تقرير
تطرقت صحيفة «ترود» الروسية إلى أن فرنسا وألمانيا كانتا تدّعيان بأنهما محرّك التكامل الأوروبي، ولكنهما كما تبيّن مؤخراً، ركبتا عربة يقودها رعاة البقر من وراء المحيط.
وجاء في المقال: لم تمضِ على بداية الأزمة الأوكرانية سنتان بعد، ولكن المشهد الأوروبي تغير بشكل ملحوظ. أين اختفت تلك التطلعات الطموحة نحو مستقبل زاهر لأوروبا؟ وأين الخطط والمشاريع الضخمة لتوحيد القارة لتصبح مركزاً مؤثراً في العالم؟ كانت ألمانيا وفرنسا، إلى وقت قصير، تطمحان للقيام بدور المحرّك للتكامل الأوروبي، ولكن هذا أصبح في مهب الريح، لأنهما ركبتا عربة يقودها رعاة البقر من وراء المحيط.
كيف تمكن فرانسوا هولاند من تفريغ ما تبقى من الطموحات الفرنسية والمصالح القومية؟ لماذا سمحت السيدة الماكرة آنجيلا ميركل، بجرّ ألمانيا إلى المواجهة الجيوسياسية مع روسيا، شريكتها الاستراتيجية التي ضمنت النمو الثابت للاقتصاد الألماني والاستقرار في القارة الأوروبية؟
يوضح المعلّق السياسي في «Le Figaro Vox» رينو جيرو، هذا الأمر في مقال تحت عنوان «على فرنسا عدم الاستمرار في تبعيتها للولايات المتحدة»، يشير فيه إلى الفروقات الجدّية في المصالح الوطنية والأوروبية عن مصالح الأخ الكبير في الناتو ويقول: كان يمكن للأزمة الأوكرانية أن تفسح المجال لفرنسا لتؤكد نفسها في دور الوسيط الدولي، كما حاول هولاند في حزيران 2014 في نورماندي إظهار ذلك، ومن بعده ميركل في مينسك. كادت هذه البدايات أن تصبح ذات وزن ملحوظ، لولا رفضهما هولاند وميركل حضور الاحتفالات المكرّسة للذكرى السبعين للانتصار على النازية التي أقيمت في موسكو يوم 9 أيار 2015، يضاف إلى هذا رفض فرنسا تسليم حاملة المروحيات «ميسترال» إلى روسيا.
ويضيف: علاقاتنا مع الولايات المتحدة تبدو منحرفة أكثر فأكثر. لقد صحّح ديغول الوضع في وقته عندما قال: نحن حلفاء لا مرؤوسين. أما اليوم فإن علاقاتنا تعني أننا مرؤوسون. وهذا ما اتضح جليّاً في السكوت على قضية التنصّت الالكتروني من قبل وكالة الأمن القومي الأميركية على مكالمات هولاند. ومع هذا ينتظر الغرب من فرنسا الاستقلالية والمسؤولية في تحليل الأوضاع الدولية.
بالمناسبة، هولاند يدفع ثمن هذه التبعية في الداخل أيضاً، إذ انخفضت شعبيته إلى أدنى مستوى حتى بلغت 13 في المئة، وهذا يعني أن فرص إعادة انتخابه لولاية ثانية عام 2017 ضعيفة جدّاً جدّاً.
يبرز في فرنسا جيل سياسي جديد، يتحدّث باستمرار عن إعادة السيادة الفرنسية وأولوياتها الوطنية. وهنا أفضل مثال للنقاش هو مسألة السفينة «ميسترال» التي بقيت راسية في الميناء الفرنسي «سان نازير».
من جانبها، تتسأل صحيفة «الشعب» الصينية: من الخاسر في مسألة «ميسترال»؟ وتجيب على هذا التساؤل بالقول: فرنسا هي الخاسرة. لأن باريس شوّهت سمعتها بنفسها في المحافل الدولية، وبذلك تتحمل خسائر فادحة.
كما علّقت صحيفة «Boulevard Voltaire» على قرار الهند إلغاء صفقة شراء 126 طائرة فرنسية مقاتلة من طراز «رافال» التي كان هولاند قد وصفها بصفقة القرن، وقالت الصحيفة بهذا الصدد: 18 مليار يورو ذهبت هباءً، وهذا يشبه إلى حدّ كبير كارثة اقتصادية وسياسية، وكل ذلك بسبب السياسة الخارجية الفرنسية وموقف هولاند من الأزمة الأوكرانية. وحتى لو وضعنا جانباً المؤسسات الـ500 التي تشترك في صناعة هذه الطائرات، فإن سياسة هولاند السخيفة المعادية لروسيا سبّبت خسائر كبيرة للمزارعين الفرنسيين تقدّر بمليارات اليوروات. هذه المسائل تدفع فرنسا إلى حفرة، لن تخرج منها خلال عشرات السنين.
بالمناسبة، الضغوط الخارجية على زعماء الاتحاد الأوروبي لم تخِفّ، ومحاولات هولاند وميركل إبقاء الباب مفتوحاً للحوار مع روسيا تعتبر أحياناً من قبل أميركا خيانة للمصالح الغربية. فقد نشرت صحيفة «وول ستريت جورنال» الأميركية مقالاً بقلم جون فينوكور المعروف بمعاداته لروسيا يقول فيه إن الأوروبيين يخرّبون الحملة الصليبية ضد الكرملين، ويهاجم مساعد ميركل لأنه لم يذكر الخطر الروسي عندما حدّد التهديدات التي تواجهها ألمانيا.
كما تعرّض ممثل ألمانيا الدائم لدى الناتو مارتن إيردمان إلى هجوم شديد من قبل هذه الصحيفة الأميركية، لأنه أعلن أنّ الناتو يتّخذ موقفاً أحادي الجانب، ويظهر نشاطاً مفرطاً من دون مبرّر ضدّ روسيا.