هل تنضج التسويات المجزّأة قبل نفاذ الوقت؟

روزانا رمال

يقول مرجع نيابي سابق إنّ اللبنانيين يتبادلون الاتهامات بربط الحلول في بلدهم، وخصوصاً الانتخابات الرئاسية بالظروف الإقليمية والدولية، ولكنهم يجمعون على اعتبار هذا الارتباط حقيقة لا مناص منها ولا أمل بتخطيها، وقد بدأوا يقتنعون بأنهم لن يكونوا على جدول أولويات اللاعبين الكبار في البحث عن حلّ لأزمتهم يضعهم على سكة الانفراج الكبير، بما يعني مساعدتهم على إنجاز الاستحقاق الرئاسي بسلاسة لا تخلف وراءها دماراً شاملاً كالذي جلبه التطبيق الإكراهي للمسيحيين لاتفاق الطائف بصورة تزامن فيها نزع صلاحيات رئيس الجمهورية الذي يفترض أنه المنصب الأول في الدولة الذي يتمثل عبره المسيحيون، مع نقل الصلاحيات إلى حكومة يلعب رئيسها المسلم دوراً حاسماً في تشكيلها وإدارتها، بينما ترك اختيار النواب المسلمين للمسلمين أنفسهم وفُرض على المسيحيين أن يتم اختيار أكثر من نصف نوابهم بأصوات الكتل المسلمة الناخبة وبالتالي تشكيل وعاء سياسي قائم على الاختلال الطائفي يعيش في وعاء سياسي تمثلت فيه القوى السياسية المسلمة وهُمّشت وأقصيت بحق أو بغير حق القوى السياسية الفاعلة، فكان منطقياً أن ينتج عن كلّ ذلك كارثة وطنية يعيشها لبنان اليوم ولا يمكن تخطي الاستحقاق الرئاسي بإعادة إنتاج مثلها مرة أخرى.

لا يتوقع مصدر ديبلوماسي متابع أن يكون لبنان على ضفة الحلول قبل قرابة العام ويتساءل: كيف سيتمكن اللبنانيون الذي لا يهتم الخارج بما يتخطى حفظ الأمن في بلدهم، أن يمرّروا هذا العام من دون السقوط في المحظور؟

المعنيون في الخارج يريدون أن يروا خلال هذا العام استقراراً أمنياً وجيشاً وأجهزة أمنية مستقرة، لذلك كان التمديد لقائد الجيش والتنسيق والتعاون المعلوماتي على قدم وساق مع الأجهزة الأمنية، ويريد الخارج أن يرى قدرة لبنانية على احتواء التشنجات والأزمات المتفرعة من الفراغ الرئاسي والتمديد للمجلس النيابي، وهذا التمديد الذي حظي بدعم الخارج كما التمديد لقائد الجيش هو الذي وفر الفرصة لانتخابات رئاسية قابلة لأن تكون تحت السيطرة بتوازنات تضمن التوافق من جهة، وتضمن تحكم كتل بات معلوماً كيفية التعامل مع مرجعياتها من جهة أخرى.

كي يتمكن لبنان من التعايش لفترة لا تبدو قصيرة، يقول نائب من قوى الثامن من آذار: يجب أن يفتح المجلس النيابي ويسترد بعضاً من دوره التشريعي، وبعضاً من حيوية سياسية تملأ الفراغ السياسي في البلد وهذا يعني مساعدة الخارج في تسهيل فتح الدورة الاستثنائية للمجلس باعتبار أنّ الخارج معني بالحلحلة لضمان تقطيع الوقت الصعب قبل وضع الحلّ اللبناني على المشرحة وترصيد نقاط الأطراف الإقليمية بحصيلة التسويات في ملفات أخرى لمعرفة ما سيكون الرصيد المتبقي لكلّ منهم وتدويره في الحساب الرئاسي والحكومي اللبنانيين.

من جهة أخرى، يستلزم تقطيع هذه الفترة الطويلة على بلد لا يملك تقاليد إدارة الفراغ الرئاسي بطريقة سلسة، ويتقاسمه الخلاف القاسي للملفات الإقليمية المعقدة، والتوزانات الطائفية الهشة، للوصول إلى تسوية تضمن استئناف الحكومة ممارسة مهمّاتها وتحمُّل مسؤولياتها بالحدّ الأدنى اللازم لبقائها على قيد الحياة وهي حكومة ممنوعة من السقوط، لذلك فإنّ هذا الخارج الذي يتلاقى وينسق ويتحاور، وخصوصاً عبر قناتين روسية ـ أميركية، وإيرانية ـ أميركية، تقابلهما قناتان روسية ـ سعودية، وأميركية ـ سعودية، سيجد بضع دقائق لنقل التمني إلى الحلفاء في الداخل اللبناني بحماية الحكومة وإيجاد تسوية مناسبة تسمح بمراعاة الأطراف المعترضين وتضمن استئناف عملها، ولا يستبعد وزير وسطي أن تكون الاتصالات الخارجية قد دخلت في هذا الأمر ومثله في شأن الدورة الاستثنائية للمجلس النيابي حتى بدأنا نشهد قدراً من المرونة السياسية في التعامل مع ملفي الدورة الاستثنائية والحكومة بالتوازي، فغابت اللغة التصعيدية في ملفيهما عن التداول رغم وجودها في الخطاب السياسي.

يبقى كي يمرّ الأمر بسلام في ملفي الحكومة والمجلس النيابي أن ينال التيار الوطني الحر نصيبه السياسي بمثل ما ناله الطرف المقابل، فقد رافق التمديد للعماد جان قهوجي لسنة، إقصاء العميد شامل روكز عن فرصة تولي قيادة الجيش بفعل بلوغه سن التقاعد قبل أن تنتهي سنة التمديد، ما يستدعي إيجاد المخرج القانوني الذي يضمن شراء بطاقة تتيح للعميد روكز البقاء في حلبة السابق لسنة إضافية على الأقلّ تنتهي بعد نهاية الولاية الممدة للعماد قهوجي، كي يحفظ التوازن بين الفريقين، طالما أنّ التوازن السلبي في الرئاسة قد حُفظ عبر بقاء العماد قهوجي مرشحاً منافساً للعماد ميشال عون بمجرد تمديد ولايته كقائد للجيش وبقاء العماد عون مرشحاً قوياً لا يمكن تجاهله قد حفظ بالموقف القاطع للأمين العام لحزب الله بإعلانه ممراً إلزامياً للرئاسة ومرشحاً لا حياد عنه يحظى بدعم حزب الله من دون أي تردّد أو تبديل.

جدول أعمال لبناني حافل هذا الشهر يفترض أن يؤسس لتعايش لبناني لأشهر قادمة مع اتنظار طويل لنهاية الفراغ الرئاسي، يبدأ بثلاثية تفعيل الحكومة بآلية عمل تستند إلى شبه الإجماع، وفتح الدورة الاستثنائية للمجلس النيابي، وتمديد بقاء العميد روكز في موقعه في المؤسسة العسكرية، لتبدأ الحرارة بالانخفاض تدريجياً مع فصل الخريف، ليبدأ التعايش مع التبريد ومراقبة المتغيرات التي ستحملها التسويات والتفاهمات في الملفات الإقليمية، وليقرأ اللبنانيون في كتابها طبيعة التسوية التي تنتظرهم.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى