ذكرى جميلة مع نور الشريف

هنادي عيسى

قبل نحو عشرين سنة، كنت في الجامعة اللبنانية أتابع دراستي في معهد الفنون الجميلة، في التمثيل والإخراج المسرحي. وفي تلك الفترة، وبعد اتتهاء الحرب الأهلية في لبنان، حضر الفنان الراحل نور الشريف إلى بيروت ليصوّر مشاهد فيلمٍ يتناول قصة حياة رسّام الكاريكاتير الفلسطينيّ الشهيد المقاوم ناجي العلي، مع المخرج الراحل عاطف الطيّب. وأثناء التحضيرات للفيلم، التقيت نور الشريف في منطقة الحمرا، حيث كان يصوّر بعض المشاهد في إحدى الشقق.

جلسنا على الشرفة، وكان فريق العمل يحضّر لمشهد معيّن داخل الشقة، وكان يجالسنا عدد من الممثلين اللبنانيين الذين شاركوا في هذا الفيلم. وقد جذبني الشريف بثقافته وسِعة اطّلاعه، وقوميته العربية الظاهرة، التي كان يتحدّث بها. لم أنطق كلمةً واحدة، إنما كنت مصغية لممثل يملك أدواته باحتراف. لكن إنصاتي إليه يبدو أنه لفت انتباهه، فكان يتابع حديثه وينظر إليّ، أنا التي بهرتني ثقافته، وشدّني تواضعه في التعامل مع الناس.

بعد ساعة تقريباً، دخل إلى الصالة وأدّى مشهداً مميّزاً. وفي الليل كنّا على موعد مع تصوير مشاهد داخل حفلة يحضرها ناجي العلي. فارتديت فستان سهرة أسود، ووقفت أمام المخرج عاطف الطيّب ليلقي نظرة علينا قبل أن ندخل إلى الصالة. أذكر أن بطلة الفيلم ليلى جبر امتعضت من كل الصبايا اللواتي ارتدين فساتين سوداء، لأنها كانت ترتدي فستاناً باللون نفسه. لكنّ المخرج حسم الموقف، ودخلنا مع مجموعةٍ من الممثلين الجدد.

كان طريفاً أنني اصطحبت معي آنذاك أخي وخالي وابن عمتي، إذ شاركوا في تمثيل مشاهد صغيرة في الفيلم. وما زلنا كلّما نشاهد فيلم «ناجي العلي» الذي مُنع عرضه في مصر بسبب القضية الوطنية التي أثارها، نتذكر تلك الأيام الجميلة.

نور الشريف قامة كبيرة رحلت بعدما قاومت المرض الخبيث، لكنّه سيظلّ خالداً في أذهان الناس بسبب الأعمال الفنية القيّمة التي قدّمها طوال مسيرته الفنية.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى