سورية أساس في معادلة تفاهمات الكبار
معن حمية
ما كان يلوح في الأفق من إشارات حول إمكانية حصول تفاهمات دولية حول قضايا المنطقة وملفاتها وأولوية محاربة الإرهاب، بات في متناول اليد.
اللاعبون الكبار، الدوليون منهم والإقليميون، أعادوا خلط كلّ الأوراق، ويظهر من الحراك السياسي والديبلوماسي، أنّ سورية إلى جانب إيران «النووية» طرف أساسي بين الكبار، وهذا تطوّر بالغ الدلالة على ما ستؤول إليه التفاهمات الدولية.
غير أنّ الإعلان عن اكتمال عقد التفاهمات قد يتأخر بعض الوقت، ربطاً بسعي واشنطن إلى حفظ ماء وجه أدواتها، ممّن غرقوا حتى النخاع في وحول الحروب التي اجتاحت المنطقة. ومن بين هؤلاء تركيا التي اعتمدت سياسة رعناء أوصلتها إلى فقد موقعها بين الكبار على مستوى الإقليم. وأيضاً السعودية التي وضعت كلّ ثقلها المالي والإعلامي والتحريضي ضدّ سورية، ناهيك عن مشيخة قطر ودول أخرى، استثمرت كلها في الإرهاب تحت مسمّى «الربيع العربي».
ولوج التفاهمات يقوم على مبدأ مصالح الدول، كما هي الحال بالاندفاع نحو الحروب. فحين أطلقت القوى الغربية صفارة الفوضى والحروب على الساحات العربية، إنما سعت إلى تحقيق مصالحها الاستراتيجية، لكنها اصطدمت بواقع شعرت حياله بالعجز، وتحديداً واقع الصمود السوري الذي استعصى على عشرات الدول التي سخّرت كلّ إمكاناتها وطاقاتها العسكرية والمالية والإعلامية لدعم ومؤازرة المجموعات الإرهابية بهدف إسقاط الدولة السورية.
فشلت الولايات المتحدة الأميركية وحلفاؤها على مدى السنوات الخمس الأخيرة في خلق واقع يحقق مصالحها عبر الهيمنة ويحقق لـ«إسرائيل» الأمن والسطوة في آن. وهذا الفشل هو أحد الأسباب الرئيسة التي دفعت بالإدارة الأميركية إلى الدخول في تفاهمات دولية وإقليمية، ما يعني وقف العمل بمشروع «الشرق الأوسط الجديد» بنسخته الحربية التي أعلنت عنها الوزيرة الأميركية كونداليزا رايس في العام 2006 على وقع الحرب الصهيونية الإرهابية على لبنان، والإبقاء على المشروع وفق النسخة التي طرحها الصهيوني شيمون بيريز في أواخر ثمانينات القرن المنصرم، ووضعه في كتاب أصدره عام 1993 بعنوان: «الشرق الأوسط الكبير»، ويرتكز على التطبيع الثقافي والاقتصادي.
سير الولايات المتحدة في طريق التفاهمات الدولية، يتوخى مصلحة أميركية، ولا يُغفل إطلاقاً المصلحة «الإسرائيلية» لأنها مصلحة أميركية أيضاً. فخلال السنوات الماضية وفي حمأة الحرب العدوانية على سورية، حصل تطبيع للعلاقات بين العدو الصهيوني وعدد من الدول العربية، تطبيع تجلى بفتح قنوات اتصال مباشر وغير مباشر، ومن نتائج هذا التطبيع دعم «إسرائيل» للمجموعات الإرهابية في مناطق الجنوب السوري وتقديم كلّ العون لها وعلى مختلف الصعد، وهذا شكل قواسم مشتركة بين «إسرائيل» والدول المشتركة في الحرب على سورية.
لذلك، لا يشعر الرئيس الأميركي باراك أوباما بالحرج من «الاشتباك» مع رئيس حكومة الكيان الصهيوني بنيامين نتنياهو، على خلفية موقف الأخير من توقيع واشنطن الاتفاق النووي مع إيران. ويستطيع أوباما أن يقول لـ«اللوبيات اليهودية» إنّ واشنطن وضعت كلّ ثقلها في العام 2006 إلى جانب «إسرائيل» من أجل تحقيق انتصار على المقاومة في لبنان، لكن «إسرائيل» فشلت في القضاء على المقاومة ومُنيت بهزيمة. وإنّ الخيار العدواني ضدّ سورية لم يحقق أهدافه نتيجة الصمود السوري.
ويستطيع القول أيضاً إنّ العقوبات على إيران لم توقف خطواتها النووية بل سرّعت بها، وإنّ الاتفاق النووي يتضمّن التزامات إيرانية، كما أنّ مسارات التطبيع بين «إسرائيل» وعدد من الدول العربية حققت تقدّماً كبيراً وهو تقدّم غير مستتر، وهذا كله يصبّ في مصلحة «إسرائيل»…
لا شك أنّ أوباما يتسلح بهذه التبريرات أمام حليفه «الإسرائيلي»، ولذلك فإنّ «اشتباكه» مع نتنياهو لا يمسّ جوهر العلاقة الاستراتيجية الأميركية ـ الصهيونية. وهذا ما تعكسه صحافة العدو.
في الرؤية الأميركية، السير في تفاهمات دولية حول العديد من الملفات في المنطقة والإقليم ليس فيه تعارض مع المصلحة «الإسرائيلية». وسواء أكانت هذه الرؤية صائبة أم لا، لكنها تؤكد أنّ هناك اتجاهاً أميركياً قد رُسم، وبدأت ترجمته بتوقيع الاتفاق النووي بين إيران ومجموعة 5 + 1.
هذا المنظور الأميركي القائم على نتائج الفشل، في حرب تموز 2006، وفي الحرب على سورية، لا يبدو أنّ حكومة الإخوان في تركيا تقرأه جيداً. فالحديث عن اتفاق أميركي ـ تركي قضى بمقايضة استخدام الطائرات الأميركية لقاعدة «انجرليك» مقابل إطلاق يد تركيا لإقامة منطقة آمنة في الشمال السوري، يكتنفه الغموض وحوله علامات استفهام، إذ كيف يمكن لواشنطن السائرة في طريق التفاهمات والعائدة إلى مربّع مشروع شيمون بيريز لـ «الشرق الأوسط الجديد»، أن توافق تركيا على إقامة منطقة آمنة في سورية، وهو خيار يصعّد من وتيرة الحروب، التي أنتجت فشلاً للسياسات الأميركية!
لا شك أنّ الحكومة التركية تبحث عن تحقيق مكسب لها، لكن هذا المكسب لن يتحقق. فتركيا سقطت من معادلة الكبار على صعيد الإقليم. ويبدو أنّ الكلمة القول الفصل في وضع حدّ للسياسات التركية المتهوّرة تجاه المنطقة هي لروسيا الاتحادية. وإذا صحّ ما نشرته بعض وسائل الإعلام الروسية عن استدعاء الرئيس الروسي للسفير التركي وإسماعه كلاماً قاسياً، فإنّ المكاسب التركية أضغاث أحلام.
حال الدول العربية التي انخرطت في العدوان على سورية، كما حال تركيا الأردوغانية، وخسائرها أقلّ لأنها ستكون بحجم أهدافها الصغيرة. هذه الدول ستبتلع أقراص التفاهمات وإنْ خالف ذلك شهية أحقادها، وستلتزم وقف تخصيب التحريض وربما تقفل «حنفيات» دعم الإرهاب خشية أن يوسّع دائرته ويهدّد مشغليه. خصوصاً أنّ الأجهزة الاستخبارية الغربية تحذر من تهديدات إرهابية قائمة ومحتملة.
قنوات الاتصال التي فتحت بين سورية والعديد من الدول العربية تؤكد أنّ العرب الذين تآمروا على سورية سيأتون إليها بتأشيرة دخول يضعها موظف عادي في الدولة السورية، وربما يُتاح لهذا الموظف العادي أن ينظر بازدراء إلى الذين ربطوا مجيئهم إلى لبنان عن طريق مطار دمشق بتأشيرة داعشية.
هذه هي معادلة التفاهمات الدولية، معادلة تُرسم وتُقّر بين الكبار… وسورية على رغم شراسة الحرب الإرهابية ضدّها، حجزت بصمودها وثباتها موقعاً متقدّماً بين الكبار.