رهانات أردوغان وحقائق الواقع
حميدي العبدالله
يعتقد أردوغان أنه من خلال سياسة خلط الأوراق يستطيع اصطياد أكثر من عصفور بحجر واحد.
يحارب حزب العمال الكردستاني ووحدات الحماية الكردية، ومن خلال ذلك يرضي تنظيم «داعش»، أو على الأقلّ يحدّ من اندفاعه للقيام بأعمال أكثر قوة داخل تركيا. ومن خلال محاربة حزب العمال الكردستاني بقوة يستعيد أصواتاً في انتخابات مبكرة ذهبت إلى حزب الشعوب الديمقراطية الذي حصل على 80 مقعداً في انتخابات 7 حزيران الماضي.
ومن خلال إرضاء الولايات المتحدة عبر السماح لها باستخدام قاعدة «أنجرليك» ضدّ «داعش» والموافقة على الاشتراك بالهجمات الجوية ضدّ «داعش» في سورية والعراق، استناداً إلى الاستراتيجية الأميركية يحوز على دعم الولايات المتحدة له في الانتخابات المبكرة التي يبدو أنها باتت خياراً حتمياً بعد أن رفضت الأحزاب الثلاثة التي فازت في الانتخابات الاشتراك مع حزب العدالة والتنمية في حكومة واحدة.
يبدو من خلال هذه الحسابات أنّ أردوغان وحزبه يمتلكان من جديد استراتيجية قادرة على إخراج الحزب من الأزمة التي عصفت به في ضوء نتائج انتخابات 7 حزيران، لكن هل الواقع هو كما يراه أردوغان؟
لا شك أنّ هذه الحسابات لا تخلو من أساس عملي جعلها مقبولة وجرى تبنّيها من قبل حزب العدالة والتنمية، وألزمت به مؤسسات الدولة التركية، بما في ذلك الجيش، وقد يؤثر بعضها إيجاباً على شعبية حزب العدالة والتنمية في الانتخابات المبكرة، وهذا ليس فقط احتمالاً وارداً، بل هو احتمال مرجّح، إذا أخذنا بعين الاعتبار احتمال حدوث تحسّن جزئي في التصويت لصالح حزب العدالة والتنمية في نتائج الانتخابات المبكرة.
لكن في مقابل ذلك ثمة أشياء غير محسومة ولا يمكن ضمان نتائجها سلفاً في هذه السياسة الجديدة، سياسة خلط الأوراق، وهنا يمكن الإشارة إلى ثلاثة أمور أساسية:
ـ الأمر الأول، انّ إذكاء سياسة العداء ضدّ الأكراد في تركيا من شأنه أن يزيد الالتفاف حول حزب الشعوب الديمقراطية، وبالتالي يمكن أن يحافظ هذا الحزب على نسبة 10 في المئة من الأصوات في الانتخابات المبكرة، وحصول هذا التطوّر، وهو احتمال مرجح، يحرم حزب العدالة والتنمية من جديد من الوصول إلى الأكثرية المطلقة التي تؤهّله لتشكيل الحكومة بمفرده.
ـ الأمر الثاني، انّ استهداف تركيا لوحدات الحماية الشعبية في سورية، يربك الاستراتيجية الأميركية ويضع إدارة أوباما أمام خيارات صعبة: التخلي عن التعاون مع وحدات الحماية، يعني فقدان الحليف الوحيد على الأراضي السورية المستعدّ للتعاون مع الولايات المتحدة لمحاربة «داعش»، والتمسك بالتعاون مع وحدات الحماية يضع سياسة الولايات المتحدة في مواجهة السياسة التي يراهن عليها حزب العدالة والتنيمة.
ـ الأمر الثالث، تنظيم «داعش» الذي يحوز على تأييد واسع في تركيا، وتحديداً في المعاقل الانتخابية لحزب العدالة والتنمية لن يصوّت لصالح حزب العدالة، وبالتالي ما قد يكسبه أردوغان من جهة سيخسره من جهة أخرى.
هكذا يبدو أنّ أردوغان وحزبه في حالة تخبّط ومن الصعب الخروج من المأزق الذي زجّ تركيا فيه.