العلاقات العُمانية ـ السعودية: إيران ثمّ سورية
عامر نعيم الياس
عام 1981، أُسّس مجلس التعاون الخليجي وضمّ السعودية والكويت وسلطنة عُمان والإمارات العربية المتحدة والبحرين وقطر، في لحظةٍ كان الهدف الأساس منها احتواء تداعيات الحرب العراقية ـ الإيرانية 1980-1988 على السلالات الحاكمة في الخليج، وبحكم النفوذ السعودي سياسياً واقتصادياً والثقل الديمغرافي إلى جانب المساحة الجغرافية الواسعة، كان مقرّ مجلس التعاون في الرياض، وكانت قيادته على الدوام سعودية. وفي سياق فهم طبيعة العلاقات بين دول المجلس، لا بدّ من دراسة علاقة كل دولة من دول المجلس بالسعودية. وفي هذا الإطار تبرز العلاقة الأكثر استقلالية والتباساً بين سلطنة عُمان تحت حكم السلطان قابوس بن سعيد منذ عام 1970، ومملكة آل سعود، لتؤسّس لأكثر العلاقات ندّية بين الدول المؤلفة للمجلس. فالسلطنة التي تدين بالمذهب «الأباضي» في غالبيتها، وهو مذهب خارجٌ عن المذهبين السنّي والشيعي، تعتمد سياسة توصف بالحيادية ليست كذلك بالمعنى الحرفي للكلمة. فالمملكة السعودية دعمت في منتصف ستينات القرن الماضي وأوائل السبعينات «الجبهة الشعبية لتحرير عُمان» التي اتخذت من مدينة ظفار العُمانية مسرحاً لعملياتها. وثارت آنذاك على والد السلطان قابوس. ومنذ وصول قابوس إلى الحكم منذ أربعة عقود، اعتمدت السلطنة سياسة مستقلّة ومتعدّدة الأقطاب مفترقةً بذلك عن باقي دول مجلس التعاون. ولعلّ علاقتها مع إيران هي الأساس في تفسير الدور الذي ارتضته السلطنة لنفسها. فالقرب والبعد عن السياسة السعودية والخليجية عموماً تجاه إيران، هو الذي يحدّد مستوى الاستقلالية عن القرار السعودي، فمنذ الحرب العراقية ـ الإيرانية اعتمدت مسقط الحياد في الحرب واستضافت في نهايتها مفاوضات سرّية بين الدولتين العراقية والإيرانية آنذاك، كما واجهت جارتها السعودية نهاية عام 2013 وعارضت مشروعها لتوحيد دول مجلس التعاون الخليجي، واصفةً المشروع بأنه محاولة «للهيمنة السعودية على الخليج».
وفي ذروة عداء السعودية لإيران ومنظومة المقاومة، ومحاولة الرياض تخريب المفاوضات الأميركية ـ الإيرانية، استضافت مسقط خلال عامَي 2013 و2014 جولات من المفاوضات والوساطات السرّية بين واشنطن وطهران، ضاربةً عرض الحائط الفيتو السعودي على أيّ اتصال مع الدولة الإيرانية. ومن البديهي أن السياسة المستقلة والبنّاءة في العلاقات بين طهران ومسقط ستنعكس على حلفاء إيران في المنطقة. هنا يبرز الرفض العُماني للتدخل العسكري المباشر في اليمن تحت ستارة قوات «درع الخليج»، ويبرز الموقف الحيادي من سورية على قاعدة الالتزام بالسياسة الخليجية العامة بالملف السوري، من دون قطع العلاقات نهائياً مع دمشق. وكما جرى في ذروة التفاوض الأميركي ـ الإيراني، التقطت عُمان الفرصة الجديدة المتاحة ودعت وزير الخارجية السوري وليد المعلّم لزيارتها رسمياً في خطوةٍ تشكل كسراً للمقاطعة الخليجية العربية على الدولة السورية، التي لم يلتقِ أيٌّ من مسؤوليها مسؤولاً عربياً منذ أربع سنوات. الأمر الذي يشير إلى أن المناخ العام الذي بات في المنطقة بعد الاتفاق النووي الإيراني، مناخ تسويات ومبادرات من الممكن أن تؤسّس لحلّ الملفات العالقة بين الدول الكبرى والمحاور الإقليمية المتواجهة.
تملك كل دولة في مجلس التعاون نظاماً مختلفاً للحكم عن غيره على رغم الطابع المميز لحكم العائلات الحاكمة في كافة الدول. وبالتالي، تملك مقاربتها السياسية المختلفة في محيطها الجيوسياسي. فهل تشجّع الخطوة العُمانية باقي دول مجلس التعاون لتأمين أرضية للتراجع السعودي؟
كاتب ومترجم سوري