مصير الأسد إلى الواجهة: بين الحاضر والمستقبل
عامر نعيم الياس
عاد الحديث عن مصير الرئيس السوري بشار الأسد إلى واجهة التسريبات الإعلامية الخاصة بتوصيف الحراك الدبلوماسي السرّي والعلني في المنطقة. وفي هذا السياق أعلنت وزارة الخارجية الأميركية أنها تقبل بمناقشة مستقبل سورية «من دون الأسد»، فيما سرّبت «الأخبار» اللبنانية تقريرين مهمين: الأول يتحدث عن لقاء معجزة جمع اللواء علي مملوك رئيس مكتب الأمن الوطني في سورية مع وليّ وليّ العهد وزير الدفاع السعودي محمد بن سلمان برعاية روسية، إذ تم التطرق إلى العلاقات بين دمشق والرياض مع الاتفاق على استمرار الاتصالات بين الجانبين. وفي التقرير الثاني الذي تناول زيارة وليّ وليّ العهد السعودي إلى القاهرة ولقائه الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، نقلت الصحيفة عن مصدر دبلوماسي مصري قوله إن محمد بن سلمان أبدى «تفهماً لمقترح القاهرة لحل سياسي للأزمة السورية لا يضمن بقاء بشار الأسد على هرم السلطة مستقبلاً مع بقائه لمدة قصيرة تنتهي بنهاية مرحلة انتقالية تضمن انتقالاً سلمياً للسلطة، وإجراء انتخابات رئاسية مبكرة لا يكون الأسد مرشحاً فيها»، وهو المقترح الذي ستتوسط فيه القاهرة قريباً بين أطراف «المعارضة» ودمشق، فلماذا عاد الحديث عن مصير الرئيس السوري إلى الواجهة؟
تحدّى الرئيس السوري بشار الأسد كل من يحاول التلميح إلى ملف المرحلة الانتقالية، أراد بخطابه تصويب سقوف المواجهة التي يرى البعض انها انخفضت في ضوء التراجع الأخير للجيش السوري والقوات الرديفة في شمال البلاد، فالبلاد لن تكون من نصيب من خرج منها وارتبط بالغرب، بل البلاد «لمن يدافع عنها ويحميها»، إشارةً إلى شكل العملية التفاوضية المستقبلية وحدود الدولة السورية وصلاحياتها باعتبارها طرفاً مفاوضاً، في ضوء الإصرار الدولي الرسمي على ضرورة الحل السياسي.
وعند هذه النقطة يأتي التطور الثاني المتمثل بما أشار إليه المبعوث الدولي إلى سورية ستيفان دي مستورا حول «الخلاف المستمر على المرحلة الانتقالية» بين الأطراف السورية، وضرورة العمل على حل هذا الخلاف، فيما يتوجب التحضير والاستمرار في ملف «مكافحة الإرهاب»، بينما أتت مواقف الدول الأعضاء في المجلس عاكسةً لقلق بات مسيطراً على توجّه الدول الغربية في ما يتعلق بأولوية الحرب على «داعش» في سورية.
التطور الأساس يبقى المقترح الروسي المتعلق بإقامة تحالف رباعي بين سورية والسعودية وتركيا والأردن على قاعدة الحرب على «داعش» ومكافحة الإرهاب، وهو ما وصفه حينذاك رئيس الدبلوماسية السورية بأنه يحتاج إلى «معجزة»، فهل التحرك الموازي للتطورات والمقترحات حول مصير الأسد تقترب باتجاه تحقيق «المعجزة»؟
في الحروب التي من نمط الحرب السورية وفي صمود طرف استهدفه الكون يصبح البند الأول في إطار تحقيق الحل والخروج من عنق الزجاجة هو الاعتراف بعدم قدرة طرف من الأطراف على الفوز على الطرف الآخر، وبعدم قدرة أي عملية تفاوضية في السياق العام لحل الأزمة على استبعاد هذا الطرف من الحكم في إطار التسوية العامة، وعليه فإنه يلمس من الحراك الذي سرّبت الأخبار أهم التطورات النوعية فيه، وهي الصحيفة الناطقة بِاسم طرف من أطراف محور المقاومة، أن أسس الحل باتت على نار حامية، وأن التمهيد لقبول الأسد على قاعدة الحاضر تعتبر تطوراً تحاول باقي الأطراف التغطية عليه على قاعدة المستقبل، فلا مكان للأسد في المستقبل، لكنه يقود الحاضر في الحرب والحاضر في التفاوض، وما يلي حاضر التفاوض من تحضيرات لنقل البلاد إلى المرحلة الجديدة التي يصطلح الغرب تسميتها «المرحلة الانتقالية»، وفي هذا السيناريو اقترابٌ مباشر من طرح يقول باستحالة نقل البلاد «الموحدة» إلى مرحلة جديدة إلا في إطار وجود الأسد الذي هو وحده يقود البلاد إلى بر الأمان في عملية يمكن لها أن تستمر سنوات ولا يمكن لها أن تنتهي أو تحكم في مستقبل الأسد القائد إلا عبر صناديق الاقتراع، فالشعب وحده من يقرر مصير من قاد الدفاع عن البلد وحماها من الانهيار.
مصير الأسد يناقش باعتبار بقاءه ضرورة وفي هذا تطور لا تقف عنده مصطلحات زمنية من قبيل الحاضر والمستقبل، والتي سيتجاوزها الزمن مع مروره.
كاتب ومترجم سوري