ما يُسمّى «ائتلاف الدوحة» بعيون سورية…
جمال العفلق
مَن يشترك في النشرة اليومية لما يُسمى ائتلاف الدوحة المعارض، يكتشف على مدار الأيام أنّ هذا التكوين السياسي يعيش حالة المراهقة السياسية ويتصرّف كما يوحى له ووفق الأجندة التي أُسّس بالأصل عليها، ففي وقت كان هذا الائتلاف يستبعد كلّ المعارضة السورية في الخارج والداخل ويحاول الاستحواذ على الكعكعة الكبرى من خلال إذعانه الكامل لأجهزة الاستخبارات المتعددة التي يتبع لها جل أعضاء هذا الائتلاف، ودائماً ما نجد أن اللهجة والخطاب يختلفان بحسب السيطرة الإقليمية، مرة يكون الخطاب بنكهة قطرية ومرة بنكهة سعودية وأخرى بنكهة تركية، وهي اليوم المسيطرة بحكم انتماء رئيسة لتركيا قلباً وقالباً، والائتلاف هذا لا يملك من أمره شيئاً، ولكنه اليوم يمثل حلقة اتصال بين السوريين ومجموعة التحالف المعادي لسورية حيث ينقل هذا الائتلاف رغبات وتصورات المشغلين ويعلنها باسمه ليُصار إلى سماع الإجابة والبناء عليها في الادّعاء الدولي، والذي تذيعه اليوم أميركا بحجة الخروج من الأزمة السورية ومحاربة الإرهاب.
فبعد رفض الائتلاف التواصل مع أطياف من معارضة الداخل وتهميشه لمعارضة الخارج واعتبار موسكو وطهران هما حليف لدمشق، وبمعنى آخر هما خصمان للائتلاف لا يجب التواصل معهما، يعلن الائتلاف اليوم أنه ذاهب إلى موسكو خلال أيام للبحث في المستجدات وهذه الزيارة على ما يبدو تسبق زيارة مقرّرة لوزير خارجية السعودية، حيث سيبدأ العمل على البيانات المبهمة، ومن ثم الاستدارة وتغيير المواقف لإخراج تحالف العدوان على سورية من دائرة الضوء والتخلص من الجماعات المسلحة وفق أولويات تبدأ بالمتشدّدين وتنتهي بما أطلق عليه اسم معارضة معتدلة، فمن خلال بيان ما يسمى ائتلاف الدوحة تمرّر عبارة لدينا جيش ولا نحتاج لتدريب إنما لدعم فقط، وهذا بحدّ ذاته إقرار بتخلي الدول الداعمة للإرهاب عن الحلّ العسكري، والواضح أن الائتلاف أُبلغ أن موضوع التدريب أصبح من الماضي وفشل أول عملية لمتدرّبين ووقوعهم في الأسر بيد جبهة النصرة لم يكن بالخبر البسيط والنتيجة المرجوة، وعلى صعيد آخر كانت التعليمات للنصرة أن تتخلى عن مواقع لها في ريف حلب وعلى الخط الفاصل مع تركيا لمصلحة جماعات معارضة بالغالب أنها داعش. وذلك في تطور جديد لتقليص أدوار ونفوذ الجماعات التابعة لكلّ من قطر والسعودية أمام جماعات أخرى، ما زالت ورقة بيد تركيا لضمان تغطية محاربتها للأكراد السوريين واليسار التركي.
وما قد يحدث في المستقبل القريب أن هذا الائتلاف سيكتشف أن دوره في الحلّ إنْ لم يكن مستحيلاً فهو صعب جداً، ولهذا سيتمّ عمل تطعيم من خلال استمزاج الآراء الدولية لتشكيل قوة جديدة قد تكون هي من يدّعي تمثيل المعارضة السورية، وهنا تنتقل الكرة للمعارضة السورية الحقيقية بقبول أو رفض هذا النسيج الجديد المتوقع. فخمس سنوات من التدمير والقتل الممنهجين وتصريحات كادت أن تكون على مدار الساعة لجلب التدخل وخلق مناطق عازلة وتضييق الخناق على الشعب السوري ومنع وصول حتى المساعدات الدوائية له، ورسم صورة في عقول الجمهور المتابع أن الحرب هي حرب مذهبية وأخذت صورة الدفاع عن مذهب دون آخر. والسير باتجاه تقسيم الأرض تحت اسم أرض محررة، كل هذا لا يشكل شيئاً من حقيقة تراكم أحداث مخزن في ذاكرة السوريين الذين يعلمون أن تبدل مواقف الدول هو أمر ممكن ومعقول على قاعدة لا عدو دائماً ولاحليف دائماً، وأن فتح السفارات وتبادل البعثات الدبلوماسية هو أمر قريب ويجب أن يحدث عاجلاً أم آجلاً… ولكن وضع ما يسمى الائتلاف المعارض هو أمر مختلف فهم دائماً يكررون أنهم سوريون وهم يدّعون كذباً أنهم ممثلون عن الشعب السوري الذي لم يفوضهم، وبالأحرى لا يعرفهم حتى المعارض السوري في الداخل لا يتتبع أخبارهم ولا يقبل أن يتحدثوا بأسمة. وقد يقول البعض إن المطلوب هو التسامح ونسيان الماضي وفتح صفحة جديدة، وهذا ممكن ولكن كيف للسوريين أن ينسوا كذبة الكيماوي وما الهدف منها ومن نفذها؟ قد يكون القرار الأخير من الأمم المتحدة منصفاً إذا ما نفذ، ولكن بالتأكيد لن تعلن النتائج قبل سنوات وهي محاولة جديدة نعلم جميعاً أن الهدف منها طي الملف الذي لم تتمكن الولايات المتحدة ولا إسرائيل من تجهيزه بالشكل الصحيح لتوريط الجيش السوري، إنما كانت لعبة مكرّرة لن تورط من نفذ العملية واستخدام الغازات السامة فقط، بل ستشمل من أوصل لهم هذه المواد ودربهم على استخدامهما، وهذا عدا عن استخدام اسم الشعب السوري واللاجئين السوريين في التسوّل من دول العالم وسرقة أموال المساعدات والدفع بالسوريين إلى سفن الموت للتخلص منهم، وكل هذا تحت سمع وبصر المجتمع الدولي والدول الداعمة للائتلاف والدول المضيفة له كما تركيا التي حصلت على أموال طائلة أساسها دماء السوريين، وإذا كان الإعلام اليوم يستخدم اسم الائتلاف السوري المعارض فهذا لا يعني شيئاً بالنسبة إلى السوريين لأنهم بعيون السوريين هم مجموعة دواعش ترتدي ربطات العنق.
وستبقى الكلمة الفصل للسلاح الذي يطهر الأراضي السورية من رجس الإرهاب، فدور مقاتلي الجيش ومجاهدي المقاومة هو بالنهاية سيحدد المسار المقبل لأيّ مفاوضات محتملة.