الطائف… الإصلاحات الأخرى

حسين ماجد

يواصل الأستاذ حسين ماجد مناقشته التفصيلية للإصلاحات التي أقرّها اتفاق الطائف، وبعد حلقات عدة تناولت رئاسة الجمهورية ورئاسة مجلس الوزراء ومجلس الوزراء، تتابع هذه الحلقة الحديث عن الإصلاحات الأخرى…

أ ـ اللامركزية الإدارية

1 ـ الدولة اللبنانية دولة واحدة موحدة ذات سلطة مركزية قوية.

2 ـ توسيع صلاحيات المحافظين والقائمقامين وتمثيل جميع إدارات الدولة في المناطق الإدارية على أعلى مستوى ممكن تسهيلاً لخدمة المواطنين وتلبية لحاجاتهم محلياً.

3 ـ إعادة النظر في التقسيم الإداري بما يؤمّن الانصهار الوطني وضمن الحفاظ على العيش المشترك ووحدة الأرض والشعب والمؤسسات.

4 ـ اعتماد اللامركزية الإدارية الموسعة على مستوى الوحدات الإدارية الصغرى القضاء وما دون عن طريق انتخاب مجلس لكلّ قضاء يرأسه القائمقام، تأميناً للمشاركة المحلية.

5 ـ اعتماد خطة إنمائية موحدة شاملة للبلاد قادرة على تطوير المناطق اللبنانية وتنميتها اقتصادياً واجتماعياً وتعزيز موارد البلديات والبلديات الموحدة والاتحادات البلدية بالإمكانات المالية اللازمة.

ب ـ المحاكم

ضماناً لخضوع المسؤولين والمواطنين جميعاً لسيادة القانون وتأميناً لتوافق عمل السلطتين التشريعية والتنفيذية مع مسلمات العيش المشترك وحقوق اللبنانيين الأساسية المنصوص عنها في الدستور:

1 ـ يشكل المجلس الأعلى المنصوص عنه في الدستور ومهمته محاكمة الرؤساء والوزراء، ويسنّ قانون خاص بأصول المحاكمات لديه.

2 ـ ينشأ مجلس دستوري لتفسير الدستور ومراقبة دستورية القوانين والبت في النزاعات والطعون الناشئة عن لانتخابات الرئاسية والنيابية.

3 ـ للجهات الآتي ذكرها حق مراجعة المجلس الدستوري في ما يتعلق بتفسير الدستور ومراقبة دستورية القوانين:

أ رئيس الجمهورية

ب رئيس مجلس النواب

ج رئيس مجلس الوزراء

د نسبة معينة من أعضاء مجلس النواب.

وتأميناً لمبدأ الانسجام بين الدين والدولة يحق لرؤساء الطوائف اللبنانية مراجعة المجلس الدستوري في ما يتعلق بـ:

1 ـ الأحوال الشخصية.

2 ـ حرية المعتقد وممارسة الشعائر الدينية.

3 ـ حرية التعليم الديني.

وتدعيماً لاستقلال القضاء: ينتخب عدد معيّن من أعضاء مجلس القضاء الأعلى من قبل الجسم القضائي.

ج ـ قانون الانتخابات النيابية

تجري الانتخابات النيابية وفقاً لقانون انتخاب جديد على أساس المحافظة يراعي القواعد التي تضمن العيش المشترك بين اللبنانيين وتؤمّن صحة التمثيل السياسي لشتى فئات الشعب وأجياله وفعالية ذلك التمثيل، بعد إعادة النظر في التقسيم الإداري في إطار وحدة الأرض والشعب والمؤسسات.

د ـ المجلس الاقتصادي والاجتماعي

ينشأ مجلس اقتصادي اجتماعي تأميناً لمشاركة ممثلي مختلف القطاعات في صياغة السياسة الاقتصادية والاجتماعية للدولة وذلك عن طريق تقديم المشورة والاقتراحات.

هـ ـ التربية والتعليم

1 ـ توفير العلم للجميع وجعله إلزامياً في المرحلة الابتدائية على الأقلّ.

2 ـ التأكيد على حرية التعليم وفقاً للقانون والأنظمة العامة.

3 ـ حماية التعليم الخاص وتعزيز رقابة الدولة على المدارس الخاصة وعلى الكتاب المدرسي.

4 ـ إصلاح التعليم الرسمي والمهني والتقني وتعزيزه وتطويره بما يلبّي ويلائم حاجات البلاد الإنمائية والإعمارية. وإصلاح أوضاع الجامعة اللبنانية وتقديم الدعم لها وبخاصة في كلياتها التطبيقية.

5 ـ إعادة النظر في المناهج وتطويرها بما يعزز الانتماء والانصهار الوطنيين، والانفتاح الروحي والثقافي وتوحيد الكتاب في مادتي التاريخ والتربية الوطنية.

و ـ الإعلام

إعادة تنظيم جميع وسائل الإعلام في ظلّ القانون وفي إطار الحرية المسؤولة بما يخدم التوجهات الوفاقية وإنهاء حالة الحرب.

أكثرية اللبنانيين، ومعظم السياسيين، لم يقرأوا هذه «الإصلاحات الأخرى» ولم يطلعوا على مضمونها، ولم تضمّ إلى دستورهم أسوة بالإصلاحات السياسية، مع العلم أنها إصلاحات تتناول قضايا وطنية أساسية، إدارية، قضائية، إنتخابية، إقتصادية، تربوية، تعليمية وإعلامية، وسوف نتحدث عن كلّ منها وفقاً لتصنيفها تحت العناوين التالية:

أ- اللامركزية الإدارية: لقد تمّ توصيف أهداف اللامركزية الإدارية توصيفاً جيداً، ولم يشر إلى هدف الدولة اللبنانية، وواجباتها. وحقوق المواطنين، وقد استخدمت عبارة «أكدت الوثيقة على ذلك من خلال» بدل القول، تؤكد الدولة اللبنانية، أو القول، يؤكد المجتمعون. وقد تحدثت الفقرات الخمس عن الطرق والأساليب التي تحقق هذه اللامركزية:

1 – وحدة الدولة وسلطتها المركزية القوية، وهذا لا يعني لامركزية إدارية، بل ربما يعني عكس ذلك.

2 – إنّ توسيع الصلاحيات وتسهيل خدمة المواطنين وتلبية حاجاتهم لا يعتبر بحدّ ذاته لامركزية إدارية بل تخفيف

أعباء وتوزيع مهام الإدارة المركزية مع الحفاظ على مركزية التسلسل الإداري للمحافظين والقائمقامين.

3 – للإنصهار الوطني مكونات اقتصادية، اجتماعية، ثقافية، وحياة حرة كريمة، وتربية وطنية، تضمن مجتمعة وحدة

الأرض والشعب والمؤسسات، وإنّ إعادة النظر في التقسيم الإداري لا تحقق اللامركزية الإدارية ولا وحدة الأرض والشعب.

4 – ليس المهمّ انتخاب مجلس لكلّ قضاء، بل ما هي صلاحيات ووظائف هذا المجلس، والمشاركة اللامركزية المحلية لا تستقيم برئاسة القائمقام.

5 – القول باعتماد خطة إنمائية موحدة شاملة للبلاد، فيه الكثير من الإبهام والمغالاة خاصة كونها تهدف إلى تطوير المناطق اللبنانية، دون التطرق للقطاعات الإنتاجية الأساسية. وكان من الأفضل أن يفرد بند خاص للمجالس البلدية واتحاداتها، وقانونها الانتخابي، وصلاحياتها، ومواردها، ومهامها. والإشارة إلى الإعمار وإعادة البناء والتعويض على المتضررين.

مختصر القول انّ هذا النظام تخلى عن المركزية ولم يحقق اللامركزية الإدارية، وسادت الفوضى الطائفية والمذهبية،

وقضى على الدولة اللبنانية بقصم عمودها الفقري الإدارة الرسمية، ولم يعتمد التنمية ولا الإنماء، وسرق أموال البلديات، وفرض الضرائب على الاستهلاك، واستولى على بيروت بمصادرة الأملاك وبأبخس الأثمان.

ب – المحاكم: العنوان غير ملائم، والمضمون لا يتناسب مع العنوان، غيّبت الوثيقة السلطة القضائية واختزلتها بكلمة «المحاكم لتأمين التوافق بين السلطتين التشريعية والتنفيذية»، وتحدثت فقط عن إنشاء مجلسين، مجلس لمحاكمة الرؤساء

والوزراء والآخر لتفسير الدستور ودستورية القوانين والبت في النزاعات والطعون، ولم تشر إلى تعزيز القضاء وتحريره واتخاذ الإجراءات لمحاكمة القتلة والمجرمين واللصوص وسارقي الأموال والملكيات العامة، وحرصت الوثيقة على تأمين «الإنسجام» بين الدين والدولة، بإعطاء رؤساء الطوائف الحق بمراجعة المجلس الدستوري. وكلمة «الإنسجام» غيرمعبّرة عن الواقع، بل هي سيطرة الدين على الدولة، لأنّ السيطرة على الأحوال الشخصية هي سيطرة على المجتمع والتحكم ببنيته، مع العلم أنّ جميع اللبنانيين يتحدثون عن نزاهة بعض القضاة وليس عن السلطة القضائية المغتصبة من السلطتين التشريعية والتنفيذية. وقد كرّس بند «المحاكم» في الدستور.

ج – قانون الانتخابات النيابية: بداية، لا يعرف عن أية انتخابات يتحدث هذا البند، ومتى ستجري، ووفقاً لأي قانون

جديد؟ ومن المستغرب عدم ادراج قانون الانتخابات في أولويات الإصلاحات السياسية، ولم تبادر الحكومات المتعاقبة إلى وضعه، حتى أنها لم تتقيّد بالدائرة الانتخابية المذكورة «المحافظة»، ومن المستغرب أيضاً، القول بتأمين صحة التمثيل السياسي لشتى فئات الشعب وأجياله، لأول مرة دون ذكر للطوائف والمذاهب، وهذا مؤشر إيجابي، لأنّ فئات الشعب تشمل وتعني النساء50 في المئة و العمال بنسبة 60 في المئة وكبار السن 20 في المئة من الناخبين! وتمثيل الأحزاب السياسية والأجيال بتخفيض سن الاقتراع. إنّ صحة التمثيل يؤمّنها قانون انتخابي على أساس النسبية على الصعيد الوطني خارج القيد الطائفي، ولكن ومع الأسف، ينطبق على حكام لبنان القول «الجرة لا تسمع صرخة العطشان».

د – المجلس الاقتصادي الاجتماعي للمشاركة في صياغة السياسات، ولكن عن طريق المشورة والاقتراحات، مما

يعني بناء لطلب الدولة. وقد أنشأوه، وكان مؤهّلاً لوضع الخطة الإنمائية الشاملة، فلم يكلفوه، ولم يستشيروه، واقترح فلم يسمعوه، وقضى نحبه ولم يدفنوه.

هـ – التربية والتعليم: يتحدّث هذا البند عن توفير العلم وحرية وحماية وإصلاح التعليم وإعادة النظر في المناهج التعليمية. وقد بقيت جميعها، كما يُقال، حبراً على ورق، وخاصة إلزامية التعليم وتوحيد كتابي التاريخ والتربية الوطنية، والقول «توفير، إصلاح، دعم»، هو هروب من الالتزام بالواجبات والحقوق والمسؤولية، وتغييب لدور الأجهزة التعليمية المتخصصة وللإدارة الكفوءة، ولتوحيد التعليم، خاصة الجامعي، والسؤال هو، هل يختلف اللبنانيون حول قضية التربية والتعليم لكي تدرج في وثيقة وفاق وطني ولا يأخذون بمضمونها؟ إن قضية التربية والتعليم قضية إنسانية ووطنية فوق الوثائق والاتفاقات وتحتاج إلى مقاربة علمية موضوعية، شاملة خاصة بها.

و – الإعلام: «تنظيم، ظلّ القانون، إطار الحرية المسؤولة، يخدم التوجهات»، جميع هذه العبارات ملتبسة، وحمّالة أوجه. استخدمها واضعوها لاحتكار معظم المؤسسات الإعلامية تملكاً وسيطرة، ونجحوا بتعميم الفوضى والإنقسام وتزوير

الوقائع وقلب الحقائق، وتبرير الفساد وتجاوز الدستور والقوانين. وأصبح الإعلام الركن الأساسي في بنية النظام.

التربية والتعليم، والإعلام، مكونان متنافسان تكاملياً لبناء الذهنيات والسلوكيات، مستمران مع حياة كلّ إنسان. وقد

شكلا بيد الطوائف والاقتصاد السلاح الأول المسيطر على السياسة وأحدثا الخلل في بنيان لبنان، يضاف إليهما آلاف الخطب والمواعظ من رجال مختلف الأديان دون رقابة أو توجيه. لقد استخدم العلم وتكنولوجيا التواصل للتجهيل، والتعصب وإثارة النعرات الطائفية، والمذهبية، وشحن الغرائز الجاهلية، وتبرير الفساد والتعديات وأحياناً الخيانات، فلكلٍّ مدارسه ومربّوه وبرامجه الدينية، ووسيلته الإعلامية وفلاسفتها ومحللوها الدائمون، في بعض مدارسهم «عندما ينقل الثور الأرض من قرن إلى قرن تحدث الهزات والزلازل» وفي تلفزيوناتهم، الدواء بالأعشاب، وبالتنجيم نعرف ونتجنب الإرهاب، وقراءة الطالع والأبراج ترشد إلى الأحباب. أما قانون الإنتخاب فهو العصب الرئيسي لحرية الفرد، وللديموقراطية، والعدالة، وهو المقياس الأساس

للتمثيل الشعبي السليم الصحيح، وهو المدخل الضامن لبناء المجتمع المدني وصولاً الى الدولة العلمانية.

وسوف نتابع في المقالة الأخيرة ما تبقى من نصوص «الطائف» وهي، بسط سيادة الدولة، وتحرير لبنان من الإحتلال «الإسرائيلي»، وأخيراً العلاقات اللبنانية السورية، وإلى اللقاء.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى