بَلادة العربان… ورحلة أردوغان إلى الجحيم!
نصار إبراهيم
الخبر: نشرت «موسكو تايمز» تقريراً مفصلاً عن استدعاء خرق بموجبه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الأعراف الديبلوماسية طاول السفير التركي لدى روسيا أوميت يارديم ليلقي على مسامعه وفقاً لوصف الصحيفة الروسية الناطقة بالإنكليزية والمقرّبة من الكرملين، خطبة لاذعة طويلة انتقد فيها السياسة الخارجية التركية، وما وصفه بسياساتها الحاقدة، محذراً من أنّ الرهانات التي يقيمها الرئيس التركي رجب أردوغان على جماعات «القاعدة» وعلى الأطماع في سورية لن تبقى من دون ردّ، وبعدما طلب إلى السفير تحذير رئيسه الذي وصفه بالديكتاتور من مواصلة نشر الأكاذيب المنسوبة إلى محادثاتهما، من أنّ موسكو كما يعرف أردوغان تدعم الرئيس السوري وجيشه، وإذا تمادت تركيا في العبث في سورية فسيكتشف هتلر تركيا كما نقلت الصحيفة الروسية وصف بوتين لأردوغان أنّ سورية ستكون ستالينغراد التي يخسر جيشه فيها ويخرج منها مدمّراً مفككاً، وتحدّثت الصحيفة عن جدال عنيف دار بين بوتين ويارديم أنهاه بوتين بالقول: قل للديكتاتور إنّ تطلّعه إلى العبث في سورية سيجعلني أرسله إلى الجحيم . المصدر: «البناء» 6 آب 2015 .
بعيداً عن ملابسات الخبر أعلاه وتفاصيله المعلن منها والمخفي… فإنّ الأهمّ هو السياق والدلائل التي يؤشر إليها الخبر… بمعنى أنّ المواجهات في المنطقة قد وصلت إلى النقطة التي لم تعد تجدي معها اللغة الديبلوماسية والمجاملات… ومن لا يريد أن يفهم التحوّلات وحدود القوة عليه أن يستعدّ لسماع كلام مباشر ونهائي… وبكلمة لقد وصلت المواجهة والمعادلات إلى خواتيمها ومن سيواصل ركوب رأسه الأخرق كأردوغان والعربان فليستعدّ لدفع الثمن مباشرة هذه المرة.
«العربان» المستعربة… يتباكون على العروبة… ويرون في الاتفاق النووي الإيراني تهديداً للأمن القومي العربي… هل هناك مسخرة أكثر من ذلك…!؟ يظنّ هؤلاء العربان المستعربون أنهم بعنترياتهم وحماقاتهم سَيُنسون الناس حقائق التاريخ وبديهيات الواقع وحقائقه الصارمة… ومن تلك البديهيات مثلا لا حصراً: أنّ هؤلاء العربان المستعربين هم ذاتهم من أضاعوا أو ضاعت فلسطين من «تحت شواربهم» منذ أكثر من ستة عقود… وهم ذاتهم من يدمّرون اليمن منذ أكثر من ثلاثة أشهر ويحاصرونه ويبيدون أطفاله… وهم ذاتهم من تآمر وموّل وسلح كلّ قاتل ولصّ بهدف تدمير سورية ودولتها الوطنية وجيشها العروبي الباسل… وهم ذاتهم من دمّر العراق واستقدم الغزو إليه… وهم ذاتهم الذين شربوا «حليب سباع» الناتو فدمّروا ليبيا… وهم ذات العربان الذين لا يرون في سفالات أردوغان تهديداً للأمن القومي العربي… وكأنهم لا يتذكرون أربعة قرون من الاحتلال العثماني والتتريك… مما جعل أمة العرب تتأخر عن عصرها أربعة قرون عثمانية… ومع ذلك فإنّ تركيا التي تقصف شمال العراق وتهدّد سورية لا تشكل تهديداً للأمن القومي العربي… بينما إيران حسب بؤسهم ورعونتهم هي التي تهدّد الأمن القومي العربي!! ولهذا يخلص العربان المستعربون إلى «جوهرة عبقريتهم السياسية» التحالف مع كلّ قوة محلية وعالمية وإقليمية كانت سبباً في ويلات العرب لمواجهة تهديد إيراني مفترض…
العربان المستعربون عنوان التخلف والجهل والنذالة وثقافة الانتقام والغزو البائس بلا مروءة وبلا قيم لا يشكلون تهديداً للأمن القومي العربي… بينما إيران هي التهديد… فهل هناك أكثر استفزازاً ووقاحة من هذا المنطق الأخرق!؟
حسنا لنقل إنّ لإيران طموحات وأحلاماً بمدّ نفوذها مثلها مثل غيرها من الدول القوية… ليكن ذلك… فهل الردّ على المشروع الإيراني هو بتدمير حواضر الأمة العربية وعواصمها وحضارتها ونسيجها الاجتماعي والتحالف مع الكيان الصهيوني المحتلّ الرابض على قلبها… ومعانقة كلّ قوة استعمارية كان لها نصيب في نهب الأمة وإذلالها من بريطانيا العجوز إلى فرنسا الاستعمارية وصولاً إلى الولايات المتحدة الأميركية التي تنتشر قواعدها كبثور الجدري في بلدان العربان المستعربة دون أن يروا في ذلك تهديداً للأمن القومي العربي…!؟
إذن… «خراريف» التخلف هذه لتوضع جانباً… خاصة أنّ معادلات المواجهة قد وصلت إلى لحظة الحسم المباشر… فأردوغان يعلن أنه سيقيم منطقة عازلة في سورية، وكان قد أعلن من قبل بأنه سيصلي في المسجد الأموي العصيّ على «لحيته»… مما حدا بالرئيس بوتين أن يوجه إلى هذا الأحمق رسالة مباشرة بأنه «سيرسله إلى الجحيم هو ودواعشه إذا عبث بسورية، وستتحوّل سورية إلى ستالينغراد كبيرة»! كم كان الأجدى لو جاء هذا الردّ مثلا من عربان النذالة وليس من بوتين… ولكن هيهات!
ومما يزيد من بؤس العربان المستعربة أنهم لم يتعلموا الدرس والرسائل الواضحة التي قالها باراك أوباما الذي وبّخهم أكثر من مرة على فقر خيالهم السياسي والمعرفي في خطابه يوم 5 آب 2015 دفاعاً عن الاتفاق النووي الإيراني: بأنّ مصلحة أميركا فوق كلّ اعتبار… وبأن لا أحد في إيران لا الحكومة ولا المعارضة ولا الشعب مستعدّون لتسليم سيادة إيران القومية…
ألا يفهم العربان المتخلفون معنى هذا الكلام…! طبعاً لا يفهمون… أو يفهمون ولكن ليس في يدهم حيلة ولا يملكون الجرأة على مغادرة بيت الطاعة.
في كلّ الأحوال تتجه المعادلات الآن إلى نهاياتها… وقد توضّحت أبعاد علاقات القوة ومحدوديتها… وكلّ نواح العربان وبؤسهم لن يغيّر من حقائق الميدان التي فرضها تماسك وبسالة الجيش الوطني السوري والمقاومة وتماسك الحلف الإيراني الروسي الصيني الداعم لمواجهة مشاريع الهيمنة الأميركية والأحلام الطورانية الأردوغانية… وصمود الجيش والمقاومة اليمنية وكشف بؤس القوة السعودية وحلفائها… إلى جانب تقدّم الجيش العراقي… أما الولايات المتحدة فهي تعيد ترتيب أولوياتها وأوراقها بما يحافظ على مصالحها الحيوية… وفي سياق ذلك لا بأس باستخدام العربان كمطية حمقاء لحماية تلك المصالح…
فمن يريد الخوض في الشأن السياسي الاستراتيجي ليفعل ولكن ليكن منضبطاً لقواعد المنطق ولبديهيات رياضيات السياسة التي لا تحتمل العقل الثأري للعربان ولا محدودية خيالهم ومخيالهم… فقط هو الحقد والغطرسة البليدة في أعلى مظاهر تشوّهها.