الشرق الأوسط من وجهات نظر متعدّدة الأقطاب: بوتين يعرّي الموقف التركيّ… و«إسرائيل» ماضية في مشروعها الفتنويَّ!
ترجمة وإعداد: ليلى زيدان عبد الخالق
لا تزال الأوضاع في الشرق الأوسط محطّ اهتمام الإعلام على امتداد العالم. فهذه المنطقة المشتعلة من اليمن إلى سورية مروراً ببعض شمال أفريقيا، تشكل مادة دسمة للصحف الأجنبية.
أما في خصوص المواقف الدولية والإقليمية مما يجري في الشرق الأوسط، فتتفاوت تفاوت مصالح الدول والقوى، وتفاوت رؤيتها لعالمٍ جديدٍ، غير ذلك العالم الذي كانت تتحكم به الإمبريالية الأميركية.
روسيا باقية على موقفها الداعم للسلام في الشرق الأوسط، والداعم لمحور سورية ـ إيران ـ المقاومة، إيماناً منها بصوابية هذا المحور في مواجهة العنجهية الأميركية ـ الصهيونية.
ولعل موقف الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الذي تحدّثت عنه الصحف الغربية مؤخراً، شكّل الضربة القاضية لكل من تسوّل له النفس أن يبني أوهاماً وأضغاث أحلام عن أي تحوّل في المواقف الروسية إزاء ما يحصل في الشرق الأوسط.
وبمناسبة الحديث عن الموقف الروسي الذي تحدّثنا عنه أعلاه، فإن تقريرنا التالي يتضمّن مقالاً ورد في وكالة «AWD News»، يشرح بالتفصيل ما قاله بوتين للسفير التركي في موسكو أوميت يارديم، بعدما استدعاه شخصياً، وأبلغه رسالة مفادها: «أخبر رئيسك الديكتاتوري أن يذهب إلى الجحيم مع دواعشه الإرهابيين قبل أن أحوّل سورية إلى ستالينغراد كبيرة، كرمى لعيون أردوغان وحليفه السعودي اللذين لا يقلّان شراسة عن أدولف هتلر نفسه».
كما يتضمّن تقريرنا مقالاً نشره موقع «Moon of Alabama»، ويتحدّث عن التطهير العرقي والتقسيم في الشرق الأوسط. والمقال الثالث مقال عن الحرب في اليمن والأوضاع الإنسانية المتردّية فيه.
تقريرنا نختمه بمقالين عن صحيفتين عبريتين، ويتحدّثان عن الاتفاق النووي الإيراني وتأثيره على الشرق الأوسط من وجهة نظر صهيونية.
ليذهب أردوغان مع «دواعشه» إلى الجحيم
كسر الرئيس الروسي فلاديمير بوتين البروتوكولات الدبلوماسية المتوقعة، واستدعى شخصياً السفير التركي لدى موسكو، السيد أوميت يارديم، وحذّره من أن الاتحاد الروسي قد يقطع على الفور العلاقات الدبلوماسية مع بلاده ما لم يوقف الرئيس التركي رجب طيب أردوغان دعمه المتمردين «الداعشيين» في سورية، إذ تتولى روسيا إدارة معقلها البحريّ الأخير هناك في البحر المتوسط.
وكان الرئيس الروسي قد وجّه كلاماً لاذعاً في خطاب مطوّل للسياسة التركية الخارجية ودورها الحاقد في سورية والعراق واليمن بسبب دعمها تنظيم «القاعدة» الإرهابي، بحسب ما صرّحت به «موسكو تايمز»، والذي أدّى إلى تصاعد وتيرة الحوار مع السفير التركي وتحوّله إلى جدال شرس.
ووفقاً للمعلومات المسرّبة التي حصلت عليها صحيفة «موسكو تايمز»، فإن الاجتماع المطوّل بين الرئيس بوتين والسفير التركي، يؤكد على الاستياء المتبادل الذي سيطر على أجواء اللقاء. إذ تنكّر يارديم لكلّ الاتهامات الروسية، ملقياً اللوم على روسيا لجرّها سورية إلى حرب أهلية مريرة وطويلة. فيجيبه بوتين: «… إذاً، أخبر رئيسك الديكتاتوري أن يذهب إلى الجحيم مع دواعشه الإرهابيين قبل أن أحوّل سورية إلى ستالينغراد كبيرة، كرمى لعيون أردوغان وحليفه السعودي اللذين لا يقلّان شراسة عن أدولف هتلر نفسه». وذلك خلال اجتماع مغلق دام أكثر من ساعتين مع المبعوث التركي.
ويضيف بوتين: «كم أن رئيسك منافق ومخادع عندما يدّعي الدفاع عن الديمقراطية، ثمّ يدين بعنف الانقلاب العسكري في مصر، ولا يتوانى ـ في الوقت عينه ـ عن دعم النشاطات الإرهابية التي تهدف إلى الإطاحة بالرئيس السوري»! ويتابع الرئيس الروسي قائلاً إن بلاده لن تتخلّى دعم الإدارة السورية الشرعية وأنها ستتعاون مع حليفتيها إيران والصين، لإيجاد حلّ سياسي للحرب الطويلة في سورية، والتي آلت بشعبها الذي يتجاوز عدده 23 مليون نسمة، لأن يعيش أسوأ حرب فوضوية عرقية ودينية عرفها التاريخ.
التفاوض على التطهير العرقي والتقسيم الموقّت
لا يبدو أنه من مصلحة الولايات المتحدة إلحاق الهزيمة بـ«داعش» أو إنهاء الصراع سواء في سورية أم في العراق. لا بل على العكس من ذلك، فهي تتبع سياسة، ناجحة إلى حدّ بعيد، وهادفة إلى تقسيم سورية والعراق إلى دويلات مستقلة لاحقاً، ما قد يُعيد أو لا يُعيد ترتيب الكونفدراليات الفضفاضة. وهناك محاولات حالية تميل إلى إضفاء الطابع الرسمي لهذه الحالة.
إن معظم الأشخاص الستين المرتزقة الذين جنّدهم البنتاغون ودرّبهم، أُلقِي القبض عليهم، أو جرحوا أو لقيوا حتفهم. ومنذ أيام قليلة، ألقت «جبهة النصرة» القبض على خمسة آخرين منهم. وتعتقد ماري ويلر أن هذه المسرحية الملفقة حول تلك الشخصيات البلهاء، هي مجرد وهم لإيجاد الأسباب المقنعة التي تمكّن الولايات المتحدة من فرض منطقة حظر للطيران فوق الشمال السوري. إن غزواً غير شرعيّاً لسورية، يستطيع تبرير ضمّ الولايات المتحدة لمزيد من الأراضي والأجواء السورية بطريقة غير شرعية.
وتصف وسائل الإعلام المقاتلين الستين بأنهم «المتمرّدين المدرّبين أميركياً الأوائل». فالمرتزقة السوريون والأجانب والذين زاد تعدادهم على عشرة آلاف مقاتل، قد درّبتهم وكالة الاستخبارات الأميركية وزوّدتهم بالأسلحة والعتاد، وذلك منذ عام 2012 وبتكلفة لا تقلّ عن بليون دولار أميركي سنوياً. من دون أن نأتي على ذكر تمويل عدد كبير من الجهاديين، وتدريبهم وتسليحهم من الأردن، تركيا، السعودية وقطر، ممن لا ينتمون إلى تنظيمي «داعش» و«جبهة النصرة».
وتصرّ وسائل الإعلام على أن العاهرة قد أنجبت للتوّ الطفل السابع على طريقة الحبل بلا دنس.
قد تسعى الولايات المتحدة في الوقت الراهن إلى تنفيذ رغبتها في انشطار كلّ من سورية والعراق. فبعد مرور أربع سنوات من الهجمات الواسعة النطاق من الجهات الخارجية الفاعلة ضدّ الحكومة السورية، لم تعد هذه الأخيرة قادرة على السيطرة على كافة أنحاء البلاد. إنها بحاجة إلى شراء الوقت كي تتعافى مواردها، بانتظار تغيير كبير في سياساتها الدولية. كذلك، فإن فورة دبلوماسية أخذت مكانها مؤخراً، بتنشيط من روسيا، تهدف ـ إلى حدّ بعيد ـ إلى إضفاء الطابع الرسمي على الوضع الحالي.
وكان رئيس الاستخبارات السورية قد زار مؤخراً السعودية، وسيزور رئيس الاستخبارات السعودية سورية نهاية الشهر المقبل. كما التقى وزير الخارجية الروسي لافروف بعض الشخصيات في موسكو وكذلك في الدوحة، وتحدّث إلى السوريين، وحماس، وحليف الولايات المتحدة، وقائد «المعارضة السورية» في الخارج، وحزب الله، وممثلي العلاقات القطرية والسعودية المرتبطة مع «جبهة النصرة» و«داعش»، وأيضاً مع وزير الخارجية الأميركي جون كيري. وسيلتقي وزير الخارجية السوري وليد المعلّم ونائب الخارجية الروسية بوغدانوف قريباً في طهران.
هناك بالتأكيد بعض الأمور التي تحتاج إلى مناقشات عميقة حول القضايا طويلة الأمد والمستمرة، غير أن إحدى هذه النقاط الأكثر إلحاحاً، تتعلق بمصير 40.000 سوري شيعي، في بلدتين محاصرتين شمال إدلب. فهؤلاء يتعرضون للقصف المدفعي اليومي من «جبهة النصرة» وغيرها من الجماعات الجهادية، فضلاً عن أن الوضع الإنساني في كفريا والفوعة مزرٍ للغاية. وفي الوقت الحالي، يدعم الجيش السوري هذه المناطق جوّاً من قبل قواته المحلية، غير أن الهجمات لم تتوقف، كما لا وسيلة للتخفيف من حدّة الضغط الميداني… ويحاصر حزب الله في الوقت عينه المئات من الجهاديين في الزبداني القريبة من الحدود اللبنانية. وخلافاً للعمليات السابقة، فإن حزب الله لن يسمح لأيّ من أعدائه بالفرار من هذا المرجل.
قد تُعقد صفقة معقدة تهدف إلى تبادل المحاصرين الشيعة في الفوعة وكفريا، بالمقاتلين السنّة في الزبداني. ومن شأن هذا الاتفاق أن يؤدي إلى تفاوض على التطهير العرقي. فهناك عدد من الجماعات المشاركة في هذا القتال إلى جانب حزب الله و«جبهة النصرة»، ومن المفترض أن يحصل التبادل تحت إشراف الأمم المتحدة. لكن ما من شيء من هذا القبيل إلى الآن، لأن نقل مثل هذه الأعداد من الناس وسط أراضي العدوّ وخطوط التماس، أمرٌ يصعب تحقيقه.
فهل ستُعقد هذه الصفقة بنجاح، وتكون عملية الإخلاء نموذجاً يُحتذى ويُطبّق في مناطق أخرى؟ وهل ستّتحد بعض المناطق المتجانسة، كلّ منها تحت حكم كياني مسلّح وموحد، مقابل أن تهدأ المعارك في جيوب قتالية أخرى؟
لكن مثل هذه الدولة ستكون بعيدة كلّ البعد عن مواصفات السلام، وسيستمرّ القتال فيها على طول المناطق الحدودية الداخلية مع أيّ جانب يرفض التخلي عن أهدافه المتطرفة، فلا الأكثرية السنيّة العلمانية، ولا تلك الشيعية أو حتى العلوية والدرزية، ترضى بالدويلات المستقلة. يريد هؤلاء أن يكونوا سوريون. فالحكومة السورية تعيد تأكيد نفسها، وقد تحتاج إلى مساعدة المظلّيّين الروس إن لزم الأمر. وقد تستمر الحرب فترة طويلة غير معروفة الأجل.
اليمن… حربٌ قاسية وبلا هدف
إن الوضع الإنساني للشعب اليمني كارثيّ. ويؤكد العاملون في جمعية «أطباء بلا حدود»، الذين عملوا في عدد من مناطق الحروب، أنها أسوأ حرب رأوها في حياتهم.
العائلة الدينية الديكتاتورية الحاكمة في المملكة العربية السعودية، وبمساعدة من حليفتها الولايات المتحدة، تقصف البلاد بلا هوادة ولا رحمة، وتحاصر كافة سبل إمدادات الشعب اليمني هناك. إن الهدف المعلن لهذه الحرب، إعادة تمكين حكم الرئيس هادي المدعوم من الولايات المتحدة والسعودية. لكن ما من أحد في اليمن يريد عودة هادي مجدداً إذ لن يكون بإمكانه حينها الصمود ليوم واحد. فضلاً عن أن الأمم المتحدة تحذّر من خطر حدوث المجاعة، وتتوقع موت المئات من اليمنيين ـ بصمت ـ بسبب النقص في المياه والطعام والدواء.
فشل الحوثيون والقوات المتحالفة مع الرئيس السابق علي عبد الله صالح في الاستيلاء على ميناء عدن الجنوبي. فالقوات الخاصة المتسلّلة من دولة الإمارات العربية المتحدة، هي التي وجّهت الضربات الجويّة السعودية ضدّ مواقع الحوثيين. واستطاعت قوات الإمارات العربية المتحدة والتي تضمّ عدداً من المرتزقة الباكستانيين، اجتياح مطار المدينة والدخول اليها بحراً، بعد تراجع قوات صالح والحوثيين.
أُنزلت السفن المزوّدة بالمركبات الثقيلة، أظهرت البرامج التلفزيونية صوراً حديثة لوصول دبابات القتال الفرنسية «لوكلير»، فضلاً عن مركبات القتال الروسية «BMP-3» وقذائف الهاون القتالية الثقيلة، وعدد من المركبات ذات العجلات المدرّعة والقوات المسلّحة. وتعتبر قوات الغزو هذه، موازيةً لقوات لواء يعدّ بين 4 إلى 5 آلاف جنديّ.
إن عملية منظمة ومخططٌ لها بهذا الشكل، لا تدع مجالاً للشك بأن الولايات المتحدة هي التي تتولى بنفسها مهام الإشراف المباشر عليها.
يدعم هذه القوات الحديثة الوصول بعض القبائل المحلية والجماعات الانفصالية في الجنوب. ويحاول الغازون اليوم، إخراج قوات صالح من قاعدة العند الجوية القريبة من عدن، ودحر الحوثيين ليس فقط في الجنوب، لا بل أيضاً في الشمال قرب العاصمة صنعاء. فالطائرات القليلة التي تحمل مساعدات إنسانية والتي كان يُسمح لها بالهبوط في صنعاء، تُجبر الآن على إيصال مساعداتها فقط إلى عدن. وبهذا، يكون الشمال اليمني قد عُزل وقُطعت عنه كافة الإمدادات.
فهل تتواءم جميع هذه القبائل المختلفة ذات المصالح المحلية مع الأجندة الخارجية المفروضة؟ هل سيسمح اليمنيون المحليون لهذه القوات الغنية بالمرور عبر أراضيهم، هكذا. وبكلّ بساطة؟ أم أنهم سيخرّبون ويقاتلون أيّ قوات أجنبية تحاول الخروج من عدن؟ لم تُعانِ «القاعدة» ـ إلى الآن ـ من القتال الدائر في محافظة حضرموت اليمنية الشرقية، الغنية نسبياً. فاللواء «23» الموجود في هذه المحافظة قد قُصف ـ عن غير قصد ـ من الطائرات السعودية. كما أن «القاعدة» تمكنت من الاستيلاء على مرفأ المكلاّ الشرقي وتستخدمه لتزويد المنطقة، خصوصاً أنه ما من غارة سعودية قد عرقلت توسع هذه الجماعة هناك في الآونة الأخيرة. وهناك إشاعات تقول إن تنظيم «القاعدة» في شبه الجزيرة العربية، سيعلن قريباً محافظة حضرموت إمارة جديدة تخضع لحكمه.
خاضت مصر حرباً في اليمن بين عامي 1962 و 1970 ضدّ القوات اليمنية هناك. وراح ضحية هذه الحرب، أكثر من 25000 جندي مصريّ. ونتوقع أن الاجتياح الحالي لليمن بقيادة الولايات المتحدة، لن ينتهي بعد شهرين أو ثلاثة، بل سيشبه بمساره ونتائجه ما حدث تماماً مع المصريين.
الشرق الأوسط والاتفاق النووي
كتب إيال زيسر في صحيفة «إسرائيل اليوم» العبرية:
قيل في نهاية الاسبوع إن قاسم سليماني، قائد فيلق القدس في الحرس الثوري الإيراني، قد زار قبل أسبوعين موسكو والتقى الرئيس بوتين. ولمن لا يعرف قاسم سليماني نقول إن فيلق القدس الذي يرأسه مسؤول عن كل الاعمال السرّية، ويشمل ذلك الإرهاب الإيراني في أرجاء العالم. الحديث ايضاً عن المساعدة التي تقدمها طهران لحزب الله وحماس ولنظام بشار الأسد والمتمردين الحوثيين في اليمن. المسؤولية الشخصية لسليماني عن الإرهاب الإيراني دفعت المجتمع الدولي إلى أن يفرض عليه عدداً من العقوبات بما فيها منعه من السفر خارج إيران.
في الاسبوع الماضي، وعد وزير الخارجية الأميركي في شهادة قدّمها في مجلس الشيوخ في واشنطن بأن الولايات المتحدة ستحرص على عدم رفع العقوبات عن سليماني، وأنها ستستمر في العمل على كبح خطوات إيران لضعضعة الاستقرار في الشرق الأوسط. لكن من يتابع كيري. إنه يستمر في اتصالاته مع وزير الخارجية الإيراني غير المهم لإيران، محمد ظريف، في وقت تُعقد الصفقات الحقيقية بين سليماني وبوتين في موسكو.
سليماني لم يأت إلى موسكو لمشاهدة المسرح البلشفي. فقد جاء ليناقش مع بوتين «اليوم التالي»، وتقسيم الشرق الأوسط بين إيران وروسيا، والصراع المشترك للدولتين من اجل الحلفاء وضد الاعداء المشتركين ـ من أجل بشار وضدّ «داعش»، وفي السياق تحدثوا عن طرق إبعاد واشنطن من المنطقة. روسيا ستساهم كالعادة بنصيبها وهو تقديم المظلة الدولية لطهران ولبشار الأسد، لا سيما بيع السلاح لإيران والسوريين وحزب الله إذا لزم الامر.
الروس، بخلاف الإيرانيين، لا يعتبرون «إسرائيل» عدواً. لكن كما يقولون في موسكو: عند قطع الاشجار تتطاير الشظايا، و«إسرائيل» هي الشظية المناوبة.
زيارة سليماني في موسكو هي طرف جبل الجليد، وهي تشير إلى الصفقات الخفية التي أصبحت مكشوفة وآخذة في الازدياد في أعقاب الاتفاق النووي مع إيران. أوروبا، كالعادة، معنية بالاموال. فالأوروبيون يتدفقون إلى طهران لعقد صفقات اقتصادية مع آية الله. لكن الامر الذي لا يقل أهمية هو الصفقات السياسية في ما يتعلق بمستقبل المنطقة التي ثمنها الدم لا اليورو أو الدولار.
لا أحد في الشرق الأوسط يهتم بتفاصيل الاتفاق النووي مع إيران، ولا أحد ينظر إلى الأمام وإلى ما سيحدث في منطقتنا بعد 10 أو15 سنة ورؤية ميزان الربح والخسارة لهذا الاتفاق. في منطقتنا المهم هو طريقة النظر إلى الاتفاق ـ هنا والآن ـ والصورة التي تتشكل في وسائل الاعلام. واضح للجميع أن هذا الاتفاق هو إنجاز وانتصار إيرانيان وتراجع أميركي وهزيمة لـ«إسرائيل» وباقي أعداء إيران في المنطقة، الدول العربية المعتدلة وعلى رأسها السعودية.
إذا كانت إيران هي المنتصرة، فإن المطلوب هو الانضمام اليها. وإذا كانت الولايات المتحدة = دعامة ضعيفة فيجب البحث عن دعائم اخرى. فالمصريون، وفي أعقابهم السعوديون، يستخلصون الدروس ويطلبون المساعدة والسلاح من روسيا على أمل أن تكون هذه حليفة أكثر مصداقية من واشنطن.
وتزداد التقارير في وسائل الاعلام عن أن السعودية تبحث عن طريقة من أجل عقد صفقة مع روسيا وإيران يتوقف في إطارها السعوديون عن دعم المتمردين في سورية، وبهذا يبقى الأسد في الحكم.
إن هذا سبباً للقلق. يبدو أن الفوضى تسيطر على الادارة الأميركية مؤخراً، لكن الواضح أن ادارة أوباما لا تهتم بازدياد قوّتَي إيران وروسيا. الادارة الأميركية تخشى من إمكانية عدم مصادقة مجلس الشيوخ على الاتفاق مع إيران، الامر الذي سينزل ضربة أخرى بالصورة الضعيفة للادارة الأميركية.
أمام إيران نووية أحلاف جديدة
كما كتب كوبي ريختر في صحيفة «يديعوت أحرونوت» العبرية:
حُسم الأمر. هناك اتفاق بين الولايات المتحدة وإيران. اتفاق يخيب أمل «إسرائيل»، ليس مثنياً على الفريق الأميركي المفاوض. «إسرائيل» لم تكن هناك بسبب أخطاء رئيس الوزراء نتنياهو، ولكن حذار أن نخطئ في التفكير فنظن انه لو كان تصرف بشكل مختلف لكانت النتيجة مغايرة. إيران ستحقق قدرة عسكرية نووية في أقرب وقت ممكن وما كان هناك سبيل لمنع ذلك ـ دبلوماسياً أو عسكرياً. وعليه، يجب الشروع بالبحث في مستقبلنا في ظل الاعتراف بواقع الاتفاق وبالتحول النووي الإيراني غير البعيد.
يجدر بنا أن نفهم حقيقتين هامتين. الاولى، أن الولايات المتحدة تعمل وستعمل لاعتباراتها هي لا لاعتبارات «إسرائيل». «إسرائيل» هي في المكان الثاني، لا بل يمكن أن تهبط أكثر. هذا هو السبب الذي يجعل حتى سلوكنا الصحيح ما كان ليمنع الاتفاق الذي قرره الرئيس الأميركي بصفته مصلحة أميركية.
ثانياً، إيران لا تتطلع إلى قوة نووية لإخافة «إسرائيل»، إنما لغرض تحقيق هيمنة شيعية في العالم الاسلامي. عداؤها المعلن لـ«إسرائيل» يخدم هذا الهدف لا الهدف بحدّ ذاته.
من هنا ينشأ الاستنتاج التالي: إيران ستختار طريقاً لتثبيت الهيمنة التي لها احتمال في النجاح من دون ان تثير العالم ضدها. فاستخدام السلاح النووي هو المثال الاسوأ على ذلك، وإيران التي سبق أن أثبتت في المفاوضات بأنها متوازنة، لا بدّ ستبتعد عن هذا الطريق. أما استخدام القتال بقوة منخفضة، دعم الإرهاب واعمال حرب العصابات التي تنجح فيها إيران منذ سنوات في لبنان، سورية واليمن، كل ذلك يشكل أيضاً طريقاً ستنجح إيران فيه من دون شجب دولي. ليس لإيران سبب لاستبداله بالعدوان النووي.
من جانب الدول السنّية المعتدلة، مثل السعودية وتركيا، فإن الجواب على التحول النووي الإيراني سيكون التحول النووي المتبادل، لخلق ميزان ردع. وهي ستتطلع إلى الحصول على مظلة أميركية كي تردع العدوان الإيراني. من جهة الولايات المتحدة سيؤدي التحوف النووي الإيراني إلى خلق تحالف مع الدول السنّية، من أجل التوازن مع إيران التي يعرض تحولها النووي الدبلوماسية الأميركية كدبلوماسية فاشلة بأثر رجعي.
«إسرائيل» يمكنها أن تكون جزءاً من هذا التحالف لأن قوتها الكامنة تشكل مساهمة ذات مغزى. وكبديل من شأنها أن تجد نفسها خارج التحالف لأن الولايات المتحدة أو الدول السنّية ستعارض ذلك. وعدم إدراجها ستكون له نتائج حرجة على وجودها: من خارج التحالف، من شأن «إسرائيل» أن تجد نفسها في وضع تكون فيه ممنوعة عن الردّ على العدوان الإيراني، مثلما حصل في حرب الخليج عندما منعت الولايات المتحدة ردّاً «إسرائيلياً» على الصواريخ الإيرانية كي لا تضعضع التحالف الذي أقامته مع البلدان العربية. في مثل هذا الوضع ستضطر «إسرائيل» إلى اقامة ميزان ردع ليس فقط ضد إيران، إنما أيضاً، باحتمالات غير هامشية، ضد السعودية، مصر وتركيا. وليس لـ«إسرائيل» من أجل ذلك المقدرات المناسبة ووجودها سيكون عرضة للخطر.
إخفاقان يمكنهما أن يؤديا بـ«إسرائيل» إلى هذا الوضع الكارثي. الاول شرخ عميق بما يكفي في العلاقات مع الولايات المتحدة، التي لن تسارع إلى إدراج «إسرائيل» في التحالف، أو للاسف لا توازن اعتراضاً، حتى وإن كان خفيفاً، للشركاء العرب. خطاب أوباما الاسبوع الماضي يمكن أن يشهد على تطور قلق في هذا الاتجاه. اما الاخفاق الثاني فهو استمرار الاحتلال، الذي له نواقص عدّة أخرى، فيدفع الشركاء العرب إلى رفض «إسرائيل» على رغم مساهمتها المحتملة في قوة التحالف بسبب المواجهة مع الفلسطينيين، مثلما سبق أن فعلت في 1991.
في هذا السيناريو يبدو ان الولايات المتحدة، خائبة الأمل من الرفض «الإسرائيلي» للسلام، لن تتصدى لذلك.