أبعاد حرب أردوغان على حزب العمال الكردستاني؟

شاهيناز وزير

شاهدنا من تركيا الكثير على مدار السنين القليلة الماضية أدركنا به مدى استماتتها من أجل مساندة الجماعات الإرهابية في المنطقة وبكل فجاجة لبسط نفوذها والتمكين لحلفائها، فبدءاً من تدخلها في الشؤون العربية والمصرية بخاصة من أجل مساندة جماعة الإخوان المسلمين والسعي لاستردادهم السلطة، مروراً بجهدها الحثيث لدعم تنظيم «داعش» وتغذيتها عبر حدودها للدفع بمقاتليها نحو سورية والعراق، وانتهاء بما تقوم به هذه الأيام من حرب شرسة على حزب العمال الكردستاني خلال قصف جوي يستهدف مواقع كردية شمال العراق.

فهي لأكثر من أسبوع تشن غارات جوية مكثفة على مواقع حزب العمال في شمال العراق انطلاقاً من قاعدتيها في ديار بكر ومالاطيا عقب هجوم انتحاري لـ «داعش» في مدينة سروج التركية الواقعة بين الحدود التركية السورية أودى بحياة 32 شخصاً، إضافة إلى قيامها بحملة اعتقالات داخلية لمن اتهمتهم بالانتماء لتنظيمات «ارهابية».

ولكن ما الذي يدفع تركيا لشن تلك الهجمات العنيفة على ما وصفته بـ «الإرهاب» المتمثل بـ «داعش» وحزب العمال الكردستاني؟

لا ندري كيف لتركيا أن تساوي حزب العمال الكردستاني بـ «داعش» في الوصف بالإرهاب هذا أولاً، وثانياً كيف تمتلك الجرأة لتدعي مساواتها في التعامل بين الطرفين؟

كل الأحداث على مدار العامين السابقين تؤكد دعم تركيا الواضح لتنظيم «داعش» الإرهابي خلافاًَ لما تدعيه إعلامياً، خصوصاً أن حدودها مع العراق وسورية تشهد بتسهيلها مرور مقاتلي التنظيم الى العراق وسورية وتوفير المساعدات اللوجستية لهم إضافة لتلقيهم التدريبات على أرضها بالتعاون مع الولايات المتحدة الأميركية مع الزعم بأن من يتم تدريبهم هم عناصر معتدلة من المعارضة السورية، وقد غضت السلطات التركية الطرف عامدة عن كلّ ما يقوم به التنظيم الإرهابي عند حدودها التي اتخذها مرتعاً له، ولم يصدر منها

تجاه التنظيم الإرهابي سوى التصريحات الفارغة والتراخي في التعامل معه، لكننا نجدها الآن ترسل عشرات المقاتلات لقصف المواقع الكردية في البلدين مع التجاهل المتعمد لمواقع داعش. فهل هذا ما اتفقت عليه تركيا مع أميركا عندما ادعت السعي لإنشاء منطقة آمنة على الحدود مع سورية؟ ولماذا تلك الهجمات على الأكراد في هذا الوقت؟

لا يخفى على أحد أن الأكراد بمختلف فصائلهم المسلحة كانوا أقوى من قاتل «داعش» ومنعهم من التمدد في تلك المناطق.

ألا تعد إذن غارات تركيا العدائية والمستفزة ضد مواقع حزب العمال الكردستاني في شمال العراق نوعاً من الدعم غير المباشر لتنظيم «داعش» بعد هزائمه المتكررة على أيديهم في العراق وسورية؟

لا شك في أن تركيا تهدف لشق الصف الكردي وتمزيق وحدته التي صمدت كل الصمود أمام الصراعات والأحداث التي شهدتها المنطقة، فقد دعا رئيس «إقليم كردستان» مسعود البارزاني مقاتلي حزب العمال الكردستاني للخروج من أرض الاقليم وإبعاده عن ساحة المعارك تفادياً لوقوع ضحايا من المدنيين، فتخلي أربيل ونقدها لرد حزب العمال على هجمات تركيا من المحتمل أن يقسم الصف الكردي ويتسبب بإحراج حكومة البارزاني، فهي ما بين رفضها لقصف الجيش التركي لأراضيها وانتهاك سيادتها وما بين إدانة حزب العمال الكردستاني الذي سيتعاطف معه قطاع كبير من الأكراد خصوصاً أن السلطات التركية لا تميز في هجماتها بين المنتمين إليه وبين غيرهم من الفصائل الكردية.

لا ننكر أن التوقيت التي تمارس فيه تركيا تلك الاعتداءات الاستفزازية للأكراد من شأنه افتضاح دوافعه الانتقامية منهم بعد ما تسبب حزب الشعوب الكردي بقيادة صلاح الدين دمرتاش في عدم تمكين حزب العدالة والتنمية بقيادة أردوغان من تحقيق الغالبية المطلقة لمقاعد البرلمان التي يسيطر بها على المؤسسة التشريعية إذ جاء في المركز الثاني في التصويت وسط أجواء احتفاليه أثبتت مدى شعبيته.

يذكر أن أردوغان هدد مؤخراً برفع الحصانة عن سياسيين اتهمهم بارتباطهم بحزب العمال الكردستاني، وقد فتحت نيابة دياربكر عقب تصريحاته تحقيقاً ضد دمرطاش بتهمة التحريض على العنف والتسبب باضطرابات في النظام العام في قضية ترجع للعام الماضي، وقد يواجه دمرطاش في حال إثبات الإدانة السجن حتى 24 عاماً، ويأتي هذا التحقيق إضافة إلى حملة اعتقالات في صفوف نشطاء أكراد بالتزامن مع هجمات الجيش التركي على المواقع ذات الغالبية الكردية في العراق وسورية.

إذاً يريد أردوغان بكل ذلك الانتقام من خصومه السياسيين الذين اختارتهم صناديق الاقتراع إضافة إلى تقديم الدعم لتنظيم «داعش» بعد هزائمه الأخيرة وكذلك السعي لفرض تدخله وبسط نفوذه في المنطقة العربية معتمداً على تحالفه مع الغرب بحجه السعي للقضاء على الإرهاب وإسقاط الدولة السورية. ولا يملك الكثيرون الآن سوى الرهان على ردود أفعال معارضيه في الداخل لوقف ممارساته الديكتاتورية وطموحاته الخارجية.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى