الجيش السوري يستردّ زمام المبادرة في سهل الغاب… والزبداني نحو الاستسلام أوغلو يخلي رئاسة الحكومة للانتخابات… وسورية لن تترك العبث لدي ميستورا

كتب المحرر السياسي:

أفادت أنباء آخر ليل أمس من جبهة الزبداني أنّ الجيوب المسلحة المحاصرة في ما تبقى من أحياء الزبداني، دخلت في مفاوضات من نوع جديد لا تتصل بطلب إفساح المجال للانسحاب بل لتسليم أنفسهم، ما يعني أنّ الوقت المتبقي لإعلان الزبداني في قبضة الجيش السوري بعد التقدّم السريع والنوعي الذي حققه جنوده ومقاتلو المقاومة خلال النهار في هذه الأحياء المحاصرة.

بالتزامن كان الجيش السوري يحقق إنجازاً نوعياً في سهل الغاب باسترداد خمسٍ من القرى التي كانت الجماعات المسلحة قد سيطرت عليها الأسبوع الماضي، وبدا التقدّم وسط انهيار شامل لدفاعات هذه الجماعات، ما أربك الأتراك والجماعات المدعومة منهم في شمال سورية.

وفي سورية أيضاً كان أول تعليق رسمي يندّد بالتصريحات الصادرة عن المبعوث الأممي ستيفان دي ميستورا متهماً الدولة بقصف مدنيين في دوما، في مناخ يبدو فيه دي ميستورا غير قادر على إثبات حياد يضمن قدرته على مواصلة مهمته كوسيط، بعدما ظهرت في مراحل متعدّدة مواقف وخيارات منسوبة إليه تشير إلى تورّطه في حسابات ورهانات إضعاف الدولة السورية وتمرير مشاريع تنال من سيادتها، على رغم كلّ التسهيلات والدعم اللذين واكبت عبرهما الدولة السورية مهمته، واعتبرت مصادر ديبلوماسية متابعة أن الموقف الصادر عن الحكومة السورية، وهو الأول بعد بيان مجلس الأمن الدولي، يشكل رسالة لدي ميستورا لتنبيهه من خطر الانحراف في مهمته نحو الخروج من دور الوسيط النزيه والمبعوث المؤتمن على القرارات الأممية، خصوصاً ما يتصل بمكافحة الإرهاب كأولوية تفرض السعي إلى إقفال الحدود أمام تسريب السلاح والمال والرجال.

على ضفة إقليمية موازية دخلت تركيا مرحلة الاستعداد للانتخابات المبكرة مع إعلان إعادة التكليف برئاسة الحكومة الذي سلّمه الرئيس التركي رجب أردوغان إلى رئيس حكومته داود أوغلو، إلى الرئاسة التركية من الرئيس المكلف أوغلو بعد فشله في تشكيل الحكومة، بينما أعلنت أحزاب معارضة في طليعتها حزب الشعوب الديمقراطي استعدادها لقبول تشكيل حكومة ائتلافية إذا وصلها التكليف من رئاسة الجمهورية بتولي رئاسة الحكومة.

الانكفاء التركي العسكري في سورية من بوابتي الزبداني وسهل الغاب يتكامل مع الانكفاء السياسي بالانشغال المتوقع تحت وطأة دخول الأزمة الحكومية مرحلة حاسمة.

لبنان الذي لا يزال يغرق في حلقة من حلقات أزمة النفايات لينتقل إلى حلقة أخرى ينتظر نتائج مناقصات تلزيمها وسط غياب أيّ حلّ واضح نحو التصدير الذي يبدو أن أبوابه قد أغلقت لعدم قبول الدول المرشحة لاستقبال النفايات للمواصفات التي لا تتطابق فيها النفايات اللبنانية مع المعايير الدولية المعتمدة لتصديرها، بينما تبدو المحارق والمطامر خيارات تحتاج وقتاً وتشوبها ملاحظات كثيرة.

كما في النفايات وفي سواها، تبدو الحكومة مرتبكة، فلا قضية التعيينات الأمنية قد توضّحت تفاعلات المقترحات المتداولة لحلحلة ما، تشير لتقدّم أحدها، ولا قضية الآلية الحكومية ستكون موضع بحث قريب بعدما تأجلت اجتماعات الحكومة، ليتصدّر الملف الأمني وخصوصاً وقوع المطلوب الفارّ أحمد الأسير بيد الأمن العام اللبناني والتحقيقات الجارية معه وما ستكشفه من حقائق مخفية خصوصاً على مستوى تورّط رؤوس كبيرة في المخاطر التي عرّض لبنان لها، وقالت مصادر أمنية إن ما لدى الأسير يتصل بحجم المقدرات التي أتيح له استخدامها، من جهة، وما واكبه من توقيت وتوظيف بالتناسب والتزامن مع مشاريع محلية وإقليمية لا يمكن تفسير تقاطعه معها وتمكنه من إمكانات للعب دور محوري فيها، بمجرد الصدفة. وحذرت المصادر من خطورة التحقيقات وضرورة الإصرار على كشف كلّ الحقائق، خصوصاً أن القضاء سيكون أمام امتحان القدرة على الصمود في وجه ضغوط شديدة من كلّ من تيار المستقبل وحكومات خليجية عدة، لطبيعة العلاقة التي ربطت الأسير بالفريقين في مرحلة ما قبل معركة عبرا وتواريه عن الأنظار، خصوصاً أنّ التخلي عنه قد بات ثابتاً، ورغبته بالكشف عن تورّط الآخرين معه يفترض أن يكون متوقعاً.

اعترافات الأسير أسيرة الأمن العام

في ظل استمرار المراوحة والجمود الذي يلف الحركة السياسية في لبنان، تقدم الأمن على السياسية، مع الإنجاز النوعي الذي حققه الأمن العام بإلقاء القبض على الشيخ أحمد الأسير والذي بقيت اعترافاته طيّ الكتمان وأسيرة الأمن العام لدواعٍ أمنية، إلا ما تسرب منها كان كافياً ليشغل المسؤولين الأمنيين والقضائيين والسياسيين فضلاً عن الإعلام والرأي العام.

وأرجأ رئيس المحكمة العسكرية القاضي خليل إبراهيم جلسة محاكمة موقوفي أحداث عبرا إلى 15 أيلول المقبل، إثر طلب ممثل النيابة العامة العسكرية القاضي هاني الحجار، سوق الأسير لينضم إليها، والاستماع إلى إفادته لما لها من تأثير على سير المحاكمات. وقال إبراهيم: «هذه القضية والموقوفون فيها معلقون بشخص أحمد الأسير الذي يعتبر الشخص المحوري في الملف ومجرد مثوله أمام المحكمة سيغير الملف لأن معطيات جديدة ستظهر».

… وتطاول بهية الحريري

وفي السياق واصلت القوى الأمنية من مخابرات الجيش والأمن العام عمليات المداهمة والتوقيف والاستدعاء لعددٍ من الأشخاص الذين وردت أسماؤهم في اعترافات الأسير، فتمّ استدعاء المدعو محمد علي الشريف وهو نجل رئيس جمعية تجار صيدا علي الشريف، ويعمل لدى آل الحريري في صيدا كمدير للمشتريات في فيلا النائب بهية الحريري، وذلك للاستماع إليه من قبل الأجهزة الأمنية المختصة.

وقالت مصادر أمنية لـ«البناء» إنّ الخلايا الإرهابية «ليست موسعة وكبيرة بل منفصلة عن بعضها بعضاً، ما يصعب على الأسير وغيره أن يعرفها كلها، بل يعرف جزءاً منها ويجهل الأخرى»، واعتبرت المصادر أنّ «هذا الإنجاز سيؤدّي إلى المزيد من التماسك والاستقرار الأمني على رغم الضعف الذي تعيشه المؤسسات السياسية وهشاشة الدولة والانقسام السياسي الحاصل».

وأضافت: «الأسير اعترف بمعلومات في غاية الأهمية، إلا أنّ الأصول المهنية في عمل الأجهزة تقتضي التكتم على المعلومات التي تحصل عليها من اعترافات الموقوفين وعن المداهمات والاعتقالات لكي لا تتسرب المعلومات ما يسهل على المطلوبين الهرب».

وتابعت: «المرحلة التالية بعد استكمال التحقيقات مع الأسير وغيره يتمّ خلالها جمع وتقاطع معلومات مخابرات الجيش في اليرزة وفرع المعلومات في قوى الأمن الداخلي والأمن العام ليصار إلى تصفيتها وحصر المعلومات الأساسية تمهيداً ليصدر عن السلطات القضائية المختصة القرار الظني».

وأشارت المصادر إلى أن «مذكرة التوقيف والقرار الظني الغيابي يسقطان بعد حضور المتهم لتبدأ محاكمته من جديد أمام المحكمة العسكرية».

التغيير والإصلاح: نفضل الحلّ على التسوية

لا تزال المراوحة تطغى على المشهد الحكومي في ظل عدم دعوة الرئيس تمام سلام إلى جلسة لمجلس الوزراء، إفساحاً في المجال أمام الاتصالات التي تحصل على أكثر من خط، فيما يبدو أن مبادرة اللواء عباس إبراهيم تسرع فتح دورة استثنائية للمجلس النيابي، فيما يؤجل التيار الوطني الحر تحركاته الشعبية بانتظار نتائج هذه الاتصالات.

وأعلن «تكتل التغيير والإصلاح» أن التكتل مع أي حل يتوافق مع الميثاق والدستور وقوانين الأمة اللبنانية.

وخلال اجتماع التكتل الأسبوعي برئاسة العماد ميشال عون في الرابية، تلا الوزير السابق سليم جريصاتي المقررات، وقال: «إن تكتل التغيير والإصلاح يؤيد أي حل، كما وأننا نفضل ونزكي عبارة الحل على عبارة التسوية، فلسنا من التسووين في طبيعتنا، ونحن مع أي حل يتوافق مع الميثاق والدستور وقوانين الأمة اللبنانية، لا يسأل التكتل إطلاقاً عن أي تعطيل، بل عن مناهضة أي تسهيل يتصف بالشمولية والميثاقية والدستورية، هم المعطلون ونحن نعطل تعطيلهم».

مبادرة إبراهيم تسرّع الدورة الاستثنائية

وأكدت مصادر نيابية في التيار الوطني الحر لـ«البناء» أن النقاش في اجتماع التكتل تمحور حول أمرين: الأول إمكان فتح دورة استثنائية للمجلس النيابي والثاني بالتوازي مع الأول وهو تفعيل العمل الحكومي. وأشارت إلى أن مبادرة اللواء عباس إبراهيم لم تمت بعد، بل ما زالت سارية المفعول وليس بالضرورة بحرفيتها، بل يمكن أن تعدل لترضي جميع الأطراف، كما تقرر أن يحافظ الكلام السياسي على الهدوء بانتظار نتائج الاتصالات التي تحصل.

واعتبرت المصادر أن المشكلة ليست كلها مع التيار الوطني الحر، وتساءلت: ما دخل التيار بملف النفايات لماذا لم يحل حتى الآن؟ لأنه دخل في المزايدات والمصالح السياسية الضيقة.

وكشفت المصادر عن اتصالات تحصل بين عين التينة والرابية من جهة وعلى خط الرابية- السراي الحكومي من جهة ثانية، وتوقعت المصادر أن تنفرج الأمور في موضوع المجلس النيابي قبل انفراجها في موضوع الحكومة.

ونقلت مصادر عن رئيس الحكومة تمام سلام أنه ينتظر نتائج الاتصالات التي تحصل ليدعو إلى جلسة لمجلس الوزراء، لأنه غير مستعد لأن يبقى في الواجهة ويتلقى ضغوطاً سياسية من الجميع، لا سيما من تيار المستقبل الذي يدعوه للاستقالة من جهة وإلى الدعوة لجلسات لمجلس الوزراء من جهة ثانية، فهو لا يستطيع الاستقالة كما لا يستطيع فعل أكثر من ذلك. وعلمت «البناء» أن عدم الدعوة إلى جلسات للحكومة هدفه إفساح المجال أمام الاتصالات والتشاور ولكي لا تؤدي أي جلسة إلى عرقلة هذه المشاورات، وأن الدعوة إلى جلسات مرهونة بنتيجة الاتصالات التي من المرجح أن تنتهي الأسبوع المقبل.

عروض النفايات تفضّ اليوم

على صعيد أزمة النفايات: تعقد اللجنة المكلفة درس العروض لمناقصات النفايات المنزلية، اجتماعاً بعد ظهر اليوم في مقرّ مجلس الإنماء والإعمار، يصار خلاله إلى فضّ العروض المالية للشركات التي تقدّمت إلى مناقصات النفايات الصلبة في بيروت وكل المناطق الخدماتية، على أن يلي الاجتماع مؤتمر صحافي لوزير البيئة في الرابعة والنصف أو الخامسة عصراً، لإعلان أسماء الشركات الفائزة.

عادوا لأسباب أمنية

على صعيد آخر، وبعد أن اجتاز أهالي 4 من العسكريين المخطوفين لدى تنظيم «داعش» آخر حاجز للجيش اللبناني في وادي حميد قبل ظهر أمس وكانوا متوجهين إلى الجرود للقاء أبنائهم، خابت آمالهم بعد أن التقوا بعناصر من التنظيم أبلغوهم أن اللقاء مستحيل لأسباب أمنية وخاصة بـ»داعش»، فعادوا أدراجهم إلى بلدة عرسال.

وأشارت المعلومات إلى أن إرهابيي «داعش» طلبوا من الأهالي عدم الحديث إلى الإعلام، وحمّلوهم مطلباً إلى المدير العام للأمن العام اللواء عباس إبراهيم، فإذا تجاوب معه، قد يتمكنون من لقاء أولادهم الجمعة المقبل، وإلا فلا.

قهوجي في عرسال

على صعيد آخر وصل قائد الجيش العماد جان قهوجي إلى سهل حربتا في البقاع الشمالي على متن طوافة عسكرية، وانتقل منه في موكب عسكري إلى عرسال حيث تفقد الوحدات العسكرية، وسط انتشار أمني كثيف وحركة غير مسبوقة للطوافات العسكرية.

وأكد العماد قهوجي «الاستمرار في تحقيق الجاهزية الدائمة، للتصدي بكل قوة لأي نشاطٍ تخريبي، أو تسلل للإرهابيين باتجاه المناطق الحدودية الشرقية»، مشدداً على أن «زمام المبادرة في حماية الحدود أصبح تماماً بيد الجيش، وهذا ما يشكّل صمام أمان للوطن بأكمله».

وشدد قهوجي على أن «التجاذبات السياسية التي تشهدها البلاد، لن تؤثّر إطلاقاً على أداء الجيش وقراره الحازم في الحفاظ على مسيرة السلم الأهلي وحماية الاستقرار الوطني».

الزبداني على سكة الحسم

أمنياً أيضاً، تتواصل العمليات العسكرية التي ينفذها الجيش السوري والمقاومة في الزبداني بعد أن سيطرا على المداخل والأحياء الرئيسية والساحات والمباني السكنية ما يضع مدينة الزبداني على طريق الحسم. وأمس استهدفت مدفعية الجيش السوري والمقاومة بعددٍ من القذائف الصاروخية المركزة تجمعات المسلحين في بلدة مضايا جنوب الزبداني.

وأكد مصدر ميداني لـ«البناء» أن الجيش السوري والمقاومة يشنان عمليات عسكرية مكثفة في الزبداني، وأشار إلى أن الأحياء الإستراتيجية والمداخل الأساسية والساحات باتت في قبضة المقاومة والجيش السوري، فيما المجموعات المسلحة تتواجد في الجهة الشمالية الغربية للزبداني.

ولفت المصدر إلى حصول انقسام بين الفصائل المسلحة بعد انتهاء الهدنة التي لم تدم أكثر من 42 ساعة، فبعض المجموعات قررت الاستسلام وتسليم عناصرها وأسلحتها إلى حزب الله، إلا أن الجيش السوري رفض الاستسلام الجزئي بل تمسك بالاستسلام الجماعي لكل الفصائل المسلحة إما الاستمرار بالقتال حتى القضاء على المسلحين وتحرير مدينة الزبداني.

وكشف المصدر أن بعض المجموعات المسلحة حاولت الغدر بالمقاومة والجيش السوري من خلال الالتفاف من جهة وادي رنكوس من الجهة الشمالية الشرقية، إلا أن المقاومة تمكنت من كشفهم عبر كاميرات مراقبة ليلية وضعت في المكان وأوقعتهم في كمين محكم ذهب ضحيته العشرات من المسلحين.

وأوضح المصدر أن الفصائل المسلحة تحاول من خلال المفاوضات كسب الوقت لتخفيف الضغط والحصار عليها من جهة وتأخير الاستسلام من جهة ثانية بانتظار أوامر خارجية كما أنها تراهن على تطورات عسكرية في اليمن تنعكس على الوضع السوري.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى