الإفراج عن قادة طالبان: لماذا الآن؟
حميدي العبدالله
تبادلت الولايات المتحدة وحركة طالبان إطلاق سراح الأسرى، ولعبت قطر دور ضابط الاتصال بين الجانبين، وصولاً إلى صفقة أدت إلى الإفراج عن جندي أميركي أسير لدى طالبان، مقابل إفراج الولايات المتحدة عن خمسة من قادة طالبان موقوفين في معتقل غوانتانامو. العملية في هذا التوقيت تحديداً ليست مجرّد عملية تبادل للأسرى، بل يشير سياقها العام، وما سبقها من اتصالات ومفاوضات بين طالبان وبين الولايات المتحدة، إلى أنها تتجاوز تحرير جندي أميركي أسير مقابل خمسة من قادة طالبان، فالملا عمر وصفها بالانتصار الكبير، وهي كذلك لو أخذنا في الاعتبار أنّ الولايات المتحدة وضعت هدفاً مركزياً لها لدى غزوها أفغانستان هو القضاء على طالبان وليس إسقاط حكمها فحسب، وبالتالي فإنّ مجرّد قبول الولايات المتحدة التفاوض مع طالبان هو اعتراف بهذه الحركة، واعتراف بفشل الولايات المتحدة بعد مرور اثني عشر عاماً على غزو أفغانستان في تحقيق هدف القضاء عليها، ويحق للملا عمر توصيف الإفراج عن قادة طالبان بأنه انتصار كبير.
توقيت عملية التبادل مرتبط حتماً بحدثين متوقعين في وقت قريب:
ـ الحدث الأول، التزام إدارة أوباما ودول الناتو سحب قواتهما الأساسية من أفغانستان مع حلول نهاية هذا العام، وبديهي أنّ نجاح هذه العملية يستدعي التوصل إلى تفاهمات مع حركة طالبان لتأمين انسحاب هادئ للقوات الأميركية وقوات الناتو. فإذا لم يتمّ التوصل إلى تفاهم مع حركة طالبان فقد تتعرّض القوات الأجنبية أثناء انسحابها لهجمات، وكلما ازدادت أعداد القوات المنسحبة وخسرت مواقع كانت تحت سيطرتها ازدادت هجمات طالبان خطورة، ما قد يلحق خسائر فادحة بالقوات المنسحبة، إضافة إلى الأضرار المعنوية والسياسية، إذ سوف ينظر إلى الانسحاب على أنه فرار من المعركة، وهذا ما تسعى الولايات المتحدة وحلف الناتو إلى تجنبه، ولا يمكن تجنب وقوع مثل هذه الهجمات إلا إذا كان هناك تفاهم مع طالبان.
ـ الحدث الثاني، إعلان الرئيس أوباما أثناء زيارته الأخيرة المفاجئة لأفغانستان، أنه سوف يبقى نحو تسعة آلاف جندي أميركي حتى عام 2016، وإبقاء هذه القوات من دون تفاهم مع حركة طالبان سوف يؤدي إلى تعرضهم لهجمات، وعديد هذه القوات لا يؤهلها لخوض معارك ظافرة مع طالبان وقد فشلت في صدّ هجماتها عندما كان يصل عديدها إلى جانب عديد قوات الناتو إلى عشرات آلاف الجنود.
إذن، تسهيل انسحاب القوات الأميركية وقوات الناتو بهدوء من أفغانستان، والحفاظ على أرواح الجنود الذين سيبقون حتى عام 2016 هي التي دفعت الولايات المتحدة إلى إجراء تبادل جندي أسير مع خمسة من قادة طالبان، وتراهن الولايات المتحدة على أن تؤدي هذه الخطوة برعاية قطر ومساعدتها إلى إقناع طالبان بالدخول في مفاوضات مع الولايات المتحدة تؤمن خروجاً للقوات الأميركية يشبه خروجها من العراق عندما تفاهمت مع حكومة المالكي على كيفية هذا الانسحاب وشروطه. لكن طالبان هي بالتأكيد غير حكومة المالكي من ناحيتين، الأولى أن حكومة طالبان كانت عدواً للولايات المتحدة قبل احتلالها لأفغانستان وخلاله، في حين أن حكومة المالكي كانت حليفة للولايات المتحدة. والثانية أن أي تفاهم بين الولايات المتحدة وطالبان يشكل إحراجاً سياسياً لكلا الطرفين، ولن يكون سهلاً الوصول إلى تفاهم على الخروج يشبه التفاهم الذي تم التوصل إليه في العراق عشية الانسحاب عام 2011.