النوم مع العقارب
طاهر محي الدين
عندما قرّروا أن يربوا العقرب ويحتضنوه ويناموا معه لم يدركوا أن العقرب لا يؤمَن للدغته، وأن من يضع العقرب في جيبه فإنه سوف يلدغه في نهاية المطاف.
هذه هي حال السعودية وتركيا وباكستان وعلى رأسهم أميركا، وهو ما ستؤول إليه حال كل الدول التي سارت وتسير على النهج نفسه، فكلنا يعلم أنّ عقرب الإرهاب العالمي والأكثر تنظيماً ودعماً وتمويلاً هو تنظيم «القاعدة» الإرهابي الذي شكل ودُرّب ومُوّل ونُظّم بتحالف وتنسيق أميركي سعودي باكستاني تحت منطلقات إيديولوجية إسلاموية لقتل النظام الشيوعي «الكافر» إبان احتلال الاتحاد السوفياتي لأفغانستان، وجند وقتها كلّ متطرفي الوهابية لهذا الغرض وغسل أدمغتهم، وشكل وقتها ما يسمى بمجموعة «الأفغان العرب» كنواة لهذا التنظيم الذي ضمّ بعدها العديد من متطرفي وإرهابيّي العالم.
خلال تلك الفترة من التشكيل والإعداد لهذا «العقرب الإرهابي» كانت لكلّ جهاز من أجهزة المخابرات في تلك الدول الثلاث وظيفته، فكان الإعداد والتخطيط للعقل المدبّر جهاز «سي أي آي»، بالتنسيق مع الإرهابي السعودي الأكبر بندر بن سلطان حيث كان يومها سفيراً لدى الولايات المتحدة، وكان دور السعودية يومها تجنيد وتمويل الإرهابيّين وتسهيل سفرهم عبر مطار جدّة، لتستقبلهم المخابرات وتؤمّن وصولهم إلى أفغانستان، وكان يومها السفير السعودي في باكستان الضابط علي عواض العسيري، السفير الحالي في لبنان، كان يغرس في رؤوس هؤلاء الإرهابيين أنّ جهادهم المقدّس هو صكّ دخولهم الجنة، وسخّرت له آنذاك كلّ وسائل الإعلام السعودية ومشايخ المساجد من عتاة الوهابية لمزيد من التجنيد والتعبئة العمياء العدوة لكلّ وسطية ولكلّ الصنف البشري.
وربما نسوا أو تناسوا أنّ بعض أصناف العقارب عمياء، وبأنها ومن شدّة لؤمها وغدرها عندما تنتهي العقارب من طقوس التزاوج فإنّ أنثى العقرب تقوم بالتهام الذكر، وهذا ما حدث فعلاً انقلبت العقارب على مربّيها.
سأسوق الوقائع التي تثبت ذلك من دون العودة إلى مسرحية 11/9/2001 الشهيرة التي أدرك الكثيرون أهدافها وعُرف منظموها.
نبدأ الأمثلة من منبع التكفير والفكر الإجرامي الوهابي في مملكة آل سعود، حيث يذكر الجميع ما جرى من حوادث إرهابية تكفيرية بعد عودة الكثيرين من «الأفغان العرب» إلى مملكة آل سعود، وأعلنوا الجهاد فيها بعد التحالف المعلن مع النظام الأميركي «الكافر» عسكرياً في حرب الخليج، وشنوا العديد من الهجمات الإرهابية التي طاولت المرافق العسكرية والمدنية في الرياض وغيرها من المدن في أرض نجد وبلاد الحجاز، وفجروا التجمّعات السكنية التي يقطنها الخبراء الأميركيون والغربيون من «الكفار»، والعديد من مراكز تدريب الجيش الأميركي وخصوصاً في الحرس الوطني السعودي، عندها بدأت الحرب عليهم وقتل العديد من قادتهم واعتقل آخرون وغصت السجون بالإرهابيين السعوديين وغيرهم من اليمنيّين، ولكن بعد فوات الآوان، فهذه الحرب على تلك الجماعات زادت من تشكيل البيئة الحاضنة لهم التي كانت بالأساس موجودة وتتغذّى من قبل عتاة التكفير الوهابي، إلى أن بدأت الحرب الإرهابية على سورية ولبنان والعراق وإيران في المنطقة، أو ما سُمّيَ بـ«الهلال الشيعي» لتسعير نار الفتنة في المنطقة لتفتيت الأمتين العربية والإسلامية وتشكيل كانتونات طائفية ومذهبية صغيرة صافية من مذهب واحد لإعطاء الذريعة الذهبية لإعلان «الدولة اليهودية» في فلسطين المحتلة.
وكان مأذون هذا التزاوج الجديد وعودة شهر العسل بين آل سعود والتكفيريين الوهابيين الذي كان وزير الداخلية يومها محمد نايف بن عبد العزيز، حيث عقدت صفقة معهم بالإفراج عنهم والكف عن ملاحقتهم وتأمين عوائلهم بشرط الذهاب إلى القتال في سورية وتشكيل جماعات مسلحة من أجل إسقاط النظام السوري وتدمير الدولة السورية، وبعد مرور نيّف وأربع سنوات على الصراع في سورية وإدراك الإرهابيين أنه قد تمّ إرسالهم فقط لكي يُقتلوا في سورية، وبعد ظهور ما يُسمى بتنظيم «داعش» وإعلان ما يُسمّى «دولة الخلافة» وإعلان من يدّعي أنه خليفتها بأنّ هدف «داعش» هو مكة المكرمة والمدينة المنورة، حتى انطلقت العقارب من أوكارها وبدأت بعملياتها الجديدة التي استهدفت الأمن السعودي عبر خلايا الإرهاب التكفيري والبيئة الحاضنة الأكبر للإرهاب والتكفير في الأرض، وهذا ما أثبتته الحوادث الإرهابية الأخيرة في مملكة الرمال، وقد أعلنت ذلك وسائل إعلام آل سعود حيث تمّ الإعلان أنه قد قتل العديد وتم اعتقال أكثر من 430 عنصراً تكفيرياً، وهذا الرقم وحده يدلّ على حجم انتشار الإرهاب التكفيري والبيئة الخصبة في مملكة آل سعود لأنّ الرقم المتبقي من الذين لم يتمّ القبض عليهم هو أضعاف هذا الرقم من الخلايا النائمة والنشطة على حدّ سواء، وهم يكتشفون اليوم أنهم ينامون مع العقارب.
وكذلك حال كلّ من دعم وغطى هذا الإرهاب العالمي على سورية والمنطقة، وسمّى هذه المجموعات بالمعارضة المسلحة المعتدلة وزوّدها بالمال والسلاح وسهّل حركتها ومرورها ووفّر لها الدعم التكنولوجي وسخّر لها وسائل الإعلام والتواصل الاجتماعي لتقوم بنشر فكرها وتتمكن من عمليات التجنيد في أوروبا وأميركا وتركيا وبدأوا يتذوّقون سمّ العقارب من بريطانيا وفرنسا التي ضرب الإرهاب شمالها وجنوبها بعمليات عدة، وأضحى العقرب الإرهابي في قلب أوروبا وتذوّقوا سمّه، وفي الآونة الأخيرة في أميركا واستهداف الجنود الأميركيين في «تينيسي»، وقبله في كندا والسويد والدنمارك، وبدأت تتعالى أصوات المجتمع المدني الغربي ضدّ حكوماته التي كانت تغامر بأمنه ووجوده بخدعة «إسقاط الأنظمة الديكتاتورية»، بدءاً من العراق الذي تشكل فيه تنظيم «داعش»… وفي الوقت نفسه تدعم وتسلح وتحالف أعتى وأجهل الأنظمة الرجعية في العالم كله ومنبع الإرهاب في العالم في شبه جزيرة العرب.
ولا بدّ في هذا السياق من فتح الملف العثماني الإخواني مع علمنا المسبق والقطعي بأنّ رأس الإرهاب الإسلاموي في العالم هو تنظيم «الإخوان المسلمين» المجرم الذي تمّ تصنيعه وتنشئته على يد أعتى جهاز مخابرات استعماري في العالم وهو جهاز المخابرات البريطاني، الذي هو نفسه من أسّس الكيانين الصهيوني والوهابي، وهذا النظام العثماني «الإخواني» المجرم اللصّ كان رأس حربة الغدر والإرهاب الذي يعصف بسورية والعراق، وكان الممرّ والملاذ الآمن للجماعات الإرهابية الكونية لتدمير سورية والعراق والمنطقة، ففتح حدوده وأنشأ مراكز التدريب والإيواء للجماعات الإرهابية ودعمها بالمال والسلاح والدعم الاستخباري، وأمّن لها الإمداد وسرق معها نفط العراق وسورية والمدن الصناعية في حلب وغيرها، وقدّم حقد الجماعة ومشروعها وأحلامها في السلطنة والكرسي على الدولة التركية، وبدأ بكلّ حقده وخداعه وكذبه بقيادة الدولة التركية، واحتضن العقارب بعد أن أعماه حقده وطمعه عن غدرها، وانفلتت العقارب بين الشعب التركي جهاراً نهاراً، وصارت تشكل في بعض المدن التركية وجوداً عددياً أكثر من أهل الأرض أنفسهم، وعندما بدأت العقارب تشعر بضعف الحاضن الأردوغاني لها، بدأت تتمدّد أكثر وتنقلب عليه وتضرب الأتراك بعمقهم في اسطنبول بالإرهاب، وقد فرغت أنثى العقرب من طقوس التزاوج فبدأت بملاحقة ذكرها لتلتهمه، وتحققت مقولة الرئيس الأسد: «من يضع العقرب في جيبه فإنه لن ينجو من لدغته».
وأدرك العثماني أيضاً أنّ الأميركي ومن خلفه «الناتو» قد بدأ بالتخلي عنه منذ أن رفض «الناتو» طلبه بالتدخل في سورية ومنعه من تشكيل منطقة عازلة في شمال سورية وتركه يجنّ وحيداً، وأنّ الشعب التركي لم يعد يحتمل جنونه ومغامراته، وهو يدرك أيضاً أنّه سيفشل في الانتخابات المبكرة المقبلة، وتيقّن بأنه علق في منتصف الشجرة التي صعد عليها، وبأنه أكبر الخاسرين في الحرب وعليه دفع الثمن، فلا هو قادرٌ على التفريط بورقة «داعش» ولا على الاستمرار في الحكم، ولهذا كنا نقول في بداية الأزمة إنّ أكبر الخاسرين سيكون بائع البطيخ في اسطنبول.