سورية… الحلول السياسية أكذوبة كبرى والحرب مستمرّة بوجوه مختلفة
هشام الهبيشان
مع استمرار الحديث عن قرب انطلاق مسار الحلول والتحالفات الغامضة والخاصة بالوصول إلى حلّ سياسي للحرب المفروضة على الدولة السورية ولتوحيد الجهود للحرب على الإرهاب، يبدو واضحاً في هذه المرحلة أنّ مسار الحلول السياسية للحرب على سورية، ما زال مغلقاً حتى الآن، خصوصاً أنّ استراتيجية الحرب التي تنتهجها واشنطن وحلفاؤها تجاه سورية بدأت تفرض واقعاً جديداً، فلم يعد هناك مجال للحديث عن الحلول السياسية، فما يجري الآن ما هو إلا حرب استنزاف لسورية، ومن ينظر إلى العملية العسكرية الكبرى «عاصفة الجنوب درعا والقنيطرة» التي نُفّذت في درعا والقنيطرة بقيادة ما يسمى «معارضة معتدلة وأخرى متشدّدة» تتحالف مع «اسرائيل»، وبدعم استخباري إقليمي واسع، والتي أفشلها الجيش السوري وصدّ وهزم غزواتها الاربع، سيلاحظ بوضوح أنّ التعويل على الحلّ السياسي في سورية، في هذه المرحلة تحديداً، فاشل بكلّ المقاييس، لأنّ الرهان هو على الميدان فقط.
اليوم، هناك معلومات موثقة تقول إنّ الدولة السورية تتعرّض لحرب استنزاف كبرى، وتشير إلى أنّ هناك ما بين 42 و53 ألف مسلح يقاتلون بشكل كيانات مستقلة مثل «داعش و«النصرة»، أو في صفوف ما يُسمّى «قوات المعارضة السورية»، وتفيد المعلومات عينها، بأنّ هناك حوالى 90 ألف مسلح سوري يقاتلون الجيش السوري، وهؤلاء عبارة عن أدوات في أيدي أجهزة استخبارات الدول الشريكة في المؤامرة على سورية، وأنّ هناك حوالى 20 جهاز استخبارات غربياً وعربياً وإقليمياً يعمل اليوم داخل أراضي سورية.
إنّ أدوات الحرب المذكورة كادت، خلال فترة ما، أن تنجح في إسقاط سورية في الفوضى العارمة، لولا يقظة الدولة السورية منذ اللحظة الأولى لانطلاق الحرب عليها، فقد أدركت سورية حجم خطورة الحرب مبكراً، وتنبّهت إلى خطورة ما هو آت. وعلى رغم حجم الدمار الهائل الذي أصابها، فإنّ سورية بعد نيّف وأربع سنوات من التدمير الممنهج والخراب والقتل والتهجير، تمكنت من الصمود والاستمرار وتحقيق الكثير من الإنجازات.
ومع استمرار فصول الصمود السوري أمام موجات الزحف المسلح إلى العاصمة دمشق، والذي من المتوقع أن تكون مستقبلاً بشكل أكثر كثافة وخصوصاً مع المعلومات التي تشير إلى قرب تنفيذ تنظيم «داعش» لغزوة كبيرة لمحيط مدينة دمشق، ومع انكسار معظم هذه الموجات من الغزوات السابقة على مشارف العاصمة دمشق، وأمام عجز الدول الشريكة في الحرب عن إحراز أي اختراق، انتقلت هذه الدول إلى حرب الاستنزاف لكلّ موارد وقطاعات الدولة السورية في محاولة أخيرة لإسقاطها.
وهنا، عندما نجد أنّ كمّاً هائلاً من المسلحين العابرين للقارات والمدجّجين بالسلاح قد أدخلوا إلى سورية خلال الفترة الأخيرة، وبعضهم ينتظر دوره لدخول معسكرات تركيا والسعودية، يتضح لنا أنّ الهدف من التوريد المستمرّ للإرهاب هو ضرب منظومة صمود سورية وعقيدة جيشها واستنزاف قدراته اللوجستية والبشرية، لأنّ تفكيك الدولة وجيشها الوطني هو الشرط الأساسي لاستكمال تفكيك مجتمعها.
على رغم ذلك ما زالت الدولة السورية قادرة على أن تبرهن للجميع أنها قادرة على الصمود، والدليل على ذلك قوة وحجم التضحيات والانتصارات التي يقدّمها الجيش العربي السوري بعقيدته الوطنية والقومية الجامعة، والتي انعكست أخيراً بظهور حالة واسعة من التشرذم لما يُسمى بقوى المعارضة المسلحة، إنّ حالة التشرذم داخل هذه المجاميع المسلحة، تقابلها حالة صمود وصعود لقوة الجيش السوري في الميدان، وإنّ استمرار هذا الصعود من شأنه أن يضعف الجبهة الدولية الساعية إلى إسقاط سورية بكلّ الوسائل والسبل.
إنّ استمرار انتفاضة الجيش السوري الأخيرة في وجه كلّ البؤر المسلحة في العاصمة دمشق وريفها خصوصاً، وفي جنوب سورية درعا والقنيطرة والشمال حلب وإدلب، ستشكل حالة واسعة من الإحباط والتذمّر عند الشركاء في هذه الحرب المفروضة على الدولة السورية، ما سيخلط أوراق وحسابات حجم المعركة من جديد.
ومن يذكر هنا حديث السفير الأميركي السابق في سورية وعرّاب الحرب عليها ومهندس ما يُسمّى الائتلاف السوري روبرت فورد، مطلع العام الحالي، والذي تحدّث من خلاله عن فشل أميركا في قيادة الحرب على سورية ودعوة واشنطن إلى التدخل المباشر، سيلاحظ أنّ هذا الحديث ما هو إلا دليل على سقوط جميع رهانات واشنطن وحلفائها على ما يُسمّى «المعارضة المعتدلة»، وبذلك بات واضحاً أنّ بعض القوى التي كانت سابقاً شريكاً أساسياً في الحرب على سورية بدأت بالاستدارة والتحوّل في مواقفها، وقامت بمراجعة شاملة لرؤيتها المستقبلية لهذه الحرب، وهذه الاستدارة لم تأت إلا تحت ضربات وانتصارات الجيش السوري الميدانية، وبعد تضييقه الخناق على المسلحين في كثير من مناطق دمشق وريفها، ودرعا والقنيطرة وريفهما، وحلب وريفها. من هنا نستطيع أن نقرأ أنّ الأدوار والخطط المرسومة، في شأن الحرب على سورية، قد تغيّرت وآخر الخطط التي ما زالت تعمل بفعالية نوعاً ما حتى الآن على الأرض هي حرب الاستنزاف، وقد استطاعت سورية أن تصمد وبقوة كما صمدت أمام خطط سابقة وسوف تتمكن من حسم المعركة، ميدانياً، خلال فترة زمنية متوسطة الأجل، لن تتجاوز ربيع عام 2016، والسبب أنّ خطة الاستنزاف التي تنتهجها واشنطن وحلفاؤها في سورية لها أمد معيّن وستنتهي بانتهاء مدة صلاحيتها، وبذلك تكون سورية أمام آخر خطط الحرب الغير مباشرة عليها، بعد أن تحسم مبكراً هذه الحرب المفروضة عليها.
كاتب وناشط سياسي ـ الأردن
hesham.awamleh yahoo.com