شهادة وفاء صادقة برفيقه وصديقه الأمين جورج شربل، كتب يقول: «لقد كان الأمين جورج رائداً في الولاء للقضية التي آمن بها وعمل طويلاً من أجلها مجاهداً وملتزماً بأصول العمل الخارجي الذي يمثل طموحات الحزب وإرادته في إقامة علاقات وطيدة مع عدد كبير من الدول والأحزاب والمنظمات والهيئات.
عملنا معاً طوال فترة استلامي لمهام عمدة الخارجية في الحزب السوري القومي الاجتماعي في ظل رئاسة الأمين عبد الله سعادة والأمين إنعام رعد والأمين عصام المحايري وغيرهم من المسؤولين الكثر في قيادة الحزب.
كنا نزور السفراء ونستقبل المسؤولين الدوليين ونقيم علاقات جديدة باستمرار، مثال على ذلك، مساهمتنا بإقامة علاقات وثيقة مع الاتحاد السوفياتي ودول المنظومة الاشتراكية جميعاً. فاستطعنا تأمين منح دراسية في كافة بلدان دول المنظومة الاشتراكية.
كما بالتعاون مع رئيس الحزب الأمين إنعام رعد ساهمنا بإنشاء منظمة الاشتراكيين في دول البحر الأبيض المتوسط بوجه الاشتراكية الدولية التي كانت وما زالت تضم في صفوفها دولة الكيان الصهيوني.
على الصعيد الدولي كان الأمين جورج شربل وثيق العلاقات ونافذ الرؤية في شرح مبادئ الحزب وتقديمها للآخرين حتى إننا معاً استطعنا أن ننظم اجتماعاً كبيراً لثلاثين سفير دولة في منزلي في القاع، من سفير فرنسا لوكورنيه الذي أصبح في ما يلي مسؤولاً كبيراً في الخارجية الفرنسية إلى سفراء النمسا والصين والاتحاد السوفياتي.
إن الانجازات الكبيرة التي تحققت للحزب في اطار العمل الخارجي كان جزء كبير منها يعود الفضل فيه للأمين جورج شربل.
الأمين جورج شربل كان صادقاً في ولائه، مميزاً في تطلعاته من أجل مستقبل جميل لحزب جميل في أمة جميلة».
جزين في الحزب السوري القومي الاجتماعي
عرفت جزين الحزب منذ الثلاثينات، وانتمى رفقاء من مختلف عائلاتها، وسقط منهم شهداء.
في الجزء الأول من مؤلفه «من الجعبة» يورد الأمين جبران جريج أسماء عدد كبير من أبناء جزين الذين كانوا من الأوائل: الرفيق كريم طوبيا ص185 ثم بواسطته انتمى الرفيق عاطف كرم ص186 وكانا انتميا في الجامعة الأميركية، بعدهما انتمى الرفقاء نديم طوبيا، جورج الياس عون، مارون عبود عون، حنا سكاف ومتري شكري نحاس ص230 .
وفي الصفحة 277 يورد الأمين جريج: «إن الإقبال على الحزب في جزين يقوده مارون عبود عون، فينتمي العديد من الأعضاء منهم نعمة الله عازار، فايز رضوان سلوم، ناصيف سليمان الأسمر، جوزف أسعد الأسمر، خليل بشارة حداد، وديع عون، سعيد سليم عون، جورج قمر، شحادة حبيب، جميل نكد الخوري».
أما أول مدير للمديرية، كما يورد الأمين جريج في الصفحة 278، فهو الرفيق مارون عبود عون.
من رفقاء جزين الراحلين، نذكر كأمثلة: الأمين بديع عطية، شقيقه الرفيق أمين 2 ، والرفيق عاطف غطاس كرم 3 .
ومن بين الناشطين حالياً: الأمين سمير عون، الأمين جوزف أبو نادر والرفيق نمر ثلج 4 .
وفي 10 تشرين أول 1948 قام سعاده بزيارة إلى جزين بدعوة من المفوض الإداري فيها، الرفيق محمد جميل يونس 5 .
تفيد «مجموعة الأعمال الرسمية» عن شهر كانون الثاني 1949، أن رفقاء من النبطية، نيحا، بنواتي، صور، بيروت، مشغرة وكفرحونة حضروا المناسبة متلهفين لسماع كلمة زعيم الحزب. بعد ذلك دعا السيد مارون كنعان 6 حضرة الزعيم الى عشاء فاخر في بيته.
زيارة سعاده إلى جزين
في الجزء الأول من مجلده «من الجعبة» يفيد الأمين جريج أن الاجتماع عقد في منزل ابراهيم الأسمر الذي كان يصطاف فيه الرفيق رائف زنتوت 7 ضم الاجتماع ما يقارب الأربعين رفيقاً. لم يتكلم في الاجتماع سوى الزعيم الذي حضر بلباسه الحزبي الرسمي.
في اليوم التالي، «تقرر أن يقضوا نهارهم عند نبع الـ»العزية». بعد الأكل والشرب والدبكة انطلق الجميع بشكل مظاهرة إلى جزين مخترقين شارعها بترتيب بديع لفت الأنظار».
خطاب الزعيم
«يقول الناس عنا إننا حزب ضال في مبادئه وتعاليمه، حزب فاسد، حزب مخرّب. نسلّم جدلاً معهم بأننا حزب ضال مخرّب وفاسد. ونحن حتى الآن لم نتسلّم حكماً ولم نقم على أمر هام ولم نسيّر دفة أي جزء من أجزاء هذا الوطن بل الأمور كلها لا تزال في أيد غير أيدينا.
في الوقت نفسه نحن لم نتصدَّ لأي عمل أراد الذين يقولون أن يفعلوه. لم نحرم أحداً من أن يجرّب أن يفعل لأجل خير هذا الشعب، فماذا كانت النتيجة؟ النتيجة هي أن الأمة كلها هنا في لبنان وفي الشام وفي فلسطين وفي شرق الأردن وفي العراق، الأمة كلها تئن من حالة سيئة وتتشاءم من المستقبل وليس لها أي ضمان تستند إليه فيم سيكون مستقبل هذه الأمة؟ هذه النتيجة ليس الحزب مسؤولاً عنها. نسلّم أن هذا الحزب فاسد ونسلّم أن الآخرين هم المهتدون وهم أهل الصلاح فما بال نتائج أهل الصلاح تسير إلى الطلاح. الدفة في أيديهم فلماذا يرتطم المركب بالصخور ويتكسر؟
هل نحن مسؤولون عن سوء إدارة الدفة؟ كلا. إن الذين يتهموننا نحن، هم المسؤولون عن ضياع المركب وارتطامه بالصخور وتبعثر الأماني والآمال.
إذا أخذنا فلسطين مثلاً وبرهاناً وليس المثل والبرهان الوحيد فقد كان قبلها الاسكندرية وقبلها كيليكية، إذا أخذنا فلسطين البرهان الأخير على ما نقوله وأردنا درس فلسطين وكيف طارت من بين أيدينا وكيف صارت لشعب… لمّا يمرّ على وجوده أكثر من نحو ثلاثين سنة، فمن المسؤول عن هذه النتيجة؟
إن المسؤولية تقع على أصحاب سياسة الخصوصيات الذين أرادت كل فئة منهم أن تحتكر في فلسطين جزءاً يهمها وحدها وأن تخرج به غنيمة باردة.
إن الحرب في فلسطين لم تكن حرباً مع اليهود، إن الجيوش السورية والعربية والمصرية التي زحفت على فلسطين زحفت لا لتحارب اليهود قط، بل زحفت لتحارب أهل فلسطين في أرض فلسطين.
ليس الجندي في ساحة الحرب مسؤولاً عن ذلك. إن المسؤول هو الذي سيَّر الجندي وأوقف الجندي حين أراد أن يُقدم وينتصر.
على أي شيء دارت المعركة في فلسطين؟ إن الكلام الذي سمعناه وامتلأت به أعمدة الجرائد، إن الاتجاه هو تل أبيب لم يكن إلا خداعاً لنا نحن السوريين عامة. إن الحرب في فلسطين كانت نزاعاً بين دويلات على ما تبقى من فلسطين وليس على ما أخذ اليهود من فلسطين. ولا يزال هذا النزاع مستمراً لمصلحة اليهود في فلسطين لأنه نزاع خصوصي، إنه سياسة الخصوصيات التي لا ترى مصلحة الأمة بل ترى مصلحة «أنا ومن بعدي الطوفان» ومصلحة «من بعد حماري لا ينبت حشيش».
لا تزال هذه الحرب مستمرة في فلسطين. فما هي النتائج العملية؟ خراب المدن الفلسطينية، انهيار ما تبقى من مجتمع سوري في فلسطين، خروج الفلسطينيين من ديارهم، خسارتهم متاجرهم وأعمالهم وبيوتهم.
أي أساس اقتصادي يمكنهم أن يستندوا إليه؟ قسمت فلسطين إلى مناطق حسب الحدود التي وضعتها منظمة الأمم المتحدة وأضحت جسماً منهوكاً مطروحاً أمام اليهود ليأتوا ويستولوا عليه. أما الحرب فلا تزال مستعرة ولكنها مستمرة بين مطامع ملك شرق الأردن ومطامع ملك مصر وبين مخاوف الجمهورية اللبنانية والجمهورية الشامية ومساعي من شرق الأردن عن اختلاف في النظر بين جمهورية لبنان وجمهورية الشام.
هنا تقوم الحرب اليهودية ولا تقوم مع اليهود مطلقاً بل قامت بين خصوصيات هذه الأمة لا بين الأمة وأعدائها، من أجل ذلك صار للأجنبي مصالح، حتى يهود آخر زمان أصبحوا يستفيدون من خصوماتنا.
هذا موقفنا وهذا يعني عراكنا نحن، العراك الداخلي في الأمة. لا يمكننا أن نصل إلى صيانة مصلحة الأمة ولا الانتقال إلى الصراع الخارجي لصيانة مصالح الأمة الخارجية قبل أن نتمكن من إنهاء الحرب الداخلية.
إنها حرب عنيفة، إنها حرب بين إرادة الأمة وبين الإرادات الخصوصية.
وفي هذا الصراع تقف هنا النهضة القومية الاجتماعية مؤمنة بنفسها، مؤمنة بمبادئها، واثقة من قوّتها، فاعلة ليلاً نهاراً بلا توان ولا تأخير شاقة الطريق بإرادة الأمة متغلبة يوماً بعد يوم على المصالح الخصوصية الداخلية صاهرة إياها في مصلحة واحدة هي مصلحة الأمة.
إنه صراع قد استغرق ستة عشر عاماً ولا نزال في بدء الطريق، إنه صراع يستمر إلى أن تسحق إحدى هاتين القوتين القوة الأخرى سحقاً تاماً لا قيام لها بعده. إننا نحن القوميين الاجتماعيين قد وضعنا في هذا الصراع كل سلامتنا… كل مصالحنا، كل شيء عندنا في الحياة لأننا لا نجد الحياة خليقة بأن نحياها إلا إذا كانت حياة حرية وحياة عز.
نحن نرى الحياة حرية وعزّاً ولا نراها غير ذلك قط وقد جزمنا في أن نأبى إلا إذا كانت حياة حرية وعزّ ولذلك نحن مستعدون لأن نقدم حياتنا في كل ساعة وفي كل دقيقة من أجل الحرية والعز ليس لنا فقط مجموع الحزب القومي الاجتماعي بل للأمة كلها، اللبنانيين وغير اللبنانيين.
هذه هي حقيقة النهضة، صراع داخلي عنيف، ثورة فاعلة أحياناً وأحياناً بطيئة وأحياناً مستعجلة وأحياناً حارة وأحياناً باردة وأحياناً دامية، ولكن الحقيقة الأساسية هي أننا لسنا بمنثنين عن عقيدتنا وعن عزمنا أبداً ولسنا بواضعي سلاح الحرب إلى أن تنتصر حياة الأمة وحريتها وإرادتها على السياسة الخصوصية والإرادات الأجنبية.
هوامش
1 – عدد مجلة «صباح الخير البناء» بتاريخ 19/02/1983.
2 – تربوي معروف، أسس مدرسة «المواكب» في الحازمية، وتولى في الحزب مسؤوليات، منها في عمدة الثقافة.
3 – أديب وشاعر ومربٍّ، ومن مؤسسي أول مديرية للحزب في الجامعة الأميركية في بيروت. شقيقه الشاعر والأديب المعروف أنطون غطاس كرم. للاطلاع على النبذة المعممة عنه الدخول إلى أرشيف تاريخ الحزب على موقع شبكة المعلومات السورية القومية الاجتماعية www.ssnp.info.
4 – ناشط حزبياً وفي الجامعة اللبنانية الثقافية في العالم. يتولى حالياً الأمانة العامة للمجلس القاري الأفريقي للجامعة المذكورة.
5 – كان يتولى مسؤولية منفذ عام عكا، عند سقوطها بأيدي العدو الصهيوني، انتقل إلى جزين ناشطاً حزبياً ومتولياً مسؤولية العمل الحزبي فيها. خال الرفيقة هلا النابلسي المسؤولة في دائرة الإحصاء في عمدة الداخلية.
6 – نائب جزين لاحقاً.
7 – من أوائل الرفقاء في صيدا. تولى مسؤوليات حزبية. صاحب صيدلية «المدينة» في شارع الحمرا.