مسيرة التراجع خطوة خطوة
ليس مهما أن تكون المسارات السياسية التي تنطلق على مستوى المنطقة على درجة من التطابق مع الطموحات التي يريدها الناس التواقون إلى الخلاص من حروب الدم والخراب لأنّ الحقيقة الأكيدة هي أنّ التغيير السياسي الذي يؤدّي إلى نتائج أمنية لا يملكه في اليمن منصور هادي وفريقه، بينما من يقاتل في الميدان بوجه الجيش والحوثيين مقاتلو القاعدة ويحميهم من البحر والجو الطيران السعودي، كما لا يحدث التغيير في سورية الائتلاف المعارض الذي لا يملك شيئاً في الميدان، ومن يقاتل بوجه الجيش السوري والمقاومة هم مقاتلو النصرة وداعش، ومن خلف الحدود يحظون بدعم وتسهيلات سعودية وتركية و»إسرائيلية» وأردنية، وفي العراق لا يملك إحداث التغيير زعماء عشائر الأنبار المتصلون بالإدارة الأميركية والمتحفظون على دور الحشد الشعبي، والقتال يجري بوجه داعش ومن خلف الحدود قدر كبير من الاستناد إلى التسهيلات التي يتيحها العمق التركي.
التغيير الذي يمكن أن يحدث فرقاً هو تحوّل القرار السعودي والتركي بصورة رئيسية من تقديم الدعم للتنظيمات الإرهابية والرهان على هزيمة سورية ومحور المقاومة ومن ضمنه إيران والحشد الشعبي العراقي والحوثيون، والانتقال من الاعتماد على هذه التنظيمات لتحقيق الانتصار الموهوم في العراق أو سورية أو لبنان أو اليمن.
السؤال الرئيسي هو هل أنّ التفاهم على الملف النووي الإيراني خلق لدى واشنطن قناعة بأنّ وقت أولوية الحرب على الإرهاب قد حان، وأن التوقيع على التفاهم النووي يلغي مبرّر المواصلة في الرهان على الحروب التي تشنها «القاعدة» ضد إيران وحلفائها أملاً بتحسين الوضع التفاوضي طالما انّ المفاوضات قد انتهت بصدد الملف النووي، ولن تتغيّر توازناتها في المفات المتصلة بمستقبل سورية والعراق واليمن ولبنان ولو بقي الإرهاب يقاتل ألف عام، ومن جهة مقابلة صارت كلفة هذا الإرهاب ومخاطر تجذره وتهديده لأمن الغرب والمنطقة وفقاً لحساباته الخاصة ومشروعه الخاص أكبر من أن يجري التهاون معها وغض النظر عنها ومواصلة التغاضي في هذه الحالة تعني ملاقاة الخطر؟
المنطق يقول نعم كبيرة، هذا إضافة إلى أنّ الحزب الديمقراطي الأميركي المحشور انتخابياً والعاجز عن المخاطرة بدخول انتخابات مفصلية يحتاج من الرئيس باراك اوباما سلاحاً أقوى من التفاهم النووي ليربح الانتخابات لأنّ التفاهم النووي بذاته لا يحقق إبهاراً للرأي العام في ظلّ ما يعنيه من مؤشر ضعف أميركي بينما الحرب على داعش وتحقيق انتصارات في حرب الإرهاب لها هذه المفعول.
السؤال الثاني هل باتت تركيا والسعودية تشعران أنهما في مأزق حيث حربهما على سورية خصوصاً بلا أفق والإرهاب يهدّد كلّ منهما بقوة، وفي المقابل لكلّ منهما مستنقع يغرق فيه ويريد مخرجاً فتركيا أمام المأزق الكردي، والسعودية أمام المأزق اليمني، وليس سوى تسويات كبرى وإنخراط في الحرب على الإرهاب يمكن أن تشكل غطاء للتنصل من فواتير الخسائر؟
الجواب المنطقي أيضاً هو نعم والمؤشرات تقول إنّ الحركة الأميركية والروسية الضاغطة لتسريع هذه النعم تستند إلى مصالح ورؤى وقدرات لا يمكن بدونها لتركيا والسعودية خوض حرب منفصلة وكيدية وبلا أفق ضدّ سورية.
الإرهابيون الذين يظهرون للبعض كقوى خارقة أظهرتهم المعارك نمر من ورق وأظهرت أنّ قدراتهم المالية وليس المعنوية هي مصدر الهالة التي صنعوها ويكفي أن يقطع عنهم حبل الصرة التركي السعودي حتى تصير الحرب عليهم أسهل وأفعل فيما الانتصارات تتحقق عليهم قبل هذا التحوّل.
مشكلة تركيا والسعودية عنجهية الخطاب الوهابي والعثماني والغطرسة والسقوف العالية التي رفعوها، بحيث أن ايّ تراجع عليهما صعب، فكيف بالتراجع عن هذه السقوف والتسليم بالهزمية في سورية؟
الوقائع تقول إنّ التراجع بدأ بطيئاً، لكنه بدأ، وأنّ الأيام المقبلة ستشهد المزيد من التراجعات وتصبح الحرب التي يخوضها محور المقاومة على الإرهاب أسرع في تحقيق الإنجازات.
«توب نيوز»