إلى مجتمع المواجهة دُرّ…
معن حمية
المواقف الدولية، والتطورات الحاصلة على أكثر من صعيد، تؤشر إلى أنّ هناك مشهدية جديدة تطفو على السطح، من خلال الاتجاه إلى تفاهمات دولية حول القضايا والملفات، بديلاً عن لغة التصعيد وخوض الحروب بالواسطة، وهذا يحتم على القوى الغربية والإقليمية والعربية وقف دعم الإرهاب وتجميد مشاريع التفتيت ومخططات إسقاط الدول التي تتبنّى خيار الصمود والمقاومة.
الاتفاق النووي بين إيران ومجموعة 5 + 1 ربما يشكل منصة للدفع باتجاه حصول تفاهمات دولية حول أكثر من ملف وقضية، وهناك دول إقليمية وعربية مضطرة إلى التأقلم مع المسار الدولي المستجدّ، وبعضها يتخبّط بهواجسه نتيجة حساباته الخاطئة ورهاناته الفاشلة، والبعض الآخر وفي المقدّمة «إسرائيل» يبحث عن جوائز ترضية نتيجة دوره في دعم ومؤازرة الإرهاب.
إنّ ما تشهده الكواليس الدولية يشي بأنّ ما بعد الاتفاق النووي ليس كما قبله. فإيران باتت قوة أساسية بين مجموعة الكبار على المستوى الدولي، ولا بدّ أن تُحترم إرادة هذا الشريك الدولي الجديد ومواقفه، لا سيما تجاه سورية والعراق.
ويبدو أنّ مسار التفاهمات الدولية يُنضّج ببطء، وملفات المنطقة وحروبها تُبحث بعناية. فروسيا وإيران تقودان حراكاً ومبادرات، وهذا الحراك نتجت منه لقاءات بالغة الدلالة. وكلّ الإشارات تؤكد بأنّ سورية هي أساس التفاهمات، وأنّ البحث يتمّ على قاعدة التسليم بفشل مشروع إسقاط الدولة السورية، وبحتمية استعادة دورها وحضورها كاملاً وعلى كلّ المستويات.
الجانب الغربي حسم قراره لجهة السير في منطق التفاهمات، لكنه يريد أثماناً عجز عن تحقيقها بواسطة الإرهاب ونشر الفوضى، والثمن الذي يريده، هو حماية أمن الكيان الصهيوني!
دول أخرى إقليمية وعربية تدور في الفلك الغربي وتحديداً الأميركي، لا سيما تلك التي لها أدوار بارزة في دعم القوى الإرهابية المتطرفة، تخشى أن يفوتها قطار التفاهمات، وهي الآن تتحسّس خطر الإرهاب الذي غذّته ودعمته، وتتحضّر لما يشبه الاستدارة لتجنّب التداعيات.
استدارة، لا بدّ أنها حاصلة، نتيجة الفشل الذريع في تحقيق أهدافها المعلنة من الحرب على سورية. ويمكن للمراقب تلمّس هذه الاستدارة في مواقف مسؤولي بعض هذه الدول المتورّطة في دعم الإرهاب، من بوابة التسليم العلني بواقعية أنّ الاتفاق النووي قد حصل.
الحزب السوري القومي الاجتماعي يدرك تماماً أنّ هدف الحرب على سورية هو إسقاط قاعدة الإسناد والدعم العملي لقوى المقاومة، لأنّ إسقاط الدولة السورية يعني تحقيق الهدف الأساس وهو حماية وضمان أمن «إسرائيل».
ويدرك أيضاً أنّ هناك محاولات غربية حثيثة تقوم على مبدأ مقايضة وقف دعم الإرهاب، بضمان أمن العدو الصهيوني وتمكين هذا العدو من مواصلة مخطط تصفية المسألة الفلسطينية. وأنّ هذه المحاولات تصطدم بموقف محور المقاومة، الذي يرفض أيّ شكل من أشكال التفاهمات التي قد تقيّد حركة المقاومة، أو تمنح «إسرائيل» فرصة لمواصلة مخططها الاستيطاني والتهويدي وتكريس احتلالها لفلسطين.
ولأنّ ما يمكن أن يحصل من تفاهمات لن يحول دون استمرار الحرب الإرهابية على أمتنا بأوجه وأشكال متعدّدة، فهذا يستدعي تحصين مجتمعنا ليكون أكثر قوة ومناعة في مواجهة الاحتلال والإرهاب.
من هنا أهمية الدعوة التي أطلقها رئيس الحزب النائب أسعد حردان، في مهرجان ضبية الذي أقامه الحزب بمناسبة ذكرى اغتيال باعث النهضة أنطون سعاده، وهي دعوة واضحة بتحويل المجتمع إلى مجتمع مواجهة. مجتمع محصّن بوحدته، قادرٌ على مواجهة التحديات الآنية والمستقبلية المتمثلة بالاحتلال اليهودي وبالإرهاب والتطرف والمطامع الاستعمارية.
إنّ بناء مجتمع المواجهة ورفع الجاهزية يحملان في طياتهما ردّاً مباشراً على القوى الغربية وأتباعها الإقليميّين والعرب، بأنّ شعبنا على امتداد جغرافية الهلال الخصيب، لن يقبل بدفتر شروط يمسّ الحق القومي وجوهر الصراع.
وإنّ أهمية بناء مجتمع المواجهة، لا تقتصر على مواجهة الخطر المصيري والوجودي الذي يمثله العدو الصهيوني. فالحرب على سورية كشفت عن أخطار متعدّدة الأوجه والاتجاهات. فتركيا الأردوغانية تستبطن أحقاداً إخوانية ضدّ سورية، وقد فجرت هذه الأحقاد خلال السنوات الخمس المنصرمة، وهي لا تزال تراهن حتى اللحظة على إمكانية تحقيق خرق ما، بإقامة ما يُسمّى منطقة آمنة. كما أنّ تورّط بعض دول الخليج في الحرب على سورية وصل حدّ الالتزام بالمساعدة على تصفية المسألة الفلسطينية لمصلحة الاحتلال اليهودي، وهذه تحديات تستوجب أن يكون مجتمعنا محصّناً وموحداً في مواجهتها.
دعوة رئيس الحزب إلى بناء مجتمع المواجهة وإلى الجاهزية العالية وإلى قيام جبهة شعبية لمكافحة الإرهاب والاحتلال، وهي دعوة لكي يواجه المجتمع بكلّ شرائحه الاحتلال والإرهاب والطائفية والمذهبية وكلّ أشكال التفتيت، ودعوة صريحة إلى تحصين المجتمع بعناصر القوة والمنعة سياسياً وعسكرياً واقتصادياً واجتماعياً وثقافياً، استعداداً لخوض معركة المصير القومي، وهي معركة قائمة راهناً ومفتوحة على كلّ الاحتمالات في المستقبل القريب والبعيد.
فإلى مجتمع المواجهة دُر.