دي ميستورا يتراجع عن هيئة الحكم الانتقالي بعد تحذيرين روسي وسوري غارتان «إسرائيليتان» تذكيريتان في القنيطرة وقوسايا… والمقاومة للردّ المناسب
كتب المحرر السياسي :
قدّم المبعوث الأممي للحلّ السياسي في سورية ستيفان دي ميستورا إحاطته أمام مجلس الأمن الدولي حول حصيلة المشاورات التي أجراها لبلورة مبادرة لاستئناف المساعي نحو حلّ سياسي للأزمة السورية، وتميّزت الإحاطة بثلاثة عناصر مهمة، الأولى هي الابتعاد عن طرح تشكيل هيئة حكم انتقالي بصفتها ترجمة لبيان جنيف الذي صدر عن وزيري خارجية روسيا وأميركا سيرغي لافروف وجون كيري قبل سنوات ويختلفان على تفسيره، وجاء تراجع دي ميستورا عن الطرح بعدما تلقى تحذيرين متطابقين من روسيا وسورية لعدم ممارسة الانتقائية في التعامل مع بيان جنيف، وعدم دخول خط تبني تفسير غير متفق عليه بين واضعي البيان لإحدى فقراته الخاصة بماهية الجسم الحكومي الذي يعقب التسوية السياسية، أما الأمر الثاني الذي بدا واضحاً في الإحاطة فهو التأكيد أن لا ظروف ناضجة لعقد مؤتمر جنيف للحوار في جولة جديدة، وكانت هذه أيضاً وجهة نظر كلّ من موسكو ودمشق، أما الأمر الثالث فهو إشارته إلى أنّ هناك مستجداً نوعياً يفرض النظر بعين أخرى للحلّ السياسي، وهو أنّ ظهور الإرهاب بصيغته الراهنة ودرجة خطورته أمر حدث بعد بيان جنيف ولا يمكن مقاربة المساعي للحلّ السياسي من دون أخذ هذا المتغيّر المجمع على درجة خطورته وتقدّمه كأولوية في الاعتبار، وكان هذا شرط سوري لمواصلة التعاون مع مساعي دي ميستورا، وجاء كلام الرئيس السوري بشار الأسد في خطابه الأخير شديد الوضوح لهذه الناحية.
التأجيل في مساعي الحلّ السياسي في سورية يعني أنّ الميدان هو الذي يحسم وحده التوازنات التي سيستأنف على أساسها دي ميستورا مساعيه، وفي هذا السياق بدا أن الجيش السوري مدعوماً من المقاومة يمسكان زمام المبادرة العسكرية في الجبهات الممتدّة من الزبداني والقملون إلى تدمر وصولاً إلى الحسكة، وكان المستجدّ هو ملاقاة الطيران «الإسرائيلي» للطيران التركي في توجيه الرسائل التي تسمح للطرفين التركي و«الإسرائيلي» بالدخول على خط أيّ تفاوض يتصل بالتوازنات التي سترسم على أساسها المفاوضات الإقليمية في مرحلة ما بعد التفاهم النووي مع إيران.
مصادر متابعة للصراع بين المقاومة وحكومات الاحتلال خلال العقود الماضية وصفت الغارات «الإسرائيلية» بالغارات التذكيرية، وهو المصطلح الذي استخدمه الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله في توصيف عمليات المقاومة في مزارع شبعا بعد العام 2000، شارحاً يومها ما تريد العمليات التذكيرية للمقاومة تأكيده من أنّ المقاومة ورجالها موجودون ولا يمكن أحداً أن يتجاهل وجودهم، قالت المصادر وهذا بالضبط ما أرادت «إسرائيل» قوله، نحن هنا ولا يمكن تجاهل وجودنا، بينما توقعت المصادر أن يكون للمقاومة الردّ المناسب بمعنى الردّ الذي لا يحقق لـ«الإسرائيلي» رغبته بالدخول كلاعب حاسم على خط المشهد السوري، والبقاء على جاهزية لردّ رادع عندما يتخطى جيش الاحتلال الطابع التذكيري لعملياته، ليكون الردّ المنتظر وفقاً للمصادر نفسها تذكيرياً بأنّ المقاومة ومعادلة الردع موجودتان ولا شيء تغيّر منذ نتائج عملية مزارع شبعا النوعية.
في لبنان يبدو الغرق في الضياع مخيّماً على الجو السياسي والحكومي في شكل خاص، حيث فقدت الحكومة قدرة التحرك والمبادرة واتخاذ القرارات وتحوّلت عملياً إلى حكومة تصريف للأعمال، خصوصاً في ملفين يختصران هموم الناس والوسط السياسي وهما قضية النفايات وقضية التعيينات الأمنية والعسكرية.
لا جديد تحت الشمس في الملف الحكومي
لا جديد تحت الشمس في الملف الحكومي، لا تزال الأزمة تراوح مكانها والمشاورات لم تؤد إلى حلحلة أي عقدة من العقد الموضوعة على طاولة مجلس الوزراء، من آلية العمل، إلى التعيينات، وصولاً إلى ملف النفايات، فحتى الساعة لم يتم إنضاج أي حل لأي من الملفات الثلاثة العالقة. وكل ما يجري لا يتعدى تأجيل المشكل والبحث عن حلول ظرفية موقتة.
وانتهى اجتماع اللجنة الوزارية في السراي الحكومي أمس بالاتفاق على رفع النفايات والبحث عن مطمر آخر. ولفت وزير البيئة محمد المشنوق بعد الاجتماع إلى أن اجتماعات اللجنة الوزارية مفتوحة وقد يحدد رئيس الحكومة تمام سلام موعداً جديداً للاجتماع بعد جلسة مجلس الوزراء اليوم. وعلى الفور نقلت الشاحنات النفايات في شكل طبيعي إلى الكرنتينا وسط انتشار أمني كثيف لقوى الأمن الداخلي، وعاونت معدات تابعة لشركة جهاد العرب شركة «سوكلين» برفع النفايات من بيروت وذلك بإيعاز وتعليمات محافظ مدينة بيروت القاضي زياد شبيب. في المقابل نفذ أهالي عين دارة، مع استمرار قطع الطريق المؤدية إلى مواقع الكسارات بسواتر ترابية لليوم الثاني على التوالي، اعتصاماً عند مدخل الكسارات قرب مخفر قوى الأمن الداخلي في المديرج، جددوا خلاله رفضهم نقل نفايات بيروت والضاحية وبعض مناطق عاليه إلى منطقة الكسارات، وسط حضور شعبي كبير. ورفدت القرى البقاعية الاعتصام بحضور شعبي كبير، خصوصاً أن منطقة الكسارات القائمة على ارتفاع 1500 متر تعتبر مصدر المياه الجوفية لثلاثة أقضية: عاليه، الشوف والبقاع الأوسط.
مكبات لنفايات بيروت وضواحيها في السلسلة الشرقية
يعقد مجلس الوزراء اليوم جلسة برئاسة الرئيس تمام سلام للبحث في مقاربة عمل الحكومة وملف النفايات. وأكد وزير الاقتصاد آلان حكيم لـ«البناء» أن وزراء حزب الكتائب سيطرحون ملف النفايات في جلسة مجلس الوزراء اليوم، لأن هذا الموضوع بات أولوية تتقدم على موضوع آلية عمل الحكومة وعلى الحكومة نفسها ويجب أن يشكل حالة طوارئ، لأن مصالح المواطنين والمصلحة العامة فوق أي اعتبار ولا يمكن الاستمرار بهذا الوضع الذي يمكن أن يتسبب بكارثة بيئية وصحية خطيرة».
وذكر حكيم بـ«أن حزب الكتائب قدم حلاً لهذا الملف في جلسات سابقة لمجلس الوزراء قبل أن تستفحل الأزمة وطالب بإعادة النظر بدفتر الشروط للمناقصات بأن يكون تأمين مطامر للنفايات من مهمة الدولة وليس الشركة، لكن لسوء الحظ لم يؤخذ».
وأضاف حكيم: «كما قدمنا خلال الجلسة الأخيرة حلولاً ورفض التداول بها لكننا سنطرح الأمر في جلسة اليوم لكن الحكومة تتألف من مكونات مختلفة وفي حال رفض مكون بحث هذا الموضوع، فنحن مجبورون على التقيد بما يقوله رئيس الحكومة».
وطرح حكيم رؤية حزب الكتائب لحلين لهذا الملف في الوقت الحاضر: الحل الأول: البحث عن مكبات لنفايات بيروت وضواحيها في مناطق قريبة من السلسلة الشرقية لجبال لبنان أو ما يعادلها في أماكن بعيدة عن المناطق السكنية أو في أراض صحراوية. الحل الثاني: فض العروض لتلزيم شركة الملف في المناطق الأخرى اليوم قبل الغد لأن أي حل جذري للملف يحتاج إلى 4 شهور على الأقل لكي توضع الآليات التطبيقية له».
وانتقد رئيس المجلس النيابي نبيه بري بحسب ما نقل عنه زواره لـ«البناء»منطق الصفقات والطائفية الذي يحكم ملف النفايات واعتبر «أن من مسؤولية الدولة تحديد المطامر وأن تفرض ذلك، فلا يمكن للشارع أن يميز بين مسؤول وآخر فهو يعتبر أن الدولة بمؤسساتها وطبقتها السياسية تتحمل المسؤولية مجتمعة».
وأكد أن على الحكومة معالجة الوضع وتثبيت مناطق لطمر النفايات وتكليف الجيش والقوى الأمنية حمايتها بانتظار إيجاد حل جذري للأزمة، التي للأسف جرى تطييفها، ويتم التعاطي معها بطريقة استنسابية. وسأل لماذا الانتظار حتى اليوم طالما أن الحكومة تعلم متى ينتهي عقد سوكلين؟
وشدد بري على «أن المرحلة هي مرحلة انتقالية محكومة بالجمود والانتظار إلى حين تبين مصير الاتفاق النووي. ولفت إلى «أن الوضع خطير في المنطقة ويجب أن نكون على مستوى الوعي والمسؤولية لحماية لبنان. ورأى «أن الحدث اليوم على مستوى المنطقة هو دخول العامل التركي على خط محاربة تنظيم داعش، وهذا أمر مهم وجديد»، مشيراً إلى توافق أميركي – تركي نهائي بضرب داعش وإنهاء هذه الظاهرة، وأن المسألة باتت مسألة وقت، لا سيما أن هذا التنظيم الإرهابي بات يشكل خطراً على كل دول العالم بما فيها تركيا التي دخلت في حرب ضد داعش».
سلام محاصر من فريقه
وأكد الوزير السابق سليم جريصاتي لـ«البناء» أن «لا علاقة لنا لا من قريب ولا من بعيد بملف فساد النفايات، ونحن غير مسؤولين عن الملف، نحن معنيون به فقط من باب المسؤولية الوطنية، نمد يدنا لإنقاذهم من نفاياتهم والمقصود ملفات الفساد والمحاصصة المالية والصفقات وما شابه والتي هي قيد التداول بدليل أن القضاء المالي وضع يده على الملف». لذلك لا يمكن لهذا الفريق السياسي – فريق النفايات- أن يأخذ النفايات حيث يريد من دون إرادة المواطنين والسلطات المعنية خارج العاصمة أو داخلها، ولا يستطيع هذا الفريق أن يلصق بسواه تهم الفساد اللصيقة به».
ولفت إلى «أن المطلوب العودة إلى الآلية التي رافقت وواكبت دخول الحكومة حيز التنفيذ بعد نيل الثقة، أي تلك الممارسة التي نادى بها رئيس الحكومة في حينه، والمبنية على التوافق والتي انتقلت تسييراً للعمل من التوافق الجامد إلى التوافق المرن». ولفت إلى أن المطلوب أن يعي الرئيس سلام «أنه لا يمكن الاستخفاف بممارسة دستورية بامتياز عندما يتعلق الأمر بصلاحيات رئيس الجمهورية وكالة، حال خلو سدة الرئاسة، كما عليه أن يعي أيضاً أن الحصار الذي يتعرض له حالياً في موضوع النفايات هو من فريقه السياسي بذاته، لتطويقه وأخذه إلى أمكنة قد لا يرغب بها إلى التطرف في موضوع صلاحية مجلس الوزراء، إلى حد الإمعان في مخالفة الدستور». وقال: «لن ينتظم شيء في البلد ما لم يتم التوافق على مختلف الملفات الحساسة في البلد، على أن يراعي هذا التوافق أو عدم التوافق مقتضيات الميثاق الوطني».
وشدد على «أن بند التعيينات سيكون بنداً أول فور العودة إلى الممارسة الدستورية السليمة، فالعماد ميشال عون طرح مخارج لوزير الدفاع الوطني سمير مقبل، وهي مخارج دستورية بامتياز، تهدف إلى التعيين المبرمج، وقد وعد مقبل بمناقشتها مع القوى السياسية المعنية من باب أنه مع التعيين».
لا احتفال في الأول من آب
وبمناسبة عيد الجيش والكلام عن تجهيزه وما يرافقه من أمور تتعلق بتعيينات في الجيش، أظهر استطلاع للرأي حول أداء المؤسسات الحكومية والبرلمانية والعسكرية، أن 85 في المئة من اللبنانيين يؤيدون بقوة الجيش اللبناني، وأن 11 في المئة يؤيدونه، و3 في المئة محايدون، و1 في المئة يعارضون أداءه.
وأظهر الاستطلاع أن 2 في المئة يؤيدون بقوة الأداء الحكومي، و9 في المئة يؤيدون، و23 في المئة لا يعنيهم الأمر، و48 في المئة يعارضون، و18 في المئة محايدون. كما اظهر الاستطلاع أن 2 في المئة يؤيدون أداء البرلمان، و6 في المئة يؤيدونه بقوة، 19 في المئة لا يعنيهم الأمر، و45 في المئة يعارضون، و17 في المئة محايدون.
إلى ذلك، وبمناسبة الأول من آب ينهي 260 تلميذ حربية سنتهم الثالثة وسيتخرجون. وعُلم أن لا احتفال ولا تقليد سيوف كما جرت العادة وإنما سيتم تخريجهم ومنحهم نجمة بيضاء وإعطاؤهم بدلات ومعاشات كمؤهل أول مع ما سينتج من ذلك أي حرمانهم من الاستفادة من كل ما يترتب من مخصصات وتقديمات للضباط حتى نوادي الضباط، الأمر الذي يترك انزعاجاً كبيراً لدى هؤلاء، كما أن هناك العديد من الضباط الذين حان موعد ترقيتهم في الأول من تموز الجاري، لم يتم ذلك بسبب الخلاف الحكومي وتمنع البعض من أفرقائها عن توقيع المراسيم المتعلقة بكل هذه الفئات.
ردّ يخدم معادلة توازن الردع
في سياق آخر، استهدف الطيران «الإسرائيلي» المعادي نفقاً داخل موقع الجبهة الشعبية في قوسايا ما أدى إلى سقوط 9 جرحى أحدهم بحالة حرجة، وكان سبق ذلك، استهداف طائرة استطلاع «إسرائيلية» معادية سيارة مدنية قرب بلدة حضر بريف القنيطرة، ما أدى إلى استشهاد ثلاثة مواطنين من أهالي البلدة.
ولفتت مصادر مطلعة لـ«البناء» إلى «أن إسرائيل تريد أن توجه رسالة مزدوجة لمحور المقاومة أنها ما زالت حاضرة في الميدان وأن الانجازات الاستراتيجية التي حققها هذا المحور من القلمون إلى الزبداني إلى الجولان لا تثنيها عن الحضور الدائم في المعادلة السورية، ولفتت المصادر إلى «أن الرسالة الثانية التي «أرادت أن توجهها إسرائيل هي للمسلحين الإرهابيين أنها ما زالت إلى جانبهم، ترفع من معنوياتهم وتقدم لهم الدعم عند الحاجة».
وشددت المصادر على «أن هذا الفعل الإسرائيلي كما يبدو على رغم محدوديته من الناحية العسكرية فإنه سيستدعي من محور المقاومة رداً سيتم اختياره في الزمان والمكان والوسيلة، بما يخدم معادلة توازن الردع ويؤكد لإسرائيل أن عدوانها لا يمر من دون عقاب». ولفتت المصادر إلى «أنه في التقييم العسكري فإن العدوان الإسرائيلي لم يغير شيئاً في المشهد سواء في جبهة الجنوب التي تستثمر تداعياتها ضد مصلحة المسلحين أو في جبهة الزبداني- القلمون التي باتت في حكم المنتهية عسكرياً».
إلى ذلك، يتجه الوضع داخل مخيم عين الحلوة نحو التهدئة الخجولة، في مقابل استنفار مسلح كبير في صفوف كل القوى في المخيم، خصوصاً جند الشام الذي أعلن التعبئة العامة، وتجري اتصالات بين القوى الفلسطينية وتشارك فيها فاعليات محلية لاحتواء الوضع المتوتر في المخيم وعدم الانجرار إلى مزيد من الاشتباكات، لا سيما أن العناصر التكفيرية قد تعمد إلى تحويل المخيم نهر بارد جديداً.