الوضع الاستراتيجي المتهالك للسعودية

رضا حرب

بعد مرور أكثر من أربعة أشهر على بدء الحرب السعودية على اليمن، باتت السعودية مكشوفة أكثر من أي وقت مضى. الجبهة الجنوبية متهالكة خصوصاً في محافظات جيزان ونجران وعسير، والجبهة الداخلية تتآكل جرّاء تهديدات الإرهاب التكفيري متعدد الجنسيات. فمن نافل القول إن خسائرها الاستراتيجية تفوق الخسائر البشرية والمادية.

قبل التورط في اليمن، كان على أصحاب القرار في السعودية أن يتعلموا من تاريخ الحروب أن الجيوش مهما راكمت من أسلحة متطورة وخصّصت عشرات أو مئات المليارات من الدولارات سنوياً ووسعت من تحالفاتها تهزم جيوشاً لا شعوباً، في النهاية الشعوب تنتصر.

إلى جانب الخطأ الاستراتيجي الذي ارتكبته في اليمن وما له من تداعيات على العلاقة بين الشعبين، حاولت السعودية عرقلة التوصل إلى اتفاق نووي بين إيران ومجموعة 5+1، ليس لأن ايران تصنع القنبلة النووية بل حتى تستمر العقوبات، وهذا إن دل على شيء، إنما يدل على وجود إشكالية عنوانها: «عدم الإدراك Misperception»، عدم إدراك أصحاب القرار للمبادئ الأساسية التي من خلالها تُدار السياسة الدولية. سوء التقدير يخلق أزمات أما «عدم الإدراك» فيقود إلى كوارث.

بسبب انعدام الإدراك، من الطبيعي أن يرتكب أصحاب القرار في السعودية أخطاء استراتيجية تكون لها تداعيات خطيرة على الوضع الاستراتيجي للسعودية، لا أقصد هنا «الوزن الاستراتيجي» لأنها لا تمتلك أي مقومات تعطيها وزناً استراتيجياً ، لو كان أصحاب القرار في السعودية يتمتعون بالحد الأدنى من الإدراك لفهموا أن إيران حريصة على استقرار السعودية أكثر من جيرانها العرب، لأنها تسعى إلى احتواء الفوضى التي أنتجها التكفيريون وهم في الأصل من إنتاج الفكر الوهابي السعودي.

من أين يأتي «عدم الإدراك» السياسي هذا؟

لا جدال حول أن عقيدة «الدولار المقدّس» تحكم العقل السياسي السعودي وتشكل المحرّك الرئيسي لسياسة السعودية في محيطها الجغرافي وما وراءه، القريب والبعيد. لا يمكن لهذا العقل المتحجر أن يدرك أن السياسة تحكمها المتغيرات، وهو غير قادر على استيعاب فكرة أن المتغير هو الثابت الوحيد في العلاقات الدولية، وفقاً لنظرية «الواقعية السياسية Realpolitik 1 » ودبلوماسية فن الممكن. مَن تحكم سلوكه عقيدة «الدولار المقدّس» يصعب عليه التعاطي مع الواقع المتغيّر وفهم مؤثرات المتغيرات لا سيما عندما يتعلق الأمر بدولة كبرى كإيران لما لها من وزن استراتيجي تفتقده السعودية.

كانت المؤشرات واضحة لكل من يتمتع بالحدّ الأدنى من «الإدراك السياسي»، إلا أن القيادة السعودية فشلت في رؤية المتغيّرات. كان عليها أن تدرك أن الاتفاق آتٍ لا محالة، وأن المفاوضات السرية في مسقط لم تكن لمجرد كسر الجليد ولا لتبادل الآراء فقط، بل أيضاً للتفاهم حول الخطوط العريضة للاتفاق النووي. وعندما بات الاتفاق قاب قوسين أو أدنى، اعتقد القادة السعوديون أن تأزيم المنطقة بالحرب على اليمن يعطّل الاتفاق النووي فتفرض نفسها قوة إقليمية أحادية.

ما يجري داخل المملكة وعلى حدودها الجنوبية مفتوح على كل الاحتمالات، خصوصاً بعد استخدام صاروخ الكورنيت، ومن الممكن أن يكون موسم الحج المقبل بداية للانزلاق نحو الفوضى الكبرى في السعودية. فهل هذا الحراك الدبلوماسي الذي يقوده وزير الخارجية عادل الجبير دليل على استشعار المخاطر؟ أشك بذلك، لأنه من المؤمنين بقوة «الدولار المقدس» وما قاله في المؤتمر الصحافي في موسكو يعكس عقلية متحجرة. ولو كان لديه الحد الأدنى من الإدراك لرأى أن طهران أقرب من موسكو.

المركز الدولي للدراسات الأمنية والجيوسياسية

www.cgsgs.com

هامش

1 الواقعية السياسية مصطلح ألماني نظام من السياسات أو المبادئ التي تقوم على اعتبارات عملية وليس أخلاقية أو إيديولوجية.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى