ماذا يريد نقاد استراتيجية أوباما؟
حميدي العبدالله
ثمة إجماع على وصف استراتيجية الرئيس الأميركي باراك أوباما في مواجهة داعش والإرهاب، بالاستراتيجية الفاشلة. لا يأتي هذا النقد لهذه الاستراتيجية من الحكومتين السورية والعراقية وحسب، بل يأتي أيضاً من دوائر كثيرة في الغرب، وتحديداً في الولايات المتحدة.
ولكن خلفيات النقد الموجهة إلى هذه الاستراتيجية تختلف جذرياً من معسكر إلى آخر. فالنقد الموجه للاستراتيجية الأميركية من قبل الحكومتين السورية والعراقية، ينصب بالدرجة الأولى على مسألتين أساسيتين: الأولى أنّ الولايات المتحدة متواطئة مع الجماعات الإرهابية، وتقدّم لها الدعم المباشر وغير المباشر، لأنّ غالبية الأسلحة المتطوّرة التي بحوزة التنظيمات الإرهابية هي أسلحة أميركية، وتحديداً صواريخ تاو، كما أنّ الإدارة الأميركية لم تمارس ضغوطاً فعلية على حلفائها في المنطقة لوقف دعمهم للجماعات الإرهابية، بل أكثر من ذلك لم تبذل أيّ جهد فعلي لوضع قرارات مجلس الأمن حول الإرهاب موضع التطبيق، ناهيك عن أنها تتخذ موقف المتفرّج إزاء الصراع الدائر بين الحكومتين السورية والعراقية من جهة، والجماعات الإرهابية من جهة أخرى، بذرائع شتى، على سبيل المثال تبرير عدم التعاون مع الحكومة السورية بذريعة أنها حكومة استبدادية، بل تحمّلها، زوراً، مسؤولية الحرب الدائرة وتعاظم خطر الإرهاب، وتحجم عن تقديم الدعم المطلوب للحكومة العراقية بذريعة أنها تهمّش مكوّناً عراقياً، علماً أنّ معادلة الحكم في العراق لم تتغيّر عما كانت عليه في ظلّ الاحتلال الأميركي من حيث توزيع المناصب الحكومية بين المكوّنات العراقية. الثانية عدم استخدام الولايات المتحدة كامل قدرتها الجوية في ضرب تنظيم داعش على غرار ما فعلته أثناء غزوها لأفغانستان والعراق.
لكن نقاد إدارة أوباما الآخرين يقفون على طرفي نقيض، فهم يريدون من أوباما انخراطاً أكبر في الحرب على سورية وضدّ الحكومة العراقية، ودعماً أوسع للتنظيمات الإرهابية، بمعزل عن تداعيات ذلك ونتائجه. يريدون إعادة إنتاج إما تجارب غزو أفغانستان والعراق، أو على الأقلّ تكرار تجربة ليبيا، أيّ الإسهام العسكري الفعّال في إسقاط الدولة السورية، وقلب التوازنات في العراق التي أرساها الاحتلال الأميركي ذاته بعد إسقاط الدولة العراقية في غزو 2003.
لكن من الواضح أنّ إدارة أوباما وجزءاً من النخبة الحاكمة في الولايات المتحدة والغرب لا تريد إنتاج التجارب الكارثية التي كلفت الولايات المتحدة الكثير في أفغانستان والعراق، ولا تريد تعميم الأنموذج الليبي.
بفعل الخلاف بين الإدارة الأميركية ومقاربتها هذه وبين المعسكر الذي يريد انخراطاً أقوى بمعزل عن نتائج هذا الانخراط وتداعياته، يحصل كلّ هذا الارتباك، ويقود هذا الارتباك إلى الفشل، لأنه ممنوع على إدارة أوباما تبني مقاربة فعّالة لمكافحة الإرهاب بذريعة أنّ ذلك يقوّي المعسكر المناهض للولايات المتحدة والغرب ويصبّ في مصلحته، لهذا يبرّرون حتى التعاون مع الجماعات الإرهابية.