المعلم وبن علوي يعلنان من مسقط بدء مرحلة الحلول في سورية
كتب المحرر السياسي
وسط الحرائق التي تزداد اشتعالاً من اليمن والسعودية إلى سورية، حيث خلط الأوراق العسكرية يتصاعد، ترمي الأطراف بكلّ ثقلها لتعزيز أوضاعها وفعل كلّ ما يمكن للإمساك بأوراق القوة التي تخوّلها الحضور في مشهد سريع التغيّر وسريع التقادم، وباتت وفقاً لمرجع ديبلوماسي كبير «ديناميات التحكم فيه فوق قدرة الأطراف التي لا تزال تعيش أوهام ماضيها، فما قبل التفاهم النووي غير ما بعده، وما تقوله الدول الكبرى لحلفائها ليس حقيقة موقفها بل ما تقوله لخصومها».
الحدث الأبرز عسكرياً كان أمس الضربة الموجعة التي وجهها تنظيم «داعش» للنظام السعودي وهيبته الأمنية وخصوصاً لولي العهد وزير الداخلية محمد بن نايف الذي بنى وأعدّ ودرّب ورعى قوات الطوارئ بصفتها قوة المواجهة المحترفة مع تنظيم «القاعدة» ومتفرّعاته، وصارت مهمتها المواجهة مع تنظيم «داعش» منذ نشأته، ويتباهى قادة «الطوارئ» بدقة وحرفية إجراءات الأمن المحيطة بمقراتها، ونوعية عناصرها وضباطها وتميّز عملياتها واستحالة اختراقها، فاختار «داعش» هذا العصب بعيداً عن المنطقة الشرقية وهويتها المذهبية ليذهب بدلاً من الشرق إلى أقصى الغرب وبدلاً من لون مذهبي يسهل اتهامه باختيار الخاصرة الرخوة ليضرب في قلب العصب المذهبي الوهابي وقوته الضاربة التي تمثلها نخبة النخبة في قوات وزارة الداخلية، فيقصد إحدى ثكناتها المحروسة جيداً ويقتحمها بأحد انتحارييه ليصطاد ضباط وعناصر وحداتها وهم في مسجد الثكنة متجمعين في وقت الصلاة.
ضربة «داعش» في السعودية تضع في الواجهة معادلة الوقت أمام حكام الرياض الذين ما زالوا يتصرّفون وكأنّ الوقت معهم، فـ»داعش» يقول لهم إنْ كنتم تريدون البقاء بمنأى عن تلقي الضربات المتتالية عليكم بالنأي بأنفسكم عن معادلات الحرب التي يستعدّ لها الأتراك وتقولون أنكم تباركونها وتموّلونها وتراهنون أنها ستحفظ لكم دوراً في سورية، فالعبث هنا مكلف وسيكون مكلفاً أكثر كلما مرّ الزمن، وفي المقابل على حكام الرياض مغادرة الوسط إنْ أرادوا الوقوف على أرض صلبة، فالشراكة في إنهاء «داعش» ومخاطرها لا تمرّ من رهانات وأوهام حاكم أنقرة، والعداء المفتوح مع سورية، على رغم لقاءات الاحتياط والباب الخلفي التي يجرونها بخفر مع المسؤولين السوريين، لأنّ الطريق هو تسريع التفاهمات مع سورية وتسريع التفاهمات مع إيران لإنهاء الوضع المتفجّر في اليمن، فالوقت ليس مفتوحاً للمتباطئين، وإلا فالرضوخ لـ«داعش» وإملاءات العمليات الدموية التي ستتزايد وتكثر والوقت لا يرحم، وللرضوخ طريق علني لم يعد «داعش» يرضاه سراً بالتمويل الخفي والتسليح بالواسطة، وباتت السعودية أمام خياري الأبيض والأسود، والخيار التركي الرمادي هو أقرب وصفة للضعف والخسارة المتمادية.
عندما تختار السعودية أن تكون جزءاً من التسويات والحلول، فهي تملك ما يتيح لها تسريع خيار الحرب على الإرهاب وتمكين هذه الحرب من وضع دفاعات متينة تحميها من التداعيات، والشراكة مع سورية والعراق وإيران في صناعة التسويات تكفي كقرار لبناء جبهة نادت بها روسيا مراراً وتستضيف الملك السعودي في الخريف أملاً بتزخيمها وهي تحفظ فيها للسعودية دوراً مركزياً.
تركيا تبدو قد خسرت رهان الحفاظ على الدور، حيث تغرّد خارج الخيار الذي تدعو إليه موسكو، وتستطيب أوهام اقتطاع مناطق نفوذ داخل الجغرافيا السورية بالنار أملاً بمقايضتها في السياسية، والبرود التركي الروسي واضح جداً حيث جاء بيان النفي الذي صدر عن الكرملين، «لما تناقلته بعض وسائل الإعلام حول استدعاء الرئيس بوتين للسفير التركي في موسكو أوميت يارديم لمناقشة سياسة أنقرة تجاه تنظيم «داعش» الإرهابي» تأكيداً للفتور بين موسكو وأنقرة، لخلوّ النفي من أي إشارة كما تدرج العادة في حالات مماثلة، للعلاقات المتينة والثابتة بالرئيس التركي أو من الإشادة بميزاته وحكمته وسياسته وصداقته بالرئيس الروسي، أو حتى اعتبار أنّ ما نشر لن يغيّر في علاقة التعاون والصداقة بين العاصمتين والرئيسين، وما نشر أكثر بكثير من مجرد مناقشة لسياسة أنقرة تجاه تنظيم «داعش» كما ورد في النفي. وفي المادة المنشورة التي أعادت نشرها «البناء» أمس نقلاً عن صحيفة «موسكو تايمز» الروسية ما نسب إلى الرئيس الروسي أوصافاً وتهديدات للرئيس التركي تستحق النفي وحدها وما يطاول السياسة التركية في سورية خصوصاً، وليس تجاه «داعش» فقط، والنفي لم يتحدّث عن أنّ اللقاء لم يتمّ بل أراد التصويب أنّ النقاش كان عن سياسة أنقرة تجاه «داعش» وما تضمّنه اللقاء من تشعّبات وتفرّعات ينتسب لهذا العنوان، كما قرأ كثير من المتابعين في مقارنة بيان نائب الرئيس الأميركي جو بايدن بعد حديثه في جامعة هارفرد عن الدور التركي في دعم الإرهاب بالكلام المنسوب لبوتين والفوارق البائنة بين طريقتي التوضيح.
الطريق السياسي والديبلوماسي يبدو مستعجلاً هو الآخر كما الأحداث العسكرية، والحدث الأبرز كان الزيارة التاريخية لوزير الخارجية السوري وليد المعلم إلى العاصمة العُمانية مسقط تلبية لدعوة رسمية والإعلان المشترك الصادر مع وزير خارجية عُمان يوسف بن علوي عن العلاقات المشتركة والتنسيق المستمرّ والأهمّ هو «أنّ وقت الحلول السياسية في سورية قد حان»، وهذا الكلام لمسقط ووزير خارجيتها ليس مجرد إضافة إنشائية لبيان الزيارة، ولا التوقيت هو شأن شكلي، فمسقط العضو في مجلس التعاون الخليجي تحسب خطواتها بدقة وهي الواقفة في منطقة وسط بين إيران والسعودية وواشنطن، وفي قلب هذا المثلث نالت من أطرافه ارتضاء بخصوصية تؤهلها لدور الوسيط التفاوضي والعاصمة السياسية للحلول وهو الدور الذي كانت الدوحة قد حجزت مقعده في الماضي.
بين خياري التصعيد العسكري الممتدّ على كلّ الجبهات والحراك السياسي المتسارع بين العواصم يضيع لبنان عن اكتشاف اتجاه للبوصلة ليهتدي بها، وينتقل في قفزة غير محسوبة مع قرار وزير الدفاع التمديد لقائد الجيش ورئيس الأركان وأمين عام المجلس الأعلى للدفاع، من الفراغ الدستوري الشامل إلى المجهول السياسي. وكانت «البناء» قد نشرت تقريراً عن نتائج زيارة قائد القوات اللبنانية سمير جعجع للسعودية جاء فيه أنّ الهدف المباشر هو تهيئة المناخات لمرحلة إحراج العماد ميشال عون لإخراجه، وصولاً إلى وضع حزب الله أمام الخيارات الصعبة، ضمن منهجية سعودية تهدف إلى استنزاف حزب الله لبنانياً من جهة وإمساك لبنان والفراغ فيه كورقة تفاوضية من جهة أخرى، خصوصاً مع مخاوف الغرب من أن يؤدّي المزيد من الفراغ والمجهول إلى مخاطر أمنية تتصل بنمو وتفلت الجماعات المتطرفة من جهة ومقابلها تصاعد مخاطر التصادم الطائفي والمذهبي من جهة أخرى.
هدوء سياسي في غياب الدولة!
عاش لبنان أمس هدوءاً سياسياً في غياب رئيس الوزراء وثلثي الحكومة ورئيس مجلس النواب نبيه بري على رغم قرار نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الدفاع الوطني سمير مقبل تأجيل تسريح قائد الجيش العماد جان قهوجي، ورئيس الأركان اللواء وليد سلمان والأمين العام للمجلس الأعلى للدفاع اللواء محمد خير، لمدة سنة.
وأخيراً فعلها مقبل الذي وضع الجميع أمام الأمر الواقع، وأصدر قرارات تأجيل التسريح إلى أن تنشر القرارات في الجريدة الرسمية. لكن اللافت هو مواقف بعض السياسيين التي لا تزال تراهن في هذا الملف، وترى «أنه بالإمكان إلغاء قرارات وزير الدفاع واستثمار الوقت من الآن حتى 28 أيلول لإعادة البحث في تعيين قائد جديد للجيش وفقاً لتسوية سياسية يستفيد منها الجميع، في الوقت الذي نجد أنّ آخرين يستبعدون أمرا كهذا، فلو كانت التسوية ممكنة لكانت حصلت ولما كان هذا التجاذب والأخذ والردّ.
العونيون يدرسون سبل التصعيد
وفي ظلّ الحديث عن أنّ الشارع خيار غير مستبعد كأحد الخطوات التصعيدية تنديداً بقرارات وزير الدفاع ومن يؤيده، يجتمع اليوم منسقو المناطق في التيار الوطني الحر، بعدما كان مسؤولو الطلاب قد اجتمعوا مع المنسق العام للتيار بيار رفول أمس لدرس سبل التصعيد. وعلى ضوء هذه الاجتماعات يجتمع تكتل التغيير والإصلاح غداً السبت بصيغة عاجلة لاتخاذ القرار الصائب حول شكل التحرك الذي سيحصل.
وأكدت مصادر التيار الوطني الحر لـ«البناء» «أنّ ما حصل سيدفع بنا إلى الانفصال عن الدولة، وليس الانفصال عن الوطن، فالدولة سقطت، ونحن لن نكون شهوداً على سقوطها»، مشيرة إلى «أن خطوة مقبل تعتبر تعدياً على الشراكة الوطنية».
حزب الله يجمع بين دعم التيار وعدم المسّ بالاستقرار
ولفتت مصادر مطلعة لـ«البناء» إلى «أنّ حزب الله حدّد موقفه في شكل يجمع بين دعم التيار الوطني في كلّ خياراته السياسية، ورفض أيّ مسّ بالاستقرار والأمن، لما لذلك من انعكاس على مصلحته الاستراتيجية العليا، وعدم اتخاذ موقف يعتبر عدوانياً أو انتقامياً من قيادة الجيش، وعلى ضوء ذلك لن يكون هو صاحب المبادرة للردّ على الوزير مقبل، إنما سينتظر موقف التيار الوطني الحر ليبني على الشيء مقتضاه. وأشارت المصادر إلى «أن تحرك التيار الشهر الفائت لم يكن يحتاج إلى مؤازرة من جانب حزب الله» الذي ينتظر حالياً ما سيصدر عن الرابية يوم غد ليحدد موقفه، فهو بحاجة أيضاً إلى تشاور مع الحلفاء في هذا الشأن بمن فيهم العماد عون».
وفي سياق متصل، اعتبرت كتلة الوفاء للمقاومة في بيان عقب اجتماعها الأسبوعي «أن الظروف الاستثنائية تسمح للحكومة باتخاذ القرارات اللازمة لتسيير شؤون البلاد، داعية تيار المستقبل إلى فتح المجال أمام الحلول، والأبواب أمام المسائل الخلافية المطروحة عوضاً عن المضيّ في سياسة التعطيل.
وأشارت أوساط سياسية لـ«البناء» إلى «أنّ مبادرة المدير العام للأمن العام اللواء عباس إبراهيم كانت قطعت شوطاً كبيراً ونالت موافقة الجنرال عون والرئيس نبيه بري، لكنها اصطدمت برفض تيار المستقبل لها الأمر الذي يفسّر اندفاع مقبل لتوقيع المراسيم الثلاثة».
وفي موازاة ذلك، شكل الوضعان الحكومي والنيابي، محور لقاء رئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع في معراب مع النائب إبراهيم كنعان موفداً من رئيس تكتل التغيير والإصلاح في حضور رئيس جهاز الإعلام والتواصل ملحم رياشي. وسبق اللقاء تحذير وزير العدل اللواء أشرف ريفي من «أنّ استخدام الشارع من أيّ كان سيرتد عليه، فكلّ تجارب التاريخ تثبت ذلك، ولا سيما التجربة الأخيرة التي كانت هزيلة ومردودها سلبي تماماً، وبالأخصّ على الشارع المسيحي صراحة، وفي رأيي أنه حين يتواجه العونيون مع الجيش فهذا خطأ استراتيجي».
فضّ عروض المناقصات الثلاثاء
تجتمع اللجنة الوزارية المولجة البحث في ملف النفايات يوم الثلاثاء المقبل لفض عروض المناقصات في جميع المحافظات.
وأكدت مصادر وزارية لـ«البناء» أن فض العروض سيتم الثلاثاء المقبل، وأن خيار إنشاء المحارق يحتاج إلى سنوات وهذا حلّ نهائي، أما الحلّ المرحلي فهو الترحيل الذي يحظى بتأييد بعض المكونات داخل الحكومة».
وأشارت المصادر إلى «أنّ الدولة تملك الإمكانات المادية لتغطية التكاليف وعدة شركات عرضت لكن لم يُحسم أمر الشركة الفرنسية».
وقال وزير العمل سجعان قزي لـ«البناء» إنّ الاتجاه في الحكومة هو لترحيل النفايات إلى الخارج، وأكد أنّ وزارة المالية خصّصت مبالغ مالية لتغطية هذا الأمر».
وشارك وزير البيئة محمد المشنوق أمس في جلسة لجنة البيئة النيابية. وأكد «أنّ اتصالات حصلت مع عدد من الدول التي أعلنت استعدادها واهتمامها بتصدير النفايات إليها وسيتمّ اختيار شركة منها».
وأكد النائب ميشال موسى لـ«البناء» أنه سيتمّ اليوم تسليم العروض للقسم السادس والأخير، أيّ بيروت وجبل لبنان، حيث لم يأتِ أيّ عارض في هاتين المحافظتين، لينضمّوا إلى العروض المقدّمة في بقية المحافظات، بانتظار أن تجرى المناقصة لجميع المحافظات الثلاثاء المقبل.
وأشار موسى إلى «أنّ الحكومة تفضل خيار التفكك الحراري، لكن لا بدّ من إجراء المناقصات، على رغم أنه يمكن أن لا يتقدّم أيّ عارض لمحافظة بيروت، لتقدّم بعد ذلك كلّ عروض المناقصات إلى مجلس الوزراء».
ولفت إلى «أنّ لجنة البيئة لم تطرح موضوع ترحيل النفايات إلى الخارج غير أنّ شركات من عدة دول عرضت استقبال النفايات وهي شركات ألمانية وفرنسية وتركية، لكن لم يتمّ البحث في التفاصيل داخل الجلسة.
زيارة فتحعلي لجنبلاط تصويب للعلاقة
في موازاة ذلك، یقوم وزیر الخارجیة الإيراني محمد جواد ظریف بزیارة إلی بیروت في 12 آب الجاري للقاء المسؤولین، حیث سیضعهم في أجواء الاتفاق النووي بین إیران ومجموعة 5+1، ضمن جولة إقلیمیة خلال الأیام المقبلة لبحث قضایا المنطقة وعلی رأسها الأزمة السوریة.
وبرزت أمس زيارة السفير الإيراني في بيروت محمد فتحعلي إلى رئيس اللقاء الديمقراطي النائب وليد جنبلاط في دارته بكليمنصو، وعرض معه الاتفاق النووي وآخر التطورات في لبنان والمنطقة. وشدّد فتحعلي خلال اللقاء على ضرورة إيجاد حلّ سياسي للأزمة السورية، شارحاً أبعاد المبادرة الإيرانية رباعية البنود المطروحة لحلّ الأزمة السورية. وأشاد جنبلاط بالديبلوماسية التي انتهجتها الجمهورية الإسلامية الإيرانية خلال المحادثات النووية، ووصف الاتفاق النووي بأنه مكسب لها معتبراً بأنّ «القنبلة النووية لا تنفع بشيء، وأنّ حيازة الدول للعلوم النووية هو الأمر المهمّ، وقد تمكنت إيران من تحقيق هذا الهدف.
وأكدت مصادر مطلعة لـ«البناء» أنّ «الزيارة تأتي ضمن إطار سياسة الانفتاح التي بدأت تنتهجها إيران تجاه المنطقة في مقاربتها لجميع الملفات بعد الاتفاق النووي». ولفتت المصادر إلى «أنّ إيران تعتبر أنّ مرحلة ما بعد الاتفاق والأجواء الايجابية التي أشاعها في المنطقة يجب أن تستغلّ على الصعد السياسية والاقتصادية كافة، وأن يعمل لتذليل جميع الخلافات وتوحيد الجهود تحت عنوان مكافحة الإرهاب». وشدّدت المصادر على «أنّ زيارة السفير فتحعلي لجنبلاط تأتي في هذا الإطار الانفتاحي وهي زيارة ليس لها أيّ أبعاد رئاسية، إنما هي لتصويب العلاقة التي شهدت فتوراً في الأشهر الماضية».
وكان شارك كلّ من بري وسلام ومقبل في حفل افتتاح مشروع قناة السويس الجديدة في مدينة الإسماعيلية المصرية، التي دشّنها الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي مؤكداً في كلمته أنّ مصر ستهزم الإرهاب، كما حضر الافتتاح عدد من رؤساء الدول وكبار المسؤولين.