نصيحة بلا جَمَل

بلال شرارة

لا تزال إحدى الدول الإقليمية العظمى ودولة عربية شقيقة كبرى تعترضان على صيغة الحلّ الذي تحاول موسكو أن تسوّقه للأزمة السورية بانتظار انعقاد «منتدى موسكو3»، حيث أنّ الدولة الشقيقة والدولة الإقليمية تلتقيان عند هدف إسقاط الرئيس السوري بشار الأسد كشرط لإحلال الحلّ السياسي في سورية، وهما بشكل عام تتفقان على إيقاف تدخل حزب الله في الأزمة السورية، ولا ندري كم تتفقان وكم تختلفان على صيغة الحلّ اليمني، إذ إنّ الدولة العربية تعتبر نفسها معنية بإسقاط «تحالف أنصار الله والرئيس علي عبد الله صالح» باعتبارها على تماس مع اليمن، بعكس سورية التي تقع على تماس حدودي مع الدولة الإقليمية.

ووسط كلّ ذلك تجرى محاولة مقايضة أممية إقليمية – عربية على تجريم حزب الله بمبادلته مع «النصرة» على قاعدة تحميلهما مسؤولية استخدام غاز الكلور في الغوطة الشرقية، وبالتالي وضعهما تحت ضغط القرار الدولي رقم 2118، فيما تمّ تحشيد الأدلة القاضية باستخدام «داعش» لغاز الكلور ضدّ الأكراد.

طيّب، أيها السادة، نحن وننصح لوجه الله الجميع بالاستماع إلينا، إذ إنّ مصادر دولية رفضت في السابق الاستماع إلى وجهة نظرنا إزاء سورية حين قلنا قبل سنوات إنّ سورية هي «الآن» آنذاك كوبا مضطربة، وهي في أسوأ الحالات ستصبح كوريتين، ولكن هناك جغرافيا بشرية لن تخضع لأسباب سورية وعربية وإقليمية ودولية لأية إملاءات، يومها لم يفهم أحد علينا بل إنّ البعض كان يطلب منا أن ننصح مراجعنا بالبدء بالتحوّل التدريجي لأنّ سورية المقبلة على طريقتهم «مقبلة»، يومها ضحكنا طويلاً ولا نزال نضحك.

اليوم ننصح لوجه الله القوى الإقليمية بأنّ سورية في واقعها الراهن ستسقط النظام الإقليمي الذي يضغط بأحلامه الإمبراطورية، خصوصاً بعد سقوط المشروع الإقليمي الإخواني «الأممي» في تونس بفضل الانتخابات، وسقط المشروع ذاته مع نظام مرسي خلال ثورة 30 حزيران، وننصح إزاء ذلك، بالتحوّل السريع مع عالم ما بعد الاتفاق النووي الإيراني مع دول خمسة زائداً واحداً، والذي لعب صمود سورية دوراً مهماً في التوصل إلى صياغته – أيّ الاتفاق فالقراءة السريعة لخريطة الموقف والتبدّلات الجارية التي استدرجت صورة حركة عسكرية واستدعت القبول باستخدام أجوائها وقواعدها أمام طائرات التحالف. هذه القراءة تثبت يوماً بعد يوم أنه كلما تمّ الحراك فإنّ المشهد سيبرز أنّ هناك وقوعاً أعمق في الرمال المتحركة السورية.

وهذا الأمر يثبت أكثر وأكثر القاعدة نفسها إزاء إصرار بعض الأشقاء على عدم القبول بسورية مع الرئيس الأسد.

إنّ محاولة إسقاط الأسد، كلفت ولا تزال تكلف الكثير من دون تحقيق غاياتها، بل إنّ هذه الدولة الشقيقة ومعها الأشقاء الذين يدورون في فلكها يقومون جميعاً بتمويل انتحار سورية وتمويل انتحارهم، فيما يتراجع سعر النفط والذهب وسيتواصل تراجع أسعار المادتين إلى حدود دنيا غير متوقعة ومعها ارتفاع العجز في الموازنات.

المسألة بصراحة ليست وضع الجميع أمام اللابديل من نظام الأسد أو يتمّ إشعار جميع الخصوم بأنّ البديل هو سيّئ للغاية، بل إنه يتمّ إخضاع سورية للمجهول. المسألة هي بناء وصنع قناعة لدى الجميع بأنه لا يمكن لأحد من الأشقاء العرب ودول الجوار الإقليمية إنتاج نظام جديد أو إعادة إنتاج النظام، فالذي يقرّر شكل السلطة في سورية هو الشعب السوري، وعدا عن ذلك فإنّ جعل استمرار حدود سورية مفتوحة أمام حركة المال والسلاح والمسلحين، أمر لن يعدّل شيئاً في الصورة وسوف لا يكفي استمرار تجنيد المرتزقة إلى الأبد.

نحن ننصح سورية بالانخراط في مشروع منتدى «موسكو 3» وفق القواعد الروسية. فروسيا تملك خبرة متفوّقة في المسألة السورية عدا عن حضورها العسكري المباشر، ولدى روسيا مشروع وهي لا تعادي أحداً في سورية وتتحدّث إلى الجميع إلا «داعش والنصرة»، وهذا أمر تتفق عليه موسكو وواشنطن، ونقول إنه إذا كان الاتفاق الإيراني مع دول خمسة زائداً واحداً قد سبق التوقعات المتشائمة، وإذا كانت إيران تمدّ يدها إلى جوارها العربي مستعدّة لإبرام تفاهمات حيث يلزم الأمر مع جوارها… فماذا ينتظر العرب وماذا لديهم غير موهبة المال وتدبير الأمور في الليل؟

نحن نرى أنّ التفاهم مع النظام في سورية أقلّ كلفة، ونرى أنه لا بدّ أن يقتنع الجميع بأنّ الأولوية الأولى هي للحرب ضدّ الإرهاب، وأنّ الإرهاب وحتى إشعار آخر هو العدو الرئيسي، وهنا لا بدّ من الإشارة إلى أنه لا فرق بين الإرهاب التكفيري والإرهاب الصهيوني، وإنه الفكر الداعشي نفسه الذي يرتدي هنا لبوس الإسلام وهناك لبوس التلمود والتوراة والأديان منهم براء.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى