«Shweir.Life» بنسخته الثانية…. ولا يزال «الصيف في ضهور الشوير أحلا»

أحمد طيّ

هناك، حيث الشمس تصبح أكثر لطفاً على مَن ترك بيروت والساحل لتوّه، وحيث المساحات المخضوضرة بالصنوبر والسنديان والوزال تُضفي على الروح راحةً من نوعٍ آخر. هناك، حيث يتّكئ على طرف تلٍّ عرزال غزير بالذكريات والمبادئ والقيم، وحيث وُلِد وعاش وترعرع وأبدع الزعيم. إلى هناك تحديداً، وصلنا السبت الماضي لنتنسّم الحقّ والخير والجمال، في بلدة الحق والخير والجمال… ضهور الشوير.

المناسبة كانت متعدّدة الأهداف، وإن كان محورها المشاركة في مهرجان «Shweir.Life» الذي تنظّمه مديرية ضهور الشوير في الحزب السوري القومي الاجتماعي بالتعاون مع بلدية ضهور الشوير ـ عين السنديانة، تحت عنوان «بعدو الصيف أحلا». الأهداف واضحةٌ لمن يعرف ضهور الشوير جيّداً، فلمجرّد أن تصل إليها حتّى تكثر مشاريعك.

المهرجان هو الأساس، وإن كثرت الأحاديث مع رفيق الدرب عن العرزال القديم قدم العقيدة، وعن تمثال الزعيم الذي دشّنته البلدية منذ فترة ليست ببعيدة، وعن الشعراء والأدباء والمؤرّخين والمغتربين. وعن الروح الطيّبة التي يمتاز بها الأهالي، وعن صدرهم الرحب وتشرّبهم العقيدة القومية الاجتماعية، لتجد نفسك أمام تنوّع حقيقيّ لا فسيفسائي. هنا، لا أحاديث عن الطوائف ولا عن الأمور المفرّقة. هذه الأحاديث مكروهة حتّى المنع والخجل.

المهرجان هو الأساس حتّى لو كثرت الأحاديث التي لا تنتهي عن ضهور الشوير. وصلنا لنجد أن التحضيرات لا تزال قائمة، فعرفنا أننا أبكرنا المجيء. عند أحد المداخل المؤدّية إلى الشارع حيث يقام المهرجان، يستقبلك شابان بكلّ ترحاب، لتتلقّفك سناء البونجي وترشدك، ثم تتركك بكلّ حيوية ونشاط لانتقالها إلى مهمة طارئة أخرى.

ما رأيناه أن الجميع يعملون، خليّة نحل قائمة، والهدف واحد وإن تفرّعت غاياته… نجاح المهرجان. ولعلّ المشهد الذي يأسرك هنا، روعة الحزب السوري القومي الاجتماعي إبان الاستحقاقات. فترى يد المسؤول الكبير في رتبته، تتلقف يد القوميّ من دون رتبة، أو يد المواطن المقبل على الدعوة، وحتّى الأشبال والزهرات. بوتقة واحدة تجتهد في العمل، في سبيل الفلاح.

مدير مديرية ضهور الشوير في «القومي» نبيل أبو سمرا لم تتسنّ له الفرصة ليدلي بحديث، إذ كان كتلة نشاط مشتعلة، تراه أمامك يرشد أحدهم لعملٍ ما، ثم يختفي لتجده يتنكب هو بذاته مهمّةً أخرى، فاستحقّ التنويه الدائم كلما رأيناه.

«Shweir.Life»، نُظّم للسنة الثانية على التوالي وكان التنظيم ناجحاً، ومن كان هناك وشاهد بأمّ العين، لآمن حتماً أن نُسَخاً جديدة ستولد في السنوات المقبلة، ليبقى الصيف في ضهور الشوير دائماً وأبداً… أحلا!

نظّمت مديرية ضهور الشوير في الحزب السوري القومي الاجتماعي، مهرجان «Shweir.Life» للسنة الثانية على التوالي، بالتعاون مع بلدية ضهور الشوير ـ عين السنديانة، وذلك يوم السبت الماضي على طول شارع الاستشهادية سناء محيدلي.

المهرجان الذي امتد منذ قبل الظهر حتى منتصف الليل، افتُتح رسمياً بحضور رئيس الحزب السوري القومي الاجتماعي النائب أسعد حردان ممثّلاً بالمندوب السياسي للحزب في جبل لبنان الشمالي نجيب خنيصر، الوزير السابق بشارة مرهج، النائب السابق جميل شمّاس، عميد شؤون البيئة في «القومي» ميسون قربان، منفذ عام المتن الشمالي في «القومي» سمعان الخراط، رئيس بلدية ضهور الشوير ـ عين السنديانة حبيب جوكا مجاعص، ورئيس البلدية الأسبق نعيم صوايا، رئيسة جمعية «نور للرعاية الصحية والاجتماعية» مارلين حردان، ومدير مديرية الشوير في «القومي» نبيل أبو سمرا. كما حضر عدد من الوجوه الإعلامية والفنية والاجتماعية وأعضاء المجلس البلدي وتجار البلدة والمغتربين.

بعض قصّ شريط الافتتاح، كانت جولة في أرجاء المكان حيث المهرجان الذي خلا من الخطابات، كون المنظّمين فضّلوا ألّا يتحوّل هذا الحدث إلى مهرجانٍ خطابيّ تحتل السياسة كلماته، تاركين الحضور من أطفال وشباب وكبار المجال الكافي لأن يستمتعوا، ومكرّسين بذلك ـ أي المنظّمين ـ عنوان المهرجان «بعدو الصيف أحلا».

وكانت للمنظّمين التفاتتهم اللطيفة إزاء الضيوف الذين قصّوا شريط الافتتاح، إذ استقبلتهم فرقة من مدرسةٍ تعنى بإحياء التراث اللبناني الأصيل، وتعنى أيضاً بتعليم الأطفال الموسيقى لا سيما الكشفية. فرافقتهم تلك الفرقة عازفةً ألحاناً توحي بحفاوة الاستقبال.

ومع وصول المشاركين بالجولة إلى المسرح الكبير، حتّى طُيّرت بالونات ملوّنة بالأبيض والأحمر والأسود ألوان علم الزوبعة في الفضاء، وكان الساحر «ميكي» يؤدّي وصلاته الرائعة والمدهشة، فشارك الضيوف الحضور بمشاهدة العرض، الذي ما إن انتهى، حتّى اعتلى المسرح صبيّان يافعان، وائل وحبيب، وراحا يؤدّيان رقصة السيف والترس، وسط تصفيق الحضور نظراً إلى الأداء الرائع الذي تميّزا به.

كما شهد المهرجان مرور عروسين قربه، فأضفى ذلك المرور رونقاً على المهرجان، ورسّخ أكثر الصبغة الاجتماعية الجامعة التي تطغى على أهداف هذا المهرجان.

«البناء» واكبت فعاليات مهرجان «Shweir.Life»، والتقت عدداً من الحضور والعارضين، وكانت لها مشاهدات لا بدّ من توثيقها.

بشارة مرهج

يقول الوزير السابق بشارة مرهج لـ«البناء»: إرادة الحياة أقوى. هذا ما تفصح عنه ضهور الشوير اليوم من خلال هذا المهرجان الذي شدّ الأطفال وتحلّقت حوله العائلات والأسر والشخصيات، لإحياء التراث الشعبي، ولمصافحة بعضنا، وللتأكيد على وحدتنا الاجتماعية والوطنية في وجه كلّ ما يهدّد هذه الوحدة. سواء كان العدوان الصهيوني المستمرّ على البلاد، أو قوى العنف والغلوّ والإرهاب التي تحاول تغيير طبيعة الحياة في هذه المنطقة. يُعدّ هذا الاحتفال مدماكاً من مداميك الصمود الوطني والقومي، ومن خلاله نعلن للجميع أن إرادة الحياة لدينا قوية، ولن نخضع لكلّ أشكال العدوان والتدخّل الخارجي.

حبيب جوكا مجاعص

أما رئيس بلدية ضهور الشوير ـ عين السنديانة حبيب جوكا مجاعص فيقول: المهرجانات في ضهور الشوير مستمرّة، وذلك لإنماء السياحة في المنطقة، وللاهتمام بالجيل الجديد كي يبقى متراصّاً ومحمياً وموحّداً، ولبثّ روح التعاون في ما بين الأطفال واليافعين، خصوصاً في ظلّ ما يلهيهم عن التواصل الفعلي، ونقصد هنا التلفزيون والإنترنت. أما هذه المهرجانات فتجمعهم، وتحفّزهم للحفاظ على البلدة والوطن. ومن جهة أخرى، تصبّ هذه المهرجانات في مصلحة السياحة والاقتصاد الوطنيين.

ويضيف: لاحظنا تطوّراً عن مهرجان السنة الماضية، وذلك من حيث عدد المشاركين الذي ارتفع، كما شاهدنا تنوّعاً مميزاً في المعروضات، والأهمّ أننا كسرنا الروتين، لأن الروتين يقتل الشعوب.

نعيم صوايا

رئيس البلدية الأسبق نعيم صوايا تحدّث عن مهرجانات ضهور الشوير بشكل عام، قائلاً إن البلدة بدأت تنظيم مهرجان المغتربين عام 1962، وهذا المهرجان مستمرّ حتى اليوم، وهو حلقة وصل بين لبنان المقيم ولبنان المغترب، ويشهد كلّ سنة فعاليات ثقافية وفنية وتراثية عدّة، ويستقطب أهمّ الوجوه الفنية. كما أنّ هذا المهرجان يجمع، لأن بلدتنا لا طائفية. لا بل أن الطائفية غير موجودة البتّة في قاموس ضهور الشوير.

كما ذكّر صوايا بأن ضهور الشوير وحّدت عيد الفصح عام 2009، وذلك بالتعاون مع البطريركية والبلدية، ورغبة من أهالي البلدة التي أصبحت الأولى في العالم التي توحّد هذا العيد، انطلاقاً من مبدأ الوحدة الذي تؤمن به. وختم قائلاً: إن ضهور الشوير هي بلد العلمانية واللاطائفية، بلد وحدة الحياة وأنطون سعاده، وما نراه اليوم ليس سوى نموذج راقٍ عما يمكن أن تنتجه هذه البلدة.

جميل شمّاس

النائب السابق جميل شمّاس كانت له كلمة في المهرجان خصّ فيها «البناء» فقال: أجمل ما رأيناه اليوم، أنّ هذا التجمّع في هذه البلدة، التقوا متأثرين بالروح التعاونية التي أرساها فيهم الزعيم أنطون سعاده، وتعاونوا في ما بينهم ليخرجوا إلينا بهذا الحق والخير والجمال، ضمن الإمكانيات التي توفّرت لهم.

لا شكّ أن هذه المهرجانات تساهم في التقدّم الاقتصادي، لكن الأهمّ الذي لمسته هنا، تلك الروحية الجامعة التي يلتئم تحت لوائها المنظّمون والأهالي. كما أن الفقرات الترفيهية التي خصّ بها المنظّمون الأطفالَ والجيلَ الجديد، من الساحر ميكي إلى الحكواتي فمسرح الدمى والألعاب، لفتت الانتباه، لأن الأطفال يستحقون الفرح، وهنا نسجّل نقطة إيجابية للمنظمين.

وتابع شماس: من ناحيتي، أعتبر ضهور الشوير عاصمة العالم أجمع، لأنّ بلدةً ولد فيها أنطون سعاده، وفيها جيلٌ واعٍ كالذي نراه اليوم، تستحقّ أن تكون عاصمة العالم، وأن تنادي أبداً أن الحياة كلها وقفة عزّ فقط.

نجيب خنيصر

المندوب السياسي للحزب السوري القومي الاجتماعي في المتن الشمالي نجيب خنيصر تحدّث عن المهرجان من وجهة نظر أخرى، إذ إنّه ربط بين الاحتفال الذي نظّمته المقاومة في منطقة وادي الحجير لمناسبة ذكرى الانتصار على العدوّ الصهيوني، وبين مهرجان ضهور الشوير، معتبراً أنّه لولا المقاومة، لما تسنّى لنا، ولا لأيّ منطقة، تنظيم المهرجانات التي تبعث الفرح في نفوس الأطفال والأهالي الذين يتمسّكون بالحياة لكنهم لا يخشون الموت، إنّما يعشقونه متى كان طريقاً لحياة الوطن. ووجّه خنيصر تحية لكل المقاومين ولنسور الزوبعة في الجنوب اللبناني وفلسطين الحبيبة والجولان والسويداء والزبداني وفي كلّ منطقة سوريّة، الذين يذودون عن الوطن ويقاومون المحتلّ والإرهاب المتأسلم.

ويقول خنيصر: إن المقاومة متجذّرة في هذا الوطن، والحزب السوري القومي الاجتماعي له دوره الفعّال في المقاومة تاريخياً، وهو مَن افتتحها، سواء عندما أعلن الزعيم أنطون سعاده الكفاح المسلّح ضدّ اليهود عام 1936 واستشهاد الرفيق حسين البنّا في نابلس في فلسطين الحبيبة، أو مع عملية ضرب «أمن الجليل» وما تلاها من عمليات استشهادية أرعبت العدوّ الصهيوني. ونحن نحترم كل من شارك في المقاومة من أحزاب وقوى، لا بل نضع أيدينا في أيديهم دائماً لتحرير كلّ شبر من تراب وطننا.

وتابع: لضهور الشوير خصوصية في ما يتعلّق بالمقاومة، إذ كانت في أوقاتٍ معيّنة القلب النابض للمقاومة وكانت قلعتها الأساسية. ونحن نعتبر أنّ لمهرجان وادي الحجير رمزية معيّنة، إذ إنّ تلك المنطقة شهدت انتصارات عدّة على أعداء الوطن والتاريخ يكرر نفسه في صنع المجد لهذه الأمة.

وختم: نحن نعتبر أنّ المقاومة ساحة جامعة لكل من يعشق المقاومة، وساحة ضهور الشوير اليوم هي جامعة أيضاً في الاجتماعيات والمهرجانات، وفي إحياء الفرح خلال فصل الصيف. لأن فرح أطفالنا وأهلنا، يعدّ مدماكاً من مداميك الصمود، الذي يعتبر بحدّ ذاته شكلاً من أشكال المقاومة. كما أنّ ساحة ضهور الشوير هي اليوم ساحة تلاقٍ ـ كما كانت سابقاً خلال الحرب الأهلية اللبنانية ـ يلتقي فيها الجميع بغضّ النظر عن اختلاف مشاربهم، يجمعهم حبهم للوطن. لذلك نرى اليوم أن الأطفال الشويريين يلعبون مع الأطفال السوريين بكل محبّة وقناعة، لأن ضهور الشوير لم ولن تكون إلا ساحة تلاقٍ.

مارلين حردان

رئيسة جمعية «نور للرعاية الصحية والاجتماعية» مارلين حردان، أكّدت بدورها على أهمية هذا المهرجان، موجّهةً في بداية حديثها إلى «البناء»، التحية لأهالي ضهور الشوير ولرئيس بلديتها ولمديرية «القومي»، ولجميع من ساهم في إنجاح هذا المهرجان. وقالت: إن هذا المهرجان لهو دلالة على حبّ الفرح، الذي هو شكل من أشكال المقاومة. إن هذا المهرجان الذي شمل فرح الأطفال، والتراث، والتنمية، والثقافة والإبداع والموسيقى، وكلّ ما يرسّخ في الأذهان أن ضهور الشوير هي بلدة الحق والخير والجمال.

ولفتت حردان إلى أهمية هذا المهرجان من حيث التنوّع، ومن حيث الجمعيات المشاركة التي تهتم بالشأن الإنمائي. كما لفت نظرها حفاوة الاستقبال، والعودة إلى التراث من خلال إحياء الفولكلور كالسيف والترس.

نحن كجمعية «نور» التي تعمل مع المتحد، مع الأسرة، والمجتمع. وإن كانت تهتم بمنطقة الجنوب التي كانت محتلة، فإنها تساهم في ترسيخ صمود الأهالي وفي التنمية البشرية. وما نراه في ضهور الشوير اليوم يشكّل لنا حافزاً لأن نعطي أكثر.

وختمت مجدّدةً القول إن ما نراه اليوم هو مقاومة من نوع آخر، ويستحقّ التقدير، وتمنّت أن تبقى ضهور الشوير السبّاقة في الإشعاع الثقافي، لتبقى بلدة الزعيم أنطون سعاده، منارةً في هذا الوطن.

هشام الخوري حنّا

ناظر الإذاعة والإعلام في منفذية المتن الشمالي المحامي هشام الخوري حنّا، سلّط الأضواء على ما يسمّى «ثقافة الحياة» قائلاً: هناك من تكون أفكاره سطحية لا معمّقة. والفرق بيننا وبينهم، أنّ أنطون سعاده دعا إلى بناء المجتمع القويّ القادر والمحصّن من العنصرية. لذلك نرى هذا التنوّع غير المصطنع، ونرى هذا التعاون القائم بين الجميع، لأن الجميع ينهلون هنا من فكر سعاده.

إن «ثقافة الحياة» التي ينادي بها البعض، والبعيدة كلّياً عن حياة العزّ التي ننشدها، لا نراها إلا في المجتمعات الضيّقة التي تنظر إلى المجتمع العام بطبقية، غير آبهةٍ بأرضٍ محتلّة ولا بعدوٍّ يتربّص بنا. فنراها تنادي بشعارات رنانة من السلام إلى «حب الحياة»، لكننا وللأسف نرى أبناءهم، من خلال تلك الشعارت، ينجرّون إلى متاهات التطبيع مع الأعداء والتسليم لهم، وجلّ ما يهمّ هؤلاء الأبناء، أفراحهم الوهمية والسطحية.

نبيل أبو سمرا

مدير مديرية ضهور الشوير في الحزب السوري القومي الاجتماعي تحدّث إلى «البناء» عن التحضيرات لهذا المهرجان، موجّهاً التحية لكل من ساهم في التحضير، من البلدية إلى القوميين، وإلى المشاركين الذين ساهموا عبر تفهّمهم، في إنجاح هذا المهرجان، الذي سيكون سنوياً، ولن تألو المديرية جهداً في سبيل تكراره، ليبقى الصيف أحلى في ضهور الشوير.

داليدا المولى

المشاركون في المعرض كثر، إذ انتشرت الخيم على طول شارع الاستشهادية سناء محيدلي، بدءاً من ساحة البلدية امتداداً إلى ما بعد نُصُب الشهداء التذكاري. وتنوّعت المعروضات من كتب ومخطوطات، إلى الحليّ والفوبيجو، إلى اللوحات والمنحوتات والمطرّزات. وكانت «المونة البلدية» حاضرة بامتياز في أكثر من خيمة. تماماً كما المأكولات والمنتجات التي تجذب الأطفال من بوشار إلى غزل البنات.

«تجمّع النهضة النسائي» حجز له مكاناً في شريط الخيم، وقالت المتحدّثة بِاسمه داليدا المولى: يأتي مهرجان ضهور الشوير لتحفيز السياحة في هذه البلدة الرائعة، ولزيادة الحركة التجارية فيها. كما يشجّع الجمعيات التي تعنى بالمجتمع، والتي نراها اليوم بتنوّعها وباختلاف المناطق الآتية منها. أما بالنسبة لـ«تجمّع النهضة النسائي»، فهو يعنى بتمكين المرأة، وعملنا لا يقتصر على بلدة ضهور الشوير فقط، إنما لنا انتشارٌ في كافة المحافظات اللبنانية. ونحن نشارك في مهرجانات كمهرجان ضهور الشوير، لتسليط الضوء على ما تنتجه النساء في بيوتهن، وبمعنى آخر، نحن نسوّق لمنتوجات النساء، لتشجيعهن ولكي يكنّ منتجات. أما المنتجات فتتنوّع بين «المونة البلدية» وبين المطرّزات والأشغال الحرفية.

مشاهدات

من تسنّى له الوقت ليتمشّى بين الخيم، ويشاهد مليّاً ما يجري، لكتب الكثير الكثير عن ذلك التنوّع. وكأنّك أمام لوحة تمازجت ألوانها حيناً، وتعانقت حيناً آخر، واتّحدت في كثيرٍ من الأحيان، لتنبثق الحياة بكلّ صدقها ونشاطها، ولتجلّت أمامك حقيقة تقول: إنّا أمّة حيّة!

ألعاب وكتب وحكواتي

الفرح كان السمة الأبرز، ابتساماتٌ تغزو وجوه الأهالي والمصطافين والسيّاح، وضحكات تملأ ثغور الأطفال الذين كانت لهم حصّة الأسد في هذا المهرجان. عند الطرف الشرقيّ من الشارع حيث أقيم المهرجان، تعملقت ألعاب تشبه إلى حدّ بعيد مدن الملاهي. إحداها تقمّصت شخصية السنفور، وفيها ينطّ الأطفال ويقفزون ويلعبون كرة السلة، ويتسلّقون ثمّ يتزحلقون. أما الثانية فكانت على شكل تنّين فيه متاهات وأنفاق، والثالثة على شكل رأس كلبٍ ضاحك، والقاسم المشترك بين تلك الألعاب القفز والتسلق والتزحلق.

قرب الألعاب، شغلت «دار أصالة» لنشر كتب الأطفال خيمةً عرضت فيها قصصاً للأطفال، وذلك إيماناً منها ومن المنظّمين، أنّ المطالعة متعة وتسلية قبل أن تكون إفادة و«زيادة معرفة». وكالسنة الماضية، حضر الحكواتي مع «دار أصالة» ليروي على الأطفال أجمل الحكايات الخيالية التي تفرحهم وتضحكهم وتثير فضولهم وتحرّك مخيّلاتهم.

خيمة أخرى نُصبت قرب «دار أصالة»، وفيها جلس فتى وصبيّةٌ، وأمامهما قوارير ملآنةٌ بالألوان. استقبلوا الأطفال مع أهاليهم، ورسموا على أوجههم رسمات تشي بالفرح.

سِحرٌ ومسرح دمى

مسافة قصيرة من الفراغ، ويطالعك مسرح كبير خُصّص للوصلات الموسيقية والغنائية والفقرات الترفيهية. وإذ كثر المغنّون والعازفون، إلا أنّ لحضور الساحر «ميكي» رونقه الخاص، إذ أذهل الكبار قبل الصغار بألعاب الخفّة التي أتقنها، حتّى راح بعض الحضور يتساءل: «كيف فعل ذلك»، و«يا للروعة»، وما إلى ذلك من العبارات التي تشي بالدهشة والذهول. ولم يتوانَ «ميكي» عن دعوة بعض الحضور، كباراً وصغاراً، ليكونوا شركاء مباشرين في ألعاب الخفة تلك. فتارةً يُخرج بيضةً من جيب فتى، وطوراً يُخفي علماً أو منديلاً في ثياب فتاة، لكن المفاجأة الأكثر إدهاشاً كانت عندما أخرج أرنباً حيّاً من بين يديّ إحدى الصبايا.

وقرب «ميكي» ومسرحه الكبير، شُيّد لوقتٍ معيّن مسرح صغير، شاهد عبره الأطفال عرض دمى، ما ألهب فيهم الحماسة كلّ حين، فعلت الصيحات وارتفع صوت التصفيق.

«من كل شي شي»!

بعد المسرحين الكبير والصغير، تبدأ الرحلة بمحاذاة رتل الخيم الذي يطول ويطول حتّى يصل إلى ساحة البلدية. وإذ يصعب ـ ولا يستحيل ـ وصف كلّ خيمة على حدة، نظراً إلى عدد المشاركين المرتفع جدّاً، إلّا أنّ بعضاً من تلك الخيم يلفت النظر، لا لجمال ما يُعرض، ولا لحُسن تزيينه، إنما لتلك الدينامية التي تذكّرك بخلية النحل التي لا تهدأ.

من بين تلك الخيم، الخيمة التي شغلتها مديرية الأوزاعي التابعة لمنفذية المتن الجنوبي في الحزب السوري القومي الاجتماعي. شباب وصبايا، وأشبالٌ ونسور، ومعهم مدير المديرية محمد عليّان وهيئة المديرية. سواعدهم متشابكة، ضمن مشروع ماليّ يعود ريعه لصندوق نشاطات الأشبال والاهتمام بهم.

تكثر الأشياء التي قررت هيئة المديرية بيعها في المهرجان. من الأطعمة الخفيفة كـ«الكعكة الطرابلسية»، إلى المياه والمشروبات المنعشة، إلى الآيس كريم والبوشار. فيما تفرّغ أحدهم لتأجير درّاجات هوائية.

إلّا أنّ اللافت في مديرية الأوزاعي، أنّها اصطحبت معها الأشبال والزهرات إلى المهرجان، فتسنّى لهم ـ بعد زيارة عرزال الزعيم أنطون سعاده ـ أن يلعبوا ويتسلّوا، ويشاهدوا مسرح الدمى والساحر «ميكي»، كما كانت لهم حصّة كبيرة من حكايات الحكواتي المدهشة.

أمر آخر لفت النظر في هذا الجناح. إذ إنّ الأشبال والزهرات، وأعضاء مديرية الأوزاعي، فاجأوا المدير عليّان بأن احتفلوا بعيد ميلاده، وقطعوا معه قالباً من الحلوى. ومن تسنّت له رؤية ذلك المشهد، لحتماً شعر بفرح الأبوّة العابق الذي اجتاح وجه عليّان، وفرح البنوّة المتدفّق من محيّا كل شبلٍ وزهرة ورفيق ورفيقة.

حليّ وآرتيزانا… وحِرف

تتابع سيرك بمحاذاة رتل الخيم الذي لا ينتهي، وتتوقّف أمام كلّ عارض. هذه تعرض الحليّ والفوبيجو وكل ما يختصّ بجمال المرأة، وتلك تعرض الآرتيزانا وكلّ ما يمكنه أن يضفي إلى المنزل جماليةً ورونقاً. لكن اللافت، الحِرف والأشغال اليدوية التي عُرضت، لا لجمالها فحسب، إنما لأنها تشير إلى أنّ هذه الأعمال ما زالت حيّة في قرانا، ولم تندثر أمام هجمة التطوّر. فإذ بك أمام السلل المصنوعة من القشّ، وأمام النحاسيات والمطرّزات والمنحوتات. ولا ننسى المكانس، والكراسي والطاولات الخشبية، وأشغال الكونفا، والسُّبّحات والدمى وما إلى ذلك. ينشرح القلب أمام هذا المشهد، ويطمئنّ على التراث القرويّ الذي ما زال ينبض حيّاً، ولم تبتلعه موجة التكنولوجيا الطارئة.

وعن ذلك تقول مسؤولة عن أحد الأجنحة، أنّ إحياء التراث القروي ليس عملاً رجعياً البتّة، بل هو تمسّك بالجذور التي إن ماتت مات الوطن، وهو تشبّث بالأصالة التي إن تلاشت اضمحلّ المستقبل وأصبح رتيباً.

رسم متقن وصو!ر توثّق

في أكثر من خيمة، تلفت نظرك رسوم تشكيلية تنوّعت بين البورتريه واللوحات الزيتية والمناظر الطبيعية، وأخرى تجريدية. ولوهلة، تظنّ أنّك في خضمّ سمبوزيوم ضخم.

وفي إحدى الخيم، وضعت لوحتان تجريديتان، وأمام اللوحتين مجموعة من الألوان، ومن يهوى التلوين والرسم، لا ينقصه إلّا قليلٌ من الشجاعة وقليل من الهمّة، ليتناول الألوان بين يديه، وينطلق في رحلة الإبداع.

«ستاند» آخر يلفت النظر. إذ لم يتّسع فضاء الخيمة للعارض، الذي استخدم الرصيف أيضاً لعرض لوحات فيها صور فوتوغرافية توثيقية. وإذا كانت صوَر ضهور الشوير القديمة هي الأكثر، إلا أنّ بيروت كانت حاضرة بامتياز، وأيضاً صور تخلّد نوابغ كثيرين، من أنطون سعاده، إلى قاماتٍ في الشعر والأدب والفنّ والسياسة.

بيئة وفن و«بلادي خضرا»!

جمعية «بلادي خضرا» كانت حاضرة أيضاً، لا لتقديم النصائح في سبيل الحفاظ على البيئة فحسب، إنما لعرض منتوجات مميّزة بجمالها ورونقها، وما يضاعف من تميّزها، أنّها مصنوعة من أشياء نرميها عادةً، من أوراق وكرتون وبلاستيك وزجاج.

وعن هذا المشروع تقول إحدى الناشطات في الجمعية، أنّ اللبنانيين الذين تنبّهوا متأخّرين إلى مسألة فرز النفايات في المنازل والمؤسسات، وعلى رغم عدم تطبيق هذا الفرز الأولي على نطاق واسع، إلا أنّ هذا الفرز الأولي ـ وإن حصل ـ فإن مصير النفايات المفروزة سيكون المكبات العشوائية. من هنا ولدت فكرة أن ندوّر النفايات المنزلية قدر المستطاع، وأن نصنع ـ ضمن الإمكانيات المحدودة ـ أشياء جميلة. ولا أروع أن تحوّل القمامة إلى ورود اصطناعية مثلاً. علماً أنّ دولاً عدّة، تصنع الكتب من أوراق كانت في طريقها إلى مطامر النفايات.

كتب كتب كتب

تتابع السير مدهوشاً بالمعروضات وبالحركة التي أضفاها المهرجان على الشارع الرئيس في البلدة، لتصل إلى ختام الخيم. وكما شغلت «دار أصالة» لكتب الأطفال الخيمة الأولى، شغلت «دار الفرات» الخيمة الأخيرة. هناك، يكثر الحضور المتهافت على الكتاب، لتطمئنّ أيضاً إلى أنّ القراءة في لبنان ما زالت بخير.

تنوّعت كتب «الفرات» المنتجة خصيصاً للكبار، بين الكتب القومية التي تتحدث عن التاريخ والعقيدة والأدب، إلى الكتب الأدبية البحتة من شعر ونثر ورواية وسِيَر. كما أن الكتب النقدية والعلمية والألسنية كانت حاضرةً أيضاً.

تنتهي رحلة المشاهدات، لكن الكلام عنها لا ينتهي بتقرير أو مقال. فما حفظته العين، ربما لم تغفل عنه الكاميرا، لكننا كلّنا إدراك أنّ ضهور الشوير بكينونتها وتاريخها وقومييها ومهرجاناتها والحركة الفاعلة فيها أبداً، ستبقى حاضرة في الذاكرة، وسيبقى كلّ تفصيل فيها خارج نطاق النسيان.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى