بين الولد الصغير والرجل البدين

شهناز صبحي فاكوش

سبعون عاماً والولد الصغير والرجل البدين ما زالت آثارهما لم تمح من حياة الأطفال لأكثر من جيل… هجوم نووي وحيد في تاريخ البشرية، نال منها حتى الثمالة… نال من إنسانيتها، من وجودها، من حرية شعب رفض الاستسلام.

اليابان التي سجل التاريخ لها سفراً من الآلام، جراء غطرسة أميركية بريطانية كندية. ومُنْتَجِ عالم الفيزياء الأميركي روبرت أوبنهايمر في مختبرات نهر تشوك. منتج أودى بحياة 140000 شخص في هيروشيما، و80000 في ناغازاكي…

قبل سبعين عاماً استهدفت القنبلة النووية الأولى التي أسموها الولد الصغير هيروشيما. كان يوم الاثنين في السادس من آب 1945. وبعد ثلاثة أيام في التاسع منه، ضُربت قنبلة الرجل البدين على ناغازاكي… معظم الضحايا فيهما من المدنيين.

الولد الصغير كانت ذات انشطار مصوّب من نظير نادر لليورانيوم. أما الرجل البدين فكانت ذات انشطار داخلي، مصنوعة من البلوتونيوم… وهو عنصر صناعي. القنبلة الذرية يقول جنرال أميركي أمام مجلس الشيوخ أنّ الموت بها موت سعيد .

بدأت آثار هذه الجريمة الكارثة بالموت المباشر، والمتأثرين بالجروح، والحروق، والصدمات والإشعاع، ومفرزاتها للسنين اللاحقة، ما زالت تظهر في سوء التغذية والتسمّم الشعاعي، وسرطان الدم، والسرطانات الصلبة.

كلّ ذلك لأنّ اليابان أرادت الدفاع عن سيادتها… رافضة الانصياع لإعلان مؤتمر بوتسدام… القاضي باستسلام اليابان دون شروط، والذي صدّره هاري ترومان وزعماء التحالف. لكن بعد الكارثة الإنسانية بستة أيام في 15 آب أعلنت اليابان استسلامها.

انتهت الحرب في المحيط الهادئ رسمياً بعد توقيع اليابان على وثيقة الاستسلام في 2/ 9/ من ذات العام 1945. وبذلك انتهى اختبار مشروع مانهاتن… لكن اليابان لم تستسلم حقيقة الأمر في داخلها، وأعادت إعمار ذاتها وبناء قواها الاقتصادية الغالبة.

طال الزمن وظلت العقلية الاستعمارية تنتج مفاعيلها التخريبية حتى عصرنا هذا… ولكن بأشكال تناسب الزمن الحاضر… زرعت الشوكة الصهيونية في الخاصرة العربية، ثم أنتجت مختبراتها تنظيم القاعدة . ثم المنظمات التكفيرية الإقصائية…

أما الحال المماثل لما كان سابقاً فيتجلى بالتنظيمات الإرهابية، التي تضرب سورية والعراق اليوم. فتقوم بالمجازر الجماعية، وتدمّر المرافق العامة والممتلكات، تدمّر الحضارة والتاريخ، بمحتواه الأثري الذي يحكي مجد أمة بتنوّعه.

أما سرقة النفط وتكريره بدائياً، فقد بدأت آثاره الصحية تظهر على الأجنة المولودة المشوّهة. وحصار المدن وتجويعها أودى بحياة بعض الأطفال، بسبب سوء التغذية. حلفاء الأمس أشبه بحلفاء اليوم. مؤامرة ضدّ شعب يحبّ وطنه ويحافظ على سيادته.

أما إنْ كانت القنابل الذرية جعلت اليابان تستسلم قبل سبعين عاماً. فإنّ العراق التي نالت منه قنابل اليوترون، التي استخدمتها أميركا ضدّها أثناء غزوها، والتي توعّدتها بأمطار من الخراب فإنها لم تستسلم. وما زالت تدافع عن سيادتها منذ اثني عشر عاماً.

وها هي سورية اليوم تدفع من دم أبنائها ثمن سيادتها وحرية شعبها، وإنْ تكاثرت عليها القنابل البشرية النتنة، في النهاية آثار دمارهم، وأرواح الأبرياء، ستشهد على همجيتهم، وتثبت أنهم طفيليات وعلق لا تحيا إلا على الدم.

إلا أنّ متغيّراً يتزامن مع همجية العدو ومؤامراته، التي تنفذها أدواته وأعوانه من الخونة والعملاء، أنّ ارتدادات الإرهاب المصنّع في مختبراته، المصدّر لأمتنا بدأ يرتدّ إليها باهتزازات أشدّ من ارتداد الزلازل عند حدوثها.

كما بنت اليابان مجدها بعد الدمار، لتصبح قوة اقتصادية عالمية، ستبني سورية مجدها الجديد بهمّة شبابها المستنير بهدي إرادته، وعشقه للأرض.

التاريخ لا ينسى. كتب يوماً هيروشيما وناغازاكي، ليستذكر على مدى الأجيال همجية ووحشية العدوّ الذئب المفترس، الذي لا يمكن أن يكون في يوم حملاً وديعاً… سيكتب أيضاً عن وحشية القتلة، وملاحم بطولة جيش وأبناء سورية العربية الأبية.

تحية ورحمة لأرواح كلّ من كان ضحيةً وشهيداً في وطنه.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى