ملحم: الدولة القومية الديمقراطية الحديثة تعالج قضايا المجتمع وتنهض بأوضاع الشعب
بمناسبة عيد المقاومة والتحرير، نظّمت منفذية ملبورن في الحزب السوري القومي الاجتماعي ندوة تحت عنوان: «المجتمع المدني. وبناء الدولة الحديثة»، ألقاها عضو المجلس القومي الدكتور إدمون ملحم.
حضر الندوة منفذ عام ملبورن صباح عبد الله وأعضاء هيئة المنفذية، ناموس المندوبية السياسية في أستراليا سايد النكت، وعدد من أعضاء المجلس القومي والمسؤولين. كما حضر مستشار وزارة الخارجية والمغتربين السورية عبد الله الطويل، مسؤول حركة أمل علي الأمين، وفد من التيار الوطني الحر، رئيس بلدية موريلاند السابق طوني الحلو، مسؤول الاتحاد الوطني لطلبة سورية صافي عيوش، مسؤول المركز الإسلامي العلوي راسم الباشا، رئيسة تجمع النهضة النسائي جنى دياب، مسؤول لجنة المصالحة الوطنية رفعت حنا، وفد تجمع الشباب السوري، ممثل إذاعة صوت الجالية السورية عمار إسماعيل. وجمع من المهتمين والقوميين وأبناء الجالية.
قدّم للندوة ناظر الإذاعة والإعلام في منفذية ملبورن أدونيس دياب الذي رحب بالحضور، وتحدث عن 25 أيار عام 2000 الذي يؤرّخ لدحر العدو الصهيوني تحت ضربات المقاومة.
وأشار إلى أن شرارة المقاومة انطلقت يوم أطلق أبطال الحزب السوري القومي الاجتماعي صواريخهم على مستعمرات الجليل، لتستمر مع رصاصات الشهيد القومي البطل خالد علوان التي أرعبت العدو وفرّ مهزوماً من بيروت على وقع صراخه عبر مكبّرات الصوت: «لا تطلقوا النار إننا راحلون».
ملحم
ثم تحدّث ملحم عن الرؤية للإصلاح وبناء الدولة الحديثة، وقال: «إن عيد المقاومة والتحرير، الذي نحتفل به كل سنة، منذ تحرّر جنوب لبنان بمعظمه من الاحتلال الصهيوني وانهزم العدو المتغطرس، هو مناسبة مجيدة تستوجب منا أن نكرّم الشهداء الأبرار الذين بذلوا أنفسهم دفاعاً عن الأرض والحق والحرية والكرامة وجسّدوا أحلامهم بدمائهم الزكية مسجلين أروع ملاحم العز والبطولة والانتصار. وإن أفضل تكريم للشهداء يكون في الحفاظ على إنجازاتهم واستكمال انتصاراتهم بتحرير مجتمعنا من قوى الارهاب والتطرّف، ومن كل أمراضه وأوضاعه الفاسدة، وأن نعمل بناء الدولة الحديثة التي تصون الحرية والكرامة والسيادة والاستقلال».
وحيّا ملحم شهداء المقاومة وقواها الحية والرئيس المقاوم العماد إميل لحود، كما حيّا الرئيس الصامد والمقاوم الدكتور بشار الأسد والرئيس الراحل حافظ الأسد الذين حميا المقاومة ونهجها وأمّنا لها كل الدعم لتحقيق الانتصار.
وقال ملحم في محاضرته: «الجميع من أحزاب وتيارات ورجال سياسة ونواب يتحدثون دائماً عن الإصلاح، ويطالبون في بياناتهم وتصاريحهم اليومية وفي مؤتمراتهم وحملاتهم الانتخابية بقيام الدولة المدنية الحديثة التي تكفل الحرية والعدالة والمساواة.. ولكن هذه الدولة المنشودة لم تبن حتى اليوم، وما زالت حلماً بعيداً يتغنى به الجميع على أمل الإنجاز في المستقبل..
رُبّ سائل إذا كانت نوايا المنادين ببناء الدولة الحديثة صادقة، فلماذا لم تبنَ هذه الدولة حتى اليوم؟ وما هي المعوّقات أمام بنائها؟ وكيف تبنى الدولة العصرية التي تهتم بمصالح الشعب وتؤّمن رفاهيته وسعادته في الحياة؟
برأينا هناك أسباب عدّة لعدم بناء الدولة الحديثة حتى اليوم. وللاختصار سنكتفي بإيجاز أربعة أسباب نرى أنها أساسية ومهمة:
السبب الأول: يرتبط بالتركيبة الطائفية الجامدة للأنظمة، ومن يتربع عليها من طبقة حاكمة مستبدّة تتكون من زعماء تقليديين وطائفيين وإقطاعيين نفعيين متسلطين على الشعب يقهرونه ويستبيحون كرامته ويهضمون حقوقه وينهبون خيراته.. هذه الأنظمة الفاسدة بامتياز تقاوم أيّ محاولة إصلاح أو تغيير.
السبب الثاني: نراه بغياب المؤسسات الصالحة لتجديد حياة الأمة ولإيقاظ الوجدان القومي من نومه فالمؤسسات الاجتماعية والتشكيلات السياسية القائمة في المجتمع، هي مؤسسات الإقطاع والعشائر والعائلات والمذاهب الدينية، وهي بمعظمها مؤسسات خصوصية تقليدية انتفاعية، تدعي الوطنية والتقدمية ولكنها تعمل لمنافعها وغاياتها الخصوصية، وتتضارب في ما بينها لتنتج سياسة العائلات والمذاهب وثقافة الحقد والفتنة والتعصب والانقسامات الطائفية والتصادم الاجتماعي والأنانية العمياء.
وثالث الأسباب يكمن في اهتمام الأفراد بالنجاح الفردي والحياة الفردية وحاجاتها، من دون الاكتراث بالمصلحة العامة وقضية المجتمع وأغراضه والنجاح القومي العام الذي يشكّل ضمانة للنجاح الفردي وينعكس على الأفراد خيراً وعزاً وسعادة.
ورابع الأسباب الرئيسية يكمن في إهمال الإنتاج العلمي والمعرفي والفكري، وعدم السير في مسارات التجديد والإبداع والاعتماد على التفكير العملي الحقيقي، الذي يتناول المجموع ويدفعنا إلى العمل على تحقيق ما نؤمن به ونعتقد بصلاحه والذي يؤدي إلى الإصلاح الشامل في شؤون حياتنا القومية.
وأضاف ملحم: «الإصلاح الذي يعني الصلاح فكراً وعملاً وبناءً هو ضرورة وحاجة ملحة في كل شأن من شؤون حياتنا القومية، ولا يمكن لأيّ عاقل أن يتنكر له. فكيف نخرج من واقعنا المأزوم بالمشاكل السياسية والاقتصادية والاجتماعية، إن لم نبادر إلى إجراء إصلاحات جذرية تؤدي إلى اجتثاث الطائفية وإزالة عوامل التخلف والفوضى والفساد وتهيئ الأسباب الكافية للنهوض القومي ولبناء المجتمع المتمدن الراقي؟
وبدون الإصلاح كيف نواجه حالات البؤس والحرمان والاستغلال والتمزق الاجتماعي والتطرف الديني والموجات السلفية والتكفيرية الهمجية الإرهابية وأحقادها، وما أنتجته في لبنان والشام والعراق من حروب ومآسي وكوارث وفظائع نحسّ بأوجاعها كل يوم؟
وبدون الإصلاح وبناء المجتمع المحصّن وقيام الدولة القادرة كيف نواجه إرهاب الصهيونية وأطماعها في ابتلاع وطننا وطمس هويتنا وكيف نواجه الحرب الكونية على أمتنا وما يخطط لها من تقسيم وإعادة رسم خارطتها الجيوسياسية، وفق تسويات دولية تخدم مصالح الدول الكبرى وأطماعها في السيطرة على مواردنا الطبيعية وفي التحكم في سياساتنا وقراراتنا الداخلية وفي التدخل في كل شأن من شؤون حياتنا الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والتربوية؟
إذاً، المصلحة تقتضي اعادة النظر في الكثير من الأحوال الاجتماعية، والمبادرة إلى إصلاح مجتمعنا وتحصّينه بالوعي القومي الصحيح الذي يؤسس لوحدة المجتمع وبعث فضائله النبيلة وتنمية روح التعاون بين أبنائه، واستنهاض القوة الكامنة في نفوسهم.
وتابع: «إن الإصلاح الحقيقيّ، الجذريّ، يحتاج إلى حركةٍ إصلاحيةٍ تغييريه تأسيسية تقدّم الأسس الواضحة لقيام الأمة من قبر التاريخ ولبناء دولتها الديمقراطية العصرية، التي تهتم بمصالح الشعب وحاجاته وبأهدافه السامية في الحياة. وهذه الحركة الإصلاحية الفعلية جاء بها رجل مصلح لا بل فيلسوف رائد في الإصلاح الاجتماعي والسياسي والاقتصادي والنفسي. هذا الرجل الفيلسوف المبدع الذي انشق على فساد المجموع وتغلب على أهوائه متسلحاً بإيمانه وثقته بنفسه وثقافته الإنسانية الواسعة، ومتفانياً بجهاده وعطاءاته السخية، هذا الرجل الذي كان صاحب نفس كبيرة في حبها وإخلاصها وأحلامها هو زعيم الأمة، الذي أطلق حركة نهوض قومي لا مثيل لها في التاريخ، حركة تغيير أخلاقية هجومية لا تطلب الأوهام ولا تسعى إلى سراب بل تعمل لتطهير المجتمع من الفساد والفوضى والمثالب وتصارع لبناء النفوس في مبادئ اجتماعية مناقبية تؤسس حياة جديدة للأمة، وتسير بها إلى عزها وخيرها».
سعاده الذي رفض حالة الفسيفساء والقطعانية في شعبه يقول في مقال له نشر عام 1938: «إذا كان الشعب يريد تغيير الحال فعلاً فعليه هو أن يسعى لهذا التغيير في نفسه في تقاليده واتجاهاته الفكرية». وفي مقال له بعنوان «آن للشباب أن يدرك» يقول: «إن الذين يريدون الإصلاح الحقيقي يجب عليهم أن يكونوا صادقين في أنفسهم، وأن يتحولوا إلى الإصلاح في ذواتهم أولاً».
وباختصار، نقول إن الدولة القومية الديمقراطية الحديثة هي حتماً: دولة المؤسسات القومية الصالحة التي تعالج قضايا المجتمع وتنهض بأوضاع الشعب من كافة النواحي وتوفّر له رغد العيش وهناء الحياة. وهي دولة التسامح والحق والعدل والقانون والتساوي في الحقوق والواجبات المدنية والسياسية والاجتماعية. وهي دولة المواطنة الصحيحة التي تؤمن بحق التفكير والتعبير والاعتقاد، والتي تحترم الإنسان وحقوقه، وتصون حريته وتنمي مواهبه وتجعل منه إمكانية مبدعة وفاعلة في الحياة. وهي دولة متنورة تؤمن بالعقلنة والعلم والاختصاص والمعرفة الفاضلة، وتستثمر في التربية والفنون والإبداع والإنتاج الصناعي والزراعي والمعارف العلمية وتحقق نهضة الأمة وعز المجتمع بثروة بشرية تتميز بإبداعاتها ومؤهلاتها العلمية وبكفاءاتها العالية وخبراتها المميزة».
وختم: «هذه هي مميزات الدولة القومية الديمقراطية الحديثة.. الدولة السليمة القوية المعبّرة عن إرادة الأمة والساهرة على صون حقوقها وسيادتها على نفسها، والحريصة على تحقيق مصالحها الحيوية التي تعني الخير والبحبوحة والعزّ والتقدّم والازدهار لجميع أبنائها».