طهران… رسائل تحذير وتذكير
فاديا مطر
في غمار الأحداث المتسارعة والعاصفة في منطقة الشرق الأوسط والتي فرضت تغييراً في السياسات الإقليمية لبعض الدول المشاركة في الحرب على سورية من ضمنها تركيا، ومنذ زيارة الرئيس الإيراني حسن روحاني إلى تركيا في 9/6/2014 التي حملت طابعاً دبلوماسياً رسمياً كونها أول زيارة لرئيس إيراني الى تركيا منذ العام 1996، والتي صرح فيها الرئيس روحاني بأن «من الضروري لإيران وتركيا التعاون في كافة المجالات، بخاصة المتعلقة بشمال أفريقيا وفلسطين والشرق الأوسط»، لتبدأ بعدها بوادر تغيير في السياسة التركية بدأت خيوطها تلوح في آفق العلاقة بين البلدين، لكن الخلاف حول سورية هو ما اخفى في غيومه هذه البوادر بعدما حاولت تركيا فرض الأداء المعادي لسورية مجدداً من مناطق عازلة ودخول عسكري غير شرعي داخل الحدود السورية، الأمر الذي جعل الخلاف الإستراتيجي العميق بين طهران وأنقرة يصل ألى مرحلة فرض وقائع تعمل كعامل قوة في التأثير على مجريات الأرض السورية، خصوصاً مع تصاعد التهديدات الإرهابية داخل تركيا والحرب المستعرة على الأكراد وظهور إشارات على سطح الموقف التركي من خشية العزلة، وفرض إجراءات مشددة على عبور بعض الشخصيات السورية المعارضة والتخفيف من كثافة الامدادات التركية للتنظيمات الإرهابية في الشمال السوري مع خسارة حزب العدالة والتنمية لأهم برنامج برلماني في 7 من حزيران الماضي كان يقع في موقع زيادة قوة السيطرة الإقليمية، فهو ما جعل العلاقات الإيرانية ـ التركية في حالة تراجع صحي مع تقدم إيران إلى صدارة لائحة الدول النووية والتدفق الدولي على تعديل العلاقات العربية مع إيران، فهذا التراجع الصحي لم تسعفه زيارة أردوغان إلى إيران في 7 نيسان الماضي، بل سطرت علامات استفهام كبيرة حول أهداف وابعاد الزيارة، إلا أن التوازنات الإقليمية التي تعلقت في جدالها مع ما آلت إليه الأمور في اليمن والعلاقات مع السعودية التي تقود حلف الاعتداء مع تركيا على الأرض السورية، هي ما جعلت التطورات الإقليمية حادة بتأثيرها بعد أعلان مصدر ديبلوماسي في وزارة الخارجية التركية في 11 آب الجاري تأجيل زيارة وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف إلى تركيا من دون تحديد الأسباب، فتركيا التي تقود حرباً قوية على حزب العمال الكردستاني على خلفية مشاركتها التحالف الدولي في حربه على تنظيم «داعش» في 24 تموز الماضي، والقبول التركي بالسماح للتحالف الدولي بقيادة واشنطن باستخدام قواعد جوية تركية في هجماته على تنظيم داعش في سورية والعراق، مع محاولات الاتراك العودة الى منطق إنشاء مناطق حظر جوي وتداخلات جغرافية بمناطق عازلة في الشمال السوري هو ما يمكن أن يكون صاحب التأثير في تأجيل الزيارة الإيرانية إلى أنقرة التي تحرص على ضمان أوراق ضغط إقليمية تمكنها من عدم تجاوز سقف محدد من التنازلات ربما يحصد من رصيدها لدى حسابات الولايات المتحدة الإقليمية، خصوصاً بعد الاتفاق النووي في حزيران الماضي، ومع حصول إيران على دعم دولي لمشروعها الإقليمي المتمثل بالمبادرة الإيرانية تجاه الوضع في سورية على اعتبار أن ذلك يُشكل الآليات الأجدى في حل الازمة السورية التي تسعى إيران إلى تعزيز التوافق الإقليمي الاستراتيجي فيها على حساب الخلافات التكتيكية في ملفات الصراع ما يُحدث أنفراجاً بدأت أول طلائعه بالظهور مع التراجع السعودي ـ الغربي في اتجاه الحفاظ على علاقات مفتوحة في مجالها مع مُوازنها الاقليمي الإيراني، ليظهر جلياً الخلاف بين قطبين كبيرين مثل تركيا وإيران في بيئة جغرافية سمتها التاريخية تقع بين التداخل والتعقيد، فهل عوامل الاشتباك والاضطراب التي يغذيها تناقض المواقف والسياسات هي ما جعلت الرسالة الإيرانية لتركيا تبدو كإشارة إنذار حقيقية حيال امر كان واقعاً؟ أم ان التناقض الواضح بين انقرة وطهران تجاه سخونة ملفات المنطقة بلغ أوجه مع تدخل أذرع تركيا الخفية والظاهرة مجدداً على امتداد الجغرافيا السورية؟ لتبقى قادمات الأحداث هي من يخرج هذه التفاصيل من حقيبة الديبلوماسية الإقليمية والدولية المغلقة على مجهول في اتجاه رؤى جديدة تتناسب مع خريطة إعادة التموضع الأخذة بالتشكل في المنطقة.