الحكم السعودي وعقلية مكانك راوح!

د. تركي صقر

من المبكر القول إنّ الحراك السياسي الجاري يمكن أن يصل إلى خاتمة سعيدة بإنجاز الحلّ المناسب للأزمة في سورية صحيح أن هناك خطوات متسارعة وملموسة بعد الاتفاق النووي الإيراني تجلت بالتفاهم الروسي ـ الأميركي لأول مرة منذ اندلاع الأزمة الأوكرانية، وصحيح أنّ الجميع بمن فيهم الرؤوس الحامية في السعودية سلموا بأنّ الحلّ العسكري الإرهابي محكوم عليه بالفشل، لكن الصحيح أيضاً أنهم مازالوا يراهنون على سلاح الإرهاب حتى الرمق الأخير لتلغيم الحل وتفخيخ المبادرات وتعطيل الأفكار الإيجابية والقيام بمحاولات تخريبية جديدة.

ما جرى في الدوحة وطهران ومسقط قد يكون مجرد مقدمات وقد توحي بأجواء سياسية لم يسبق توفرها طيلة السنوات الخمس الماضية، وما كان متوقعاً حصولها لولا عاملان اثنان هما: الصمود الأسطوري للشعب السوري وثبات الجيش وإنجازاته ونجاح القيادة الإيرانية في معركة التفاوض حول الملف النووي، وكان للعامل الأول الدور الأساس في العامل الثاني أي تحقيق الاتفاق النووي الإيراني، ولذلك وتزامناً مع توقيع الاتفاق النووي مع إيران، سرت موجة من التفاؤل بانسحاب التفاهم على ملفات المنطقة، ما يؤدي إلى تسويات إقليمية تُخرج سورية من محنتها المستمرة منذ سنوات خمس، ولقد ارتدّت موجة التفاؤل هذه طابعاً أكثر جديّة بعد اللقاءات التي حصلت في الدوحة بين وزيري الخارجية الأميركي جون كيري والروسي سيرغي لافروف.

لقد حذرت سورية طويلاً من ارتداد الإرهاب إلى صدور داعميه، ودأبت روسيا على مواصلة التحذير وعلى لسان كبار المسؤولين في موسكو من انتشار ودعم الجماعات الإرهابية التكفيرية المتطرفة والتي دعمها الغرب وعلى وجه التحديد الولايات المتحدة الأميركية ضد هذه الدولة أو تلك، أو بحجة دعم ثورات الشعوب ضدّ الأنظمة الديكتاتورية بحسب زعمها.

واليوم نرى أنّ الرؤية السورية كانت صحيحة بل وثاقبة وأنّ روسيا كانت على حق مما حذرت منه وهي تعمل على إيقاف انتشار الإرهاب وقطع التمويل عنه، فالجماعات الإرهابية التي دعمها الغرب من أجل أعمال تخريبية في البلدان العربية ارتدت عليها حيث أن هذه التنظيمات نفذت عمليات إرهابية وتفجيرات راح ضحيتها مدنيون أبرياء، والباب لم يغلق أمام الجماعات الإرهابية للقيام بعمليات أخرى فالتهديدات متواصلة على قدم وساق.

إن روسيا ما زالت تحذر من هذه الجماعات وانتشارها، وهي الآن تعمل بجدية كاملة على تشكيل حلف دولي واسع لمحاربة هذه الجماعات، وإلا سوف تنتشر كالسرطان في كل الدول والمناطق وزيارة وزير الخارجية الروسية سيرغي لافروف إلى العاصمة القطرية الدوحة وإجراء لقاءات أبرزها بنظيريه الأميركي والسعودي هي خطوة مهمة في محاولة روسية لإقناع الدول التي تدعم التنظيمات الإرهابية في كل من سورية والعراق الكف عن هذا الدعم، لأن هذه التنظيمات سوف تنتشر في كل المنطقة وستشكل خطراً محدقاً على الأمن فيها، طبعاً حذر الوزير الروسي أيضاً من توجيه أي ضربة أميركية إلى قطعات الجيش السوري الذي تعتبره روسيا أنه اليد الضاربة الأولى في مكافحة «داعش» والتنظيمات الإرهابية الأخرى.

والسؤال المهم المطروح: هل سينجح الرئيس بوتين والدبلوماسية الروسية في فك العقدة السورية ووقف نهر الدم وتشكيل تحالف إقليمي لمحاربة الإرهاب؟ الجواب في ذمة الأشهر المقبلة، وهنا لا بدّ من التنويه إلى أن السعودية ربما توافق أو وافقت مضطرة على خطة الرئيس بوتين بشأن محاربة «داعش» ولكنها ما زالت مترددة حول تشكيل حلف إقليمي يضمّ سورية والسعودية وتركيا والأردن لمحاربة الإرهاب، وهي ستظل رهينة القرار الأميركي بالموافقة، من عدمها.

من الواضح أن هناك عدداً من الأوراق قد تجمعت بيد الجانب الروسي من أهمها التسليم الأميركي بدور موسكو في إنجاز الحلول بعد دورها الناجح في الملف النووي الإيراني وقبله في موضوع السلاح الكيمياوي السوري، وحتى قيل قبل لقاء الدوحة أنّ هناك تفويضاً أميركياً لإنجاز مبادرة بوتين والأوراق الأخرى المهمة غرق السعودية في المستنقع اليمني وحاجتها الماسة لموسكو من أجل إنقاذها، وكذلك وصول حكومة أردوغان إلى أسوأ حالاتها بعد فشلها في الانتخابات البرلمانية الأخيرة وتورطها في حرب مجنونة ضدّ الأكراد وتحت غطاء محاربة «داعش».

ولعل العملية الإرهابية الكبيرة لتنظيم داعش في أبها في قلب السعودية قد أضافت ورقة أخرى تؤكد أهمية المسارعة في تشكيل الجبهة الإقليمية التي اقترحها بوتين لمحاربة الإرهاب، فهل يصحو حكام السعودية قبل أن يطبق عليهم داعش من كلّ الجهات وينفذ وعيده بالاستيلاء على مكة لتكون عاصمة دولة الخلافة الإسلامية؟ إذ ليست عملية أبها عملية عابرة أو معزولة وقد تكون بداية لمسلسل إرهابي موجع وطويل الأمد، وهذا كله يمكن أن يساعد في دفع مبادرة بوتين إلى الأمام، وبالتالي مقاربة الحل في سورية لأن ألف باء الحل الناجح للملف السوري يتم عبر القضاء على العصابات الإرهابية من خلال تولد قناعة كاملة بخطر الإرهاب الداهم على الجميع، ما يقتضي تشكيل جبهة من دول المنطقة وجهد دولي وإقليمي مشترك للقضاء عليه.

في ضوء ما تقدم هل دقت ساعة الحل في سورية، بل هل يمكننا القول إن الحراك السياسي والدبلوماسي الذي تقوده موسكو وطهران وعنوانه إيجاد حل للأزمة في سورية، يمكن أن يتغلب على العراقيل الكبيرة التي يضعها مشغلو العصابات الإرهابية وأصحاب الفكر التكفيري؟ هل ستقبل المملكة السعودية بالاقتراحات الروسية التي ستقدم للجبير في زيارته لموسكو وتقلع عن مناطحة الجدران في سورية ونشر الإرهاب التكفيري الدموي في بلدان المنطقة؟ أم أن عقلية الطغمة الحاكمة في السعودية، ما زالت من العقم والجمود والقصور عن قراءة المتغيّرات ما ينطبق عليها القول مكانك راوح!

tu.saqr gmail.com

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى