سامي خارج 14 آذار في «العهد الكتائبي الجديد»
هتاف دهّام
تترقب القوى السياسية انعكاسات الحراك الإقليمي المحيط بلبنان. ينظر المسيحيون إلى المتغيّرات الإقليمية من وجهات نظر مختلفة. يخشى رئيس تكتل التغيير والإصلاح العماد ميشال عون أن يدفع المسيحيون ثمن التسوية أياً تكن طبيعتها، ولذلك يسعى رئيس التيار الوطني الحر إلى قطع الطريق على هذا الأمر، ويخوض معركة شرسة للحفاظ على حقوق المسيحيين ووجودهم في لبنان، على عكس رئيس حزب «القوات» سمير جعجع المطمئنّ من دون أيّ مبرّر إلى وعود خارجية تتصل بالوجود السعودي في لبنان وحاجة المملكة إلى دور مسيحي تجميلي في هذا النفوذ.
لا يقتنع حزب الكتائب بما يقوم به جنرال الرابية من تحركات احتجاجية يبغي منها المتاجرة بحقوق المسيحيين، والجميع يعرف تجاربه السابقة إلى أين أوصلتهم، وينظر «الكتائب» بغضب إلى سلوك حزب «القوات» خصمه الأول داخل 14 آذار وخارجها والى الدعم السعودي الكبير له. وقد شكلت زيارة رئيس معراب الرياض قلقاً عند الرئيس أمين الجميّل الذي نظر بكثير من الريبة إليها وإلى حفاوة التبجيل والنفخ وكأنه «القائد المسيحي الأول».
تسيطر على الصيفي حالة من الضياع في ظلّ غموض الموقف الدولي والإقليمي على مصير المسيحيين. لا يستطيع رئيس حزب الكتائب سامي الجميّل التكهّن بموقع المسيحيين في التسويات المستقبلية حتى يحدّد موقفاً من هذا المستقبل، على رغم أنه يؤكد دوماً أن «لا أحد يزايد عليه مسيحياً».
يقترب سامي تدريجياً من التموضع الوسطي في التيار الثالث الذي ينادي به الرئيس السابق ميشال سليمان بعيداً من اصطفافي 8 و14 آذار، منطلقاً من أنّ الحظوظ الكبرى اليوم هي للتيارات الوسطية، ومن صعوبة وصول أيّ من الفريقين 8 و14 آذار الى السلطة في ظلّ توازن القوى السائد.
لا يدرك رئيس «الكتائب» مدى إمكانية نجاح هذا التيار في وجه الثنائية المسيحية، وماذا سيدرّ عليه من حصص، لكنه يعلم جيداً أنّ أيّ صراع لن يحصل بينه وبين سليمان الذي لا يمثل أيّ حيثية شعبية، في حين انّ «اليميني» لديه حزبه وقاعدة شعبية.
فشل حزب الكتائب في عهد الرئيس الجميّل أن يحتلّ موقعاً متقدّماً داخل تجمع 14 آذار في ظلّ وجود رئيس حزب القوات المحتضَن سعودياً. ولذلك يرى سامي نفسه خارج 14 آذار في «العهد الكتائبي الجديد»، ويعتقد أنّ ذلك أفضل من بقائه داخله، ولذلك يبقى محافظاً على رغم خطابه «المبدئي» الكتائبي، على مرونة علاقة والده مع رئيس مجلس النواب نبيه بري ورئيس تيار المرده النائب سليمان فرنجية والعماد عون وحزب الله.
لم يكن وجود حزب الكتائب في 14 آذار في السنتين الماضيتين خاضعاً لمعايير ثابتة. كان نمط علاقته بها قائماً على تلاقٍ مصلحي. لا تمثل هذه «القوى الآذارية» للصيفي مشروعاً مشتركاً لكليهما، فحجم الصدمات التي عاشتها بكفيا مع ثورة الأرز طوال هذا الزواج والذي وصل الى ذروته بخروجها من الأمانة العامة وعودتها اليها منذ فترة، لم يصلح فعلياً مساحات الشك والريبة بين سن الفيل من جهة وبين بيت الوسط ومعراب والمستقلين من جهة أخرى، هذا إذا افترضنا انّ 14 آذار مقابل حزب الكتائب هي موحدة وليست في حال انقسام.
يتوجّس حزب الكتائب دائماً في علاقته بـ«القوات»، فهما حليفان وخصمان في الوقت نفسه، ويغرفان من التاريخ نفسه وينظر كلّ منهما إلى الآخر على أنه يريد ابتلاعه.
لا يرقى ما يقوم به سامي بحسب مصادر «الصيفي» لـ«البناء» إلى قيادات كتائبية عتيقة، لا سيما منهم وزير العمل سجعان قزي الذي يرى، بحسب المصادر، «أنّ الخروج من 14 آذار سيكرّر مشهد المسيحيين المستقلين، وأنّ الامر سينعكس خسارة للمقاعد الوزارية في الحكومة التي ستذهب لمصلحة «القوات».
أثار ملف النفايات الذي هو عبارة عن روائح كريهة شهية السياسيين، من بينهم الجميّل الذي سعى إلى استقطاب الشارع المسيحي وتقديم «رؤية علمية» لهذا الملف تدغدغ وجع الناس على رغم وجود ممثلين عن حزبه في مجلس الوزراء.
أتى سامي من خارج نظام المحاصصة، فهو كما يقول مقرّبون منه لـ«البناء» إنه من الجيل الجديد الرافض لذهنية الحريرية في إدارة البلد والرافض لنظام الفساد على رغم أنّ «الكتائب» كان شريكاً في فترة من الحكم في تسويات الفساد. يقدّم سامي نفسه بحسب المقرّبين منه على أنه المنتفض على لعبة المحاصصة، والشخصية التغييرية التي ترفض قواعد اللعبة القائمة وتتجه نحو نسف معادلة تقاسم الجبنة.
وإذا كان جعجع يفترض نفسه أكثر شباباً لوراثة العماد ميشال عون بعد إعلان ورقة النوايا واستقطاب جمهور التيار الوطني الحر كونه الرجل الأقوى مسيحياً بعد الجنرال، فإنّ نظرة جعجع حيال الجنرال، هي نفسها نظرة رئيس الكتائب حيال رئيس القوات، فهو يطمح الى عودة معراب الى بيت الطاعة في «الصيفي»، ويعتبر أنّ بكفيا تملك الحق والأهلية لاستعادة مجد هذا البيت ووحدة «الكتائب» و«القوات» اللذين خرجا من رحم واحد.