إيران والسعودية
حميدي العبدالله
حرص المسؤولون الإيرانيون على إقامة علاقة صداقة وتعاون مع المملكة العربية السعودية، هذا على الرغم من أنّ السعودية تناصب إيران العداء، ولا يترك أيّ مسؤول في المملكة مناسبة إلا ويوجه الانتقادات لإيران ويتهمها بالسعي إلى الهيمنة على المنطقة.
وبمعزل عن صحة أو عدم صحة هذه الاتهامات، إلا أنّ المسؤولين الإيرانيين ظلوا، رغم هذه الانتقادات التي تصل أحياناً إلى حدّ التجريح، يؤكدون حرصهم على إقامة علاقة طيبة مع المملكة وكان آخر هذه التصريحات خطاب الرئيس روحاني الأخير والتصريحات التي أدلى بها وزير خارجية إيران من بغداد. فهل هذا الحرص على العلاقة الإيجابية مع المملكة العربية السعودية يأتي من موقع الخوف، أو عدم القدرة على الوقوف في وجه سياسة العداء التي تنتهجها السعودية؟
ليست هذه أسباب حرص إيران على إقامة علاقات طيبة مع السعودية، وقد وصلت إلى حدّ أنّ أمين عام حزب الله السيد حسن نصر الله لفت النظر إليها من موقع الإعجاب بصبر المسؤولين الإيرانيين على ما يتعرضون له من انتقادات تقترب إلى مستوى التحامل، بدليل أنّ إيران وقفت ضدّ الغرب ومعه السعودية وغيرها، إلى أن غيروا مواقفهم منها.
لا شكّ أنّ ثمة أسباباً سياسية جوهرية وتاريخية هي التي تدفع إيران إلى سلوك هذه السياسة وعدم الانجرار وراء الاستفزازات، ولا تقتصر هذه الأسباب على الحرص على الوحدة الإسلامية، وهي ركن من أركان السياسة الإيرانية منذ سقوط نظام الشاه وانتصار الثورة الإيرانية، بل إنّ ثمة أسباباً أخرى تعزّز هذا الموقف المبدئي الذي يوجِّه سياسة إيران في المنطقة، ولا سيما إزاء السعودية. ومن بين هذه الأسباب أنّ المملكة تلعب دوراً مهمّاً في منظومة مجلس التعاون الخليجي، بل يمكن القول إنها تقود هذه المنظومة. ومعروف أنّ من يحارب تدخل الدول الخارجية في شؤونه الداخلية، وعانى من هذه التدخلات يسعى دائماً إلى تعميم سياسة تقوم على فكرة نبذ التدخل في شؤون الآخرين وترك شعوب الدول المعنية تقرّر مصيرها بنفسها بعيداً عن أي تدخلات خارجية.
قد تكون شعوب الدول الخليجية راضية أو غير راضية عن سياسة حكامها، لكنّ هذه المسألة تخصّ الشعوب في هذه المنطقة، وهي وحدها التي تقرّر مصير حكوماتها، وبالتالي لا يحقّ لأي حكومة أو دولة خارجية التدخل في هذا الشأن، وإذا ما تدخلت فإنّ ذلك يكون خطأً جسيماً. هذا هو المبدأ الذي يوجِّه السياسة الإيرانية، وانتقادها لتدخلات حكومة المملكة العربية السعودية في شؤون دول مثل سورية والعراق واليمن ينطلق من هذا المبدأ، ولكن في النهاية، السعودية وغيرها هي دول لا يمكن تجاهلها، ولا يمكن القطيعة معها، ولا بدّ من أن يظلّ الخلاف معها محصوراً في إطاره المبدئي.