الحركة التشكيليّة في سورية… أنامل تقترف الجمال على رغم الأزمة!
محمد سمير طحّان ـ عبد الله الشيخ
ظنّ كثيرون أنّ الحرب المقيتة على سورية، من شأنها أن تُقعد هذا البلد العريق، وأن تشلّ حركة الحياة فيه، وأن تكبّل شعبه. لكن هيهات، ففي سورية شعب يتقن الحياة، ويتقن العزف على أوتارها، ويبرع في صوغ جمالياتها على رغم المِحن.
وإذا أردنا أن نتّخذ حركة المعارض التشكيلية مثالاً، لاحترنا من أيّ معرض نبدأ. إذ شهدت سورية خلال الأيام التي خلت، سلسلة من المعارض في عدد من مدنها.
«ورق… ورق»
ضمّ معرض التشكيليّ بشير بشير ستة وثلاثين عملاً فنياً بتقنية جديدة غير مألوفة على الساحة التشكيلية السورية، إذ اعتمد الأكريليك على الكرتون في ثلاثين لوحة، والزيت على قماش في ست لوحات أخرى، واختار لمعرضه عنوان «ورق… ورق».
الأعمال المتنوعة في حجومها جاءت ببصمة خاصة للفنان بشير كما اعتاد الجمهور السوري على أعماله التجريدية المليئة بالغنى اللونيّ من جهة، وبالعمق الفكري من جهة أخرى. فهي مساحة من الشطحات اللونية والتراكيب المنسجمة في التكوينات والتي يتداخل معها الحرف العربي بحالة صوفية تبتعد عن المألوف والواقع لتنحى بالمشاهد باتجاه آفاق من التأمل والتحليل الفلسفي وتعكس رؤية الفنان للمشاهد، تاركة له حرية الغوص فيها لتتكامل الحالة الوجدانية بين اللوحة والمتلقي في مشهد فني واحد.
وعن هذه التجربة الجديدة يقول التشكيلي بشير: إن هذه التقنية جديدة في تجربتي الفنية، وهي غير مألوفة على الساحة التشكيلية السورية. إذ اخترت أن أرسم على الكرتون، ثمّ أفرغ الرسوم على مساحة بيضاء أخرى من الكرتون. لذلك اعتمدت اسم «ورق… ورق» لهذا المعرض الذي يحمل الرقم 19 في مسيرتي الفنية.
ويتابع بشير: إن هذه التجربة التي أخذت منّي عمل سنة كاملة، هي محاولة لتطوير أسلوبي الذي اعتمد فيه التداخل ما بين التكوين واللون والحرف، وإقامة علاقات متناغمة بينها، لتجسيد كتلة متجانسة ومندمجة ومتآلفة في ما بينها. محققاً في ذلك الراحة البصرية والفكرية ومقدّماً لطروحات في الأفكار لا يلبث المشاهد ان يتلمسها ويتفاعل معها وفقاً لرؤيته الخاصة ومخزونه الفكري والفني.
ويوضح بشير أنه عبّر من خلال لوحاته عن عدة حالات إنسانية ووجدانية فيها، ما يلخص الألم الإنساني الذي يعيشه الإنسان السوري في ظل الأزمة، ومنها ما ينقل روح الأمكنة، خصوصاً مدينة دمشق. ويلخص حضورها وحضارتها الطاغيين على كل ما يريد تلويثها وتشويشها أو يحاول النيل من جمالها وإرثها الثقافي الضارب في التاريخ. كما حملت بعض الأعمال الأمل بالغد والفرح الذي يليق بسورية وشعبها.
ويدعو بشير كل الفنانين التشكيليين لإقامة المعارض والاستمرار بالعمل والمشاركة في كل الفعاليات التي تقام في أي مكان من سورية، لأن ذلك هو العامل الاساسي لنثبت قدرتنا على الحياة والانسجام والحوار. مشيراً إلى أنّ الحضور الكبير الذي شهده المعرض في الافتتاح يعكس مدى تعطّش الناس لكل فعل فنيّ وثقافيّ وحضاريّ، وينم عن قدرة الشعب السوري على مقاومة الموت والإرهاب بالحبّ والفن.
ويرى بشير الذي قدم نحو عشرين معرضاً فردياً في غالبية الصالات، أن السوق الفنية اليوم جامدة ولا تحقق المردود المادي المطلوب للفنانين.
والتشكيلي بشير بشير من مواليد دمشق عام 1961 درس الفن على أيدي مجموعة من الفنانين الكبار، عضو اتحاد الفنانين التشكيليين السوريين وعضو في اتحاد التشكيليين العرب والاتحاد الدولي لفن التصوير الفوتوغرافي، ولجنة التحكيم الدولية لطلائع البعث. له عدد من المعارض الفردية والجماعية داخل سورية. وحاصل على عدد من شهادات التقدير، ويعمل في مجال التصميم ومتفرّغ للفن، وأعماله مقتناة لدى عدد من الجهات الرسمية والخاصة.
دار الأسد للثقافة
نوّع التشكيليّ شاهر الزغير في معرضه الذي أقامه في صالة المعارض في دار الأسد للثقافة والفنون، وجاءت الأعمال الزيتية الأربعة والعشرين بأسلوبين تشكيليين، وموضوعين متفاوتين وبتقنيتين خدمتا مناحي المعرض.
واعتمدت فكرة المعرض على الإنسان لأهميته كجوهر الحياة وتنوعت حجوم اللوحات بين الصغير والمتوسط والكبير وجاء الأسلوب الأول مميزاً بالقطوعات الهندسية والمساحات اللونية الواضحة وبدرجة لونية واحدة على كل مساحة الجزء المراد تحديده وإدخال النقوش والزخرفات والمنمنات في بعض المناطق بتوزيع يتناغم مع الدرجات اللونية تناسب تقارب الدرجات اللونية، وبحسب متمماتها إذ تمتاز العناصر الموجودة بتحوير تتواجد فيها الدائرة والأقواس بحيث تكمل العنصر المراد تشكيله.
أما الأسلوب الثاني فكان للخط واللون والتكوين دور في إظهار الحالة الانفعالية لإعطائه الحرية في التعبير لكي يخدم الفكرة المراد توضيحها من قبل الفنان. وعن هذين الأسلوبين يقول التشكيلي الزغير: جاء اعتمادي عليهما خلال هذه الفترة لإنجاز أعمالي لقناعتي بقدرتهما على التكامل في إخراج ما أريد تقديمه عبر اللوحة. فهذه التجربة رحلة بحث بالنسبة إليّ لتطوير كل مكونات العمل لدي من تقنية وموضوع وتكوين.
وتضمنت اللوحات وجوهاً تحمل ملامح معاناة وتعب في تعبير عن الظروف التي يعيشها الإنسان السوري في هذا الوقت. وضمّ القسم الآخر بورتريات لنساء في حالات من الرزانة والاستقامة يلبسن أثواباً تعبّر عن مدى انسجامها مع كامل أجزاء اللوحة.
وعن خصوصية المرأة في لوحته يوضح الأخير أن المرأة بطلة لوحته لما تعنيه في الحياة فهي الأرض التي نعيش بها والأم والأخت والزوجة والصديقة على حد تعبيره. وعن اختياره لدار الأوبرا لإقامة معرضه فيها يقول: اخترت أن يكون معرضي في دار الأسد للثقافة وللفنون لما لها من أهمية في انتقاء السوية الراقية من النشاطات الفنية والثقافية ولدورها المتنامي في دعم الحركة الفنية بكل أشكالها في بلدنا.
ويرى المدرّس في كلية الفنون الجميلة في السويداء أن التراجع في سوق اللوحة كان ملموساً وواضحاً من خلال غياب السياح والمغتربين ومحبّي اقتناء اللوحة، وبسبب الأزمة الاقتصادية التي يعاني منها الجميع نتيجة الحرب على سورية. موضحاً أن سوق اللوحة السورية انتقل إلى الخارج وكان لها وجودها في أي منطقة انتقلت إليها وحققت أسعاراً مقبولة تفاوتت من فنان لآخر.
ويؤكد الفنان الشاب أن لوسائل الإعلام الدور الأكبر في الترويج للفن التشكيلي السوري وإسقاط الضوء على التجارب التشكيلية لدينا. مشيراً إلى أهميتها لانتشار اللوحة السورية وتسويقها في العالم لكي تعود بالفائدة على الجميع.
وعبّر عدد من الحضور عن إعجابهم بالغنى الفني والبصري في أعمال المعرض والتي تنوعت بأساليبها وتقنياتها وأحجامها. ما خلق حالة إبداعية متنوّعة تنمّ عن عمق فنيّ يتمتع به الفنان مع قدرة استثنائية على خوض غمار تجربتين فنيتين مختلفتين في وقت واحد، وخلق حالة متجانسة بينهما من ناحية الشكل والفكر لتقديم رؤية قابلة دائما للتطور والاغناء الفني والفكري مع الوقت.
الفنان شاهر الزغير من مواليد السويداء عام 1978، وهو خرّيج كلية الفنون الجميلة قسم تصوير في جامعة دمشق 2004. عضو اتحاد الفنانين التشكيليين ويعمل مدرّساً في كلّية الفنون الجميلة في السويداء. له عدة معارض داخل البلاد وخارجها كما شارك في عدد من المهرجانات والملتقيات. وأعماله مقتناة في وزارة الثقافة وفي سورية وعدة دول عربية وأجنبية.
حمّام سلمية الأثري
تضمّن معرض الصوَر الضوئية الذي أقامته دائرة آثار حماة بالتعاون مع «جمعية العاديات» في سلمية صوراً لمواقع أثرية وأدوات تراثية ومنحوتات يدوية ورسوماً تشكيلية لعدد من الفنانين، إضافة إلى لوحات فنية ورسومات أطفال وذلك في حمّام سلمية الأثري.
وأوضح محافظ حماة الدكتور غسان خلف خلال اطّلاعه على الصور واللوحات الفنية، أنّ أهمية المعرض تكمن في تسليط الضوء على أبرز المواقع الحضارية والتراثية في المحافظة والأدوات المنزلية والحرفية التي كانت تستخدم في الماضي وعراقة الإنسان السوري في ممارسة حياته عبر مختلف العصور. مشيراً إلى أن سلمية تحتل موقعاً مهماً على الخريطة الأثرية والتاريخية على مستوى سورية لما تحظى به من مخزون ثقافي وحضاري ثريّ ومتنوّع.
بدوره، أشار عبد القادر فرزات رئيس دائرة آثار حماة إلى أن المعرض الذي شمل عشرات الصور واللوحات الفنية، جسّد أبرز المعالم السياحية والتاريخية والفولكلورية والمهن اليدوية في سلمية وأهم المحطات التاريخية فيها. إضافة إلى أحياء المدينة القديمة وأهم معالمها السياحية والأثرية وبعض الأدوات والمعدّات التى كانت تستخدم في المنازل والأعمال الزراعية والآلات الموسيقية قديماً. وكذلك أهم الحِرف والمهن اليدوية التي كانت تشتهر بها سلمية ومنها صناعة الألبسة الفولكلورية، وخصوصاً فروات صوف الغنم، والفخّار، والنقش على النحاس وتصنيع الألبان والأجبان ومشتقاتها، كونها منطقة تشتهر بتربية الأغنام على نطاق واسع.
وأضاف فرزات: اختير حمّام سلمية الأثري لاحتضان فعاليات المعرض لما يرمز إليه من قيمة حضارية وتاريخية للمنطقة. فهو يعتبر من أكمل الحمّامات الأثرية في بلاد الشام ويمثل بسويّاته الأثرية الباقية غالبية المراحل التاريخية المعروفة التي مرت على مدينة سلمية. ويعود بناؤه الأول إلى العصر الروماني، وزادت أهميته في العصر البيزنطي مع تعاظم الدور الديني لسلمية، ولم تقل العناية به في العصر الإسلامي بمراحله المختلفة. مشيراً إلى أن الحمّام يتألف من مساحة مستطيلة تقدر بحوالى 448 متراً مربعاً وله أربع واجهات خارجية أهمها الواجهة الشرقية الرئيسة التي تحوي المدخل الرئيس للحمّام.
حضر افتتاح المعرض رئيس مكتب الإعداد والثقافة والإعلام الفرعي لحزب البعث العربى الاشتراكي في حماة حسين ديوب ورئيس مجلس المحافظة المهندس جميل اليوسف وعضو المكتب التنفيذي لقطاع الثقافة والإعلام والسياحة في حماة أنس جولاق.