العربيد لـ«البناء»: ما قدّمه خرّيجونا يُعدّ خطوتهم الأولى على طريق الاحتراف
آمنة ملحم
بما تحمله من إسقاطات على الواقع السوري المعاش، وتفاصيلها التي تترجم ما في داخل كل سوري أتعبته الحرب وأثقلت روحه بهمومها، وقع اختيار الفنانة نورا مراد، رئيسة قسم الرقص في المعهد العالي للفنون المسرحية، بالتشاور مع طلابها، على قصيدة «تشويهات حالمة» للشاعر اليوناني بانيس ريتسوس، لتكون عنواناً لعرض مشروع تخرّج طلاب القسم. فطرحت مشروعها بالتعاون مع نعمان جود وأسماء الشوّاف، وتحت إشراف نغم معلا.
أشعل كلّ من نورس عثمان، وأحمد شعبان، ورهف شيحاوي مسرح «سعد الله ونّوس» برقص أكاديميّ تجلت فيه لغة الجسد بأدقّ تفاصيلها. فكانت عيونهم تروي قصصاً وأجسادهم تروي ألمَ كلّ سوري ذاق مرارة الحرب.
«هذا العرض يعدّ بمثابة ولادة جديدة لهؤلاء الطلاب. إنه كالعشق الأوّل والقبلة الأولى، يعشّش في الذاكرة ولا يُنسى. إنها خطوتهم الأولى على طريق الاحتراف. قدّموا عبرها صورة عن حالة أكاديمية يتميّز بها خرّيج المعهد العالي للفنون المسرحية…». هذا ما أشار إليه عميد المعهد العالي للفنون المسرحية الدكتور تامر العربيد.
وتابع في تصريح لـ«البناء»: «تدرّب الطلاب كثيراً حتى وصلوا إلى ما قدّموه اليوم. فكانوا ورشة كاملة بحثت في لغة الجسد التي أظهرت قدراتهم بعد أربع سنوات من الدراسة. فرأينا من خلال العرض قدرة الطلاب على قيادة أجسادهم وإظهار طاقاتهم التي يملكونها. وكانوا موفّقين على صعيد الطاقة والحسّ الحركي العالي والجملة الحركية».
ونوّه العربيد بأن المعهد عندما يخرّج طلابه، فإنه يقدّم منتجاً ثقافياً، سواء كان الخرّيج ممثّلاً أم راقصاً، وقال: «طلابنا في عرض التخرّج بدأوا مشواراً مهماً، ما يحمّلهم مسؤولية بأن يتابعوا الدرب بحرفية وبالشكل الصحيح».
لتؤكد رئيسة القسم، أنّ ما قدّمته أجساد طلابها على الخشبة، يجعلها تقف صامتة بعده. فلا كلام بعد الكلام الذي جسّدته أرواحهم وحركاتهم في أرجاء المسرح.
بدورها، نوّهت نغم معلا التي تولّت تصميم العرض والإشراف عليه، بالجهد الكبير الذي بُذِل مع الطلاب، منذ مرحلة اختيار القصيدة وبناء نصّ معادِلٍ لها، والعمل عليه فنياً وجسدياً، وصولاً إلى لحظة العرض، إذ ترجمت أجسادهم تلك المقولات بأحاسيسهم الخاصة، وتركوا الحضور يبنون أفكارهم بناءً على ما قدّموه، معربةً عن تفاؤلها الكبير بمستقبلهم.
الطالب نورس عثمان، تحدّث لـ«البناء» عن بداية المشوار التي كانت بتحليل القصيدة والعمل عليها بشكل نظريّ، ثم بدأ العمل عليها عملياً، إذ أسقطوا القصيدة على واقعنا الذي نعيشه. وتدرّبوا على مدى ثلاثة أشهر متواصلة، ليستطيعوا قول ما نطقته أجسادهم على المسرح.
وتمنّى عثمان أن يُدعم الرقص في سورية، لأنّ رسالته الفنية لا تقلّ أهمية عن رسالة أيّ نوع من الفنون الأخرى. فالرقص فكر وإحساس.
أحمد شعبان، الراقص الثاني الذي شاطر نورس مشروعه، عاد ليؤكّد أنّ ملامسة القصيدة الواقع السوري، هي ما شجّعهم على اختيارها دون غيرها، وبالعمل على لغة الجسد بشكل كامل مع الرأس وتعابير الوجه، استطاعوا أن ينقلوا رسالتهم.
لافتاً إلى طموحه الذي بدأ هنا، ولكنه لن ينتهي. إذ سيعمل على إكمال مشواره مع الرقص دراسةً وعملاً.
أما صاحبة الحركة الرشيقة التي توسّطت الشابين ورافقتهما رقصاً ورقّةً على المسرح، رهف شيحاوي، رأت أنهم في العرض رووا قصة أيّ إنسان موجود في بلدنا. فالعرض على حدّ تعبيرها يخصّنا جميعاً من دون استثناء، ويخصّ كلّ لحظة نعيشها. والقصيدة تشبهنا، وإذا نظرنا إلى دواخلنا فسنجدها حتماً.
وأصرّت شيحاوي التي جذبت الحضور بخفّة حركتها المدروسة، على أنّ الرقص حلم، والعرض مأخوذ من حياتنا. وأنهم قدّموا حكايتهم بأجسادهم وأرواحهم وحركاتهم ليقولوا ما أرادوا.
امتاز العرض الذي يستمر لغاية الأول من آب المقبل، بتعاون طلاب المعهد من مختلف الأقسام في المعهد، إذ نفّذ الديكور غيث مرزوقي وفارس خليف من طلاب السنة الثالة ـ قسم التصميم، والأزياء نفّذتها مروة شربجي طالبة في السنة الثالثة ـ قسم التصميم أيضاً، وتولّى الإضاءة التي رافقت العرض بتميّز واضح، كل من أسعد سنديان، ورامي الضلي، وطاهر سلوم، طلاب السنة الثانية ـ قسم التقنيات. علماً أن العرض قُدّم برعاية وزير الثقافة السوري عصام خليل والمعهد العالي للفنون المسرحية.