المكتوب يقرأ من عنوانه
حسين حمّود
هذا المثل الشعبي بدأ ينطبق على ما يبدو على ملف الإرهابي الموقوف أحمد الأسير. هذا ما يشي به إخلاء سبيل مدير المشتريات في منزل النائبة بهية الحريري في مجدليون، محمد علي الشريف، ابن رئيس جمعية تجار صيدا علي الشريف، بسند إقامة، بعد بضع ساعات من استجوابه على خلفية علاقته بالأسير. وقد اعترف بإيوائه الأخير في منزله في الهلالية إثر فراره من معركة عبرا ضدّ الجيش اللبناني في حزيران العام 2013. علماً انه تردّدت معلومات عن تواصل الشريف مع الأسير أثناء صعود حركة الأسير وكان يتولى نقل الأموال إليه. وقد برّر الشريف إيواءه للأسير بالخوف منه بينما حضر والده إلى المنزل بعد علمه بالموضوع وطرد الأسير من دون خشية أو وجل!
هذا أولاً، وثانياً ما زالت التسريبات من التحقيق تركّز على معركة عناصر «الأسيرية» ومعركة عبرا والتي، بحسب ما سرّب، نفى الأسير أنه قاتل الجيش اللبناني مدّعياً أنه كان يواجه سرايا المقاومة بالرغم من استشهاد 18 ضابطاً وجنديا في المعركة. لكن الأهمّ أنّ التسريبات لم تتحدّث عن الجهات التي كانت تحرّضه وتمّول حركته وتوفر الغطاء السياسي له لمنع الدولة من إنهاء ظاهرته، أو على الأقل تقييد نشاطها الذي انحصر في التحريض مذهبياً والتحرّش بالجيش والاعتصامات في شوارع صيدا، إلى درجة أنّ وزير الداخلية والبلديات السابق مروان شربل ذهب إليه في الخيمة التي يعتصم فيها لمفاوضته بإنهاء الاعتصام حبياً!
لكن ماذا سيكون موقف القوى السياسية التي تطالب بصوت عال بضرورة كشف الجهات التي وقفت وراء أخطر ظاهرة شهدها لبنان أخيراً، في حال أقفل الملف بحدوده الضيقة، أيّ أحمد الأسير والقلة من مناصريه؟
سبق لهذه القوى أن كان لها أيضاً موقف عالي اللهجة بعد تسريب أشرطة التعذيب في سجن رومية قبل بضعة أشهر، واتهام وزير العدل أشرف ريفي حزب الله مباشرة وبصراحة تامة ومن على باب مكتب وزير الداخلية والبلديات نهاد المشنوق، بهذا التسريب. والإتهام لم يكن سياسياً، على عادة فريق 14 آذار في إطلاق اتهامات بالقتل أو التفجير لاستخدامها في تمزيق النسيج اللبناني والتمهيد للفتن، بل ادّعى وزير العدل بأنّ لديه أدلة دامغة على تسريب حزب الله أشرطة التعذيب!
إلاّ أنّ التحقيق في هذه القضية، انتهى بإدانة خمسة عسكريين بالجرم الشنيع وتصويره، من دون معرفة الرأي العام بالجهات المسرّبة ومن دون حتى الاستماع إلى ريفي والاطلاع منه على أدلته، علماً أنّ أشرطة التعذيب ألهبت الغرائز المذهبية لدى قسم كبير من الشارع اللبناني وكادت أن توقع فتنة كبرى ساهم في التحريض عليها، بعلمهم أو من دون علمهم، سياسيون ونواب ووزراء… وانتهى الموضوع وكأنّ شيئاً لم يكن!
وبالعودة إلى قضية الأسير، تعلو الأصوات المطالبة بعدم الاكتفاء بحدود التنظيم الإرهابي وما ارتكبه من جرائم، إنْ في الإعلام أو على الأرض، وتدعو هذه الجهات إلى تجاوز التحقيق هذا الحدّ إلى ما تعتبره لا يقلّ أهمية عن تلك الجرائم وهو كشف من أنشأ «الأسيرية»، ومن أجل ماذا، ومن دفع له المال، ومن حتى كتب له خطاباته المذهبية، ومن سوّقها؟ والأكثر أهمية أيضاً مَن وفّر له الغطاء السياسي، وأوجد له هذه الحرية المطلقة من دون أية قيود، من صيدا إلى بيروت فطرابلس والشمال والبقاع، أيّ على مساحة كلّ لبنان تقريباً، وأوصله إلى ذروة الاندفاع ليشهر السلاح في وجه المواطنين والجيش اللبناني في عبرا ومساعدة تنظيمات أخرى في الاعتداءات التي نفّذتها ضدّ الجيش في عدد من المناطق؟
فهل سيُكشف ذلك هذه المرة ونقرأ المكتوب كله، أم ستذهب المطالبات المذكورة أدراج الرياح، وهذا ما يبدو من ظاهر الأمور المحصورة حتى الآن بالعنوان فقط دون غيره؟