فيّاض: تواطؤ أحد رجال الدين والمسلحين أسقط القريتين بيد «داعش»
حاوره سعد الله الخليل
بين «دواعش» الداخل و«دواعش» الخارج باتت مدينة القريتين في ريف حمص رهينة بيد التنظيمات الارهابية. سقوط المدينة بين ليلة وضحاها كشف نار الفكر التكفيري المختبئ تحت رماد الحاضنة الشعبية في المدينة من جهة، وفشل المصالحة التي ساهمت بدخول المسلحين واحتجاز المدنيين من جهة أخرى.
ظروف سقوط المدينة والفكر والسلوك الداعشي والمتطرف نناقشها في الحوار المشترك بين صحيفة «البناء» وشبكة «توب نيوز» مع مدير المركز الأكاديمي للأبحاث في الشرق الأوسط الدكتور نبيل فياض.
الأهمية وفشل المصالحة
أشار فياض إلى أن ما تشهده مدينة القريتين محاولة لتخفيف الضغط عما يحصل في تدمر من تقدم للجيش العربي السوري الذي سيدخلها ويسيطر عليها عاجلاً أم أجلاً ولفت فياض لأهمية القريتين وموقعها الاستراتيجي التي تربط ريف دمشق بريف حمص وبالبادية ونظراً لقربها من الحدود الأردنية ومناجم الفوسفات أخذت أهمية استثنائية كنقطة تلاق لقوافل وطرقات ومعابر باتجاه ريف دمشق وريف حمص والأردن.
ويؤكد فياض أن التواجد المسلح في المدينة بدأ منذ بدايات الأزمة وسعى للسير في تسوية لأوضاع المسلحين بدأت بصورة فردية «إذ طلب مني أقارب ضابط منشق من الجيش متواجد في ريف إدلب التواصل لعودته إلى الجيش العربي السوري. تواصلت معه وطلبت منه أن التقي به في نقطة قريبة من الجيش السوري وتم ذلك في قرية «كفر زيتا» وعدنا به إلى محردة ثم الى القريتين».
ويتابع فياض: «طُلب مني السير بمصالحة شاملة في القريتين بعد إعادة الضابط الى صفوف الجيش العربي السوري وتواصلت مع الأب جاك مراد « المخطوف حالياً، بأنني أريد القيام بالمصالحة في الدير من دون الذهاب إلى جهة أمنية وتمت الموافقة، وفي اليوم التالي جمعت الكثير من الأهالي في المركز الثقافي في القريتين وكان معي مسؤول عن مفرزة الأمن العسكري».
ويضيف فياض: «نجحنا بعد أيام بإجراء تسوية وضع 6 أو 7 اشخاص من المسلحين وجئت بهم إلى المدينة ورغم طلب الأمن تسليم اسلحتهم لاحظت تسليم شخصين فقط أسلحتهما والباقي لم يكن لديهم شيء بعد بيعها لشراء الطعام نظراً للحالة التي وصلوا اليها وبعض أهالي المسلحين اشتروا سلاحاً ليسلموا أنفسهم للجهات المختصة . ومع دخول الجيش المدينة رمى أغلب المسلحين سلاحهم وشهد بعض الأقارب بأنهم وجدوا أسلحة بالقرب من حاويات القمامة ومنهم من دفن سلاحه، خوفاً من إمساكه وبيده سلاح».
ويتابع فياض: «طلب بعض الاشخاص بأن نتحدث بأمر المعتقلين لدى الامن بعد المصالحة وحضّرت ملف قدم للأمن العسكري مرفق بملفات مئة مسلح للمصالحة، رفض الضابط النقاش في قضية المعتقلين، وطلبنا منه بحث ملفات من سلم سلاحه وكان الرد بالموافقة على كف البحث عمن سلّم بندقية روسية فقط ورفضت الطلبات الباقية».
ويضيف فياض: «هذا الموقف أفشل تسليم 900 مسلح لسلاحه من القريتين في الميادين وباقي المناطق بالرغم من أن أحد أقاربي والذي كان نافذاً بين المسلحين تعهد بجلب جميع المسلحين، وتسليم أسلحتهم بمجرد ضمان كف البحث عن جميع المسلحين».
فشل الدفاع الذاتي
ويشير فياض إلى اقتراحه على أهالي القريتين تشكيل لجان محلية للدفاع عن المدينة وتم اختيار شبان قادرين على الدفاع عن المدينة ولا خلفيات متطرفة لديهم وقدمت الطلبات مع صور الهويات للجهة المسؤولة متعهدين بالدفاع عن القريتين وخط الغاز، وبعد طول وقت من الانتظار للحصول على الموافقات اتصل بي الأب جاك وقال لي «إنك فقدت صدقيتك في القريتين لأنك لم تساعد بكف البحث و في قضية الشباب المعتقلين وتشكيل لجان الدفاع، عندها فرفعت يدي عن ملف القريتين».
بيئة حاضنة
يؤكد فياض أنه بعد سنة تدخل الشيخ أسعد شباك وهو شيخ نافذ في القريتين ومن أوائل من حرض الناس على التظاهر والمشاكل والعصيان المدني وله دور في تورط شباب القريتين في حمل السلاح، ويتابع: «رفض شباك تواجدي في المصالحة وأعدت إجراء مصالحة شكلية رفعت الحواجز ودخلت المساعدات للمسلحين لداخل القريتين، وأبلغني أحد أقاربي بأن القريتين مليئة «بالدواعش» والمسلحين ويتدخلون بلباس الناس وقصة الشعر فيما يعمل المدرسون على زرع الفكر الوهّابي في عقول التلاميذ».
ولفت فياض إلى «أن البيئة الحاضنة كانت موجودة في القريتين»، وقال: «حاولت مراراً التواصل مع أهالي القريتين لمنعهم إرسال الأطفال إلى الدروس الدينية قبل ضبطها وخصوصاً الدروس «الداعشية « ولم ألق أي استجابة».
ويتابع فياض : «حين خُطف الأب جاك وصل إلي طرف خيط وهو زوج قريبة طلال تعفيس وهو من أمراء داعش بالطبقة كطرف خيط يمكن أن يوصل الى الاب. ردت المفرزة بعدم إمكان التواصل ولفت نظري إلى أن القريتين باتت تحت سيطرة دواعش البلدة وحين حانت لحظة قدوم دواعش الخارج بايعوا التنظيم وأظهروا حقيقتهم».
ويتابع فياض: «الشيخ أسعد لم يخرج من القريتين خوفا من داعش وبحسب ما تتناقله الصور على موقع الفيسبوك يصلي خلف أمير داعش».
ويؤكد فياض «أن القائمين على المصالحة في دمشق عملوا بكل نية طيبة إلاّ أن سقوط القريتين سببه المباشر الأول والأخير برأي فياض بعض «أخطاء الدولة «و تواطؤ حقيقي ومباشر من أسعد شباك والمسلحين، مشيراً إلى «معاناة ونقطة الضعف لدى أهالي القريتين بغياب دور الدولة الثقافي».
ومع بقاء ما يقارب 220 مسيحي من القريتين مجهولي المصير، يحمّل فياض الكنيسة وبطريركية السريان مسؤولية بقائهم وعدم مساعدتهم على الخروج من القرية نظراً لفقرهم المدقع وأضاف:» كان على الكنيسة تأمين سكنهم في فيروزة وزيدل أو حمص وأنا ممن دعوت المسيحيين إلى مغادرة القريتين لوجود داعش ووضوح مصير المدينة».
وانتقد فياض موجات الهجرة التي تنتشر في صفوف السوريين وقال: «لا يمكن أن أترك سورية للوهابيين، سورية أرض زنوبيا والقادة الكبار المهاجرين من المسيحيين لا خطر عليهم بل هم يبحثون عن جنسية وإقامة في الغرب».
انتشار «الداعشية» منذ عقود
يرى فياض أن «الداعشية» منتشرة في سورية منذ أربعين عاما حيث تغلغلت الوهّابية تحت ستار معاهد تعليم القرآن والمساجد التي رفعت شعار معتدل وفي الخفاء عملت بغياب الرقابة وغياب المشروع الثقافي.
ويرى فياض أن المجتمعات قابلة للتغيّر في سلوكها وتقبل العلمانية وضرب مثالاً عن المجتمع التونسي العلماني رغم انتمائه إلى المذهب السني المالكي وقال:» غيّر الرئيس التونسي السابق الحبيب بورقيبة بنية المجتمع التونسي من الجذور واشتغلت المؤسسات على ثقافة المجتمع».
واعتبر فياض أن رجال الدين وقفوا وراء تصوير العلمانية كرديف للإلحاد وقال: «الماركسية ميّالة إلى الإلحاد أما العلمانية لها موقف حيادي من الدين من يرغب بالإيمان فليؤمن. ففي فرنسا تنتشر الجوامع والكنائس والكنس وكذلك في الولايات المتحدة». وطالب الدولة باستيراد «الميتافيزيقيا العلمانية من الدول الأوروبية فالتعددية تعطي تنوعاً وفكراً وأرقى الأفكار اليونانية نظراً لتنوع الآلهة والوحدانية تخلق التطرف».
واختتم فياض بأنه لا خوف على سورية والأزمة أظهرت الوجه الآخر لسورية لشباب مطالب بالدولة السورية المدنية والثقافة المدنية والمجتمع المدني، وضرورة الانتقال إلى الثقافة البديلة التي يجب التركيز عليها تحت مسمّى «الحصن الثقافي».
يبث هذا الحوار كاملاً اليوم الساعة الخامس عصراً ويعاد بثه عند الساعة الحادية عشر ليلاً على قناة «توب نيوز» على التردد 12034.