زيارة كيري ودلالات التوقيت
شادي جواد
يؤكد مصدر دبلوماسي عربي أن العنوان الوحيد لزيارة وزير الخارجية الأميركية جون كيري إلى لبنان هو الانتخابات الرئاسية السورية، على قاعدة ما حصل في السفارة السورية في بيروت من حشود الناخبين السوريين الموجودين في لبنان في 28 أيار الماضي، وصولاً إلى 3 حزيران الجاري، إذ شكّلت صفعة وصدمة كبيرة للدول والجهات الدولية والإقليمية والعربية وفي طليعتها الولايات المتحدة الأميركية.
يضيف المصدر: على رغم عدم برمجة الزيارة، زار الوزير كيري بيروت وكان يستطيع زيارتها لدى وجوده في المنطقة عاملاً على ملف المفاوضات الفلسطينية ـ الصهيونية لست عشرة مرة، لكن توقيت هذه الزيارة أعقب المفاجأة الكبرى لحجم المشاركة في الانتخابات الرئاسية السورية إن في لبنان أو في الأردن أو باقي الدول التي سمحت بالانتخاب في السفارات السورية الموجودة على أرضها، والسبب الجوهري لزيارة الوزير الأميركي إلى لبنان يكمن في محاولة الإدارة الأميركية رفع معنويات فريق «14 آذار» وطمأنته إلى أن نتائج الانتخابات في سورية لن تكون ذات تداعيات سلبية على حلفاء الولايات المتحدة في لبنان، وهذا الموقف الأميركي كان قد انسحب على القوى والجماعات الإرهابية والتكفيرية قبلاً بعد كل هزيمة كانت تتلقاها على يد الجيش العربي السوري.
يرى المصدر أن ما ورد في كلام الوزير كيري عن الحل السياسي في سورية وعن أن مصير العام يقرره الشعب السوري، هو تأكيد ضمني على فشل مشروع تدمير الدولة الوطنية السورية بجميع مؤسساتها وعلى سقوط الرهانات المتتالية على تغيير موازين القوى على الأرض من خلال الجماعات الإرهابية والتكفيرية ومحاولة إلباسها ثوب الاعتدال، كما أن مناشدة كيري لكل من روسيا وإيران وحزب الله للمساعدة في الحل السياسي باعتبارها قوى مؤثرة في هذا الحل وتحديداً بالنسبة إلى حزب الله، فهي إشارة ولو ضمنية ومبطنة إلى أنه حزب غير إرهابي، ولكن في هذا السياق يقول دبلوماسي روسي: إذا كان الوزير كيري يقصد من هذه المناشدة تحميل المسؤولية عن عدم التوصل إلى حل سياسي في سورية إلى هذه الأطراف التي سمّاها، فهذا الأمر مرفوض بالمطلق، أما إذا كان القصد تعاون هذه الأطراف مع الغرب ومجلس الأمن الدولي والأمم المتحدة، فهذا مطروح ومقبول، علماً أن روسيا وإيران وحزب الله وسورية منذ انطلاق شرارة الحوادث في سورية أعلنت مواقفها صراحة بالعمل على الحل السياسي وليس من خلال القتل والتدمير والخراب مثلما تفعل الجماعات الإرهابية والتكفيرية التي تدعمها الإدارة الأميركية وحلفائها في المنطقة، ولولا هذا الموقف الداعم للحل السياسي في سورية لما تحقق جنيف الأول والثاني.
يؤكد المصدر الدبلوماسي العربي ان زيارة كيري إلى لبنان تمّت على وقع الحدث السوري فحسب، فبعد هذا الإنجاز الديمقراطي بامتياز واختيار الشعب السوري لقيادته وبالحجم الشعبي اللافت، بدأت أطراف لبنانية تعيد حساباتها وتتحوّل إلى مواقع أخرى، ولذلك حاول كيري في زيارته أن يطمئن فئة من فريقه السياسي في لبنان، ما جعل وزير العمل سجعان القزي يبدي قلقاً متزايداً من الطمأنة الأميركية لفريق «14 آذار».
كشف المصدر نفسه عن أن الأميركيين أجروا أكثر من اتصال بسورية وبوسائل مختلفة، محاولين وقف هذه الاتصالات على التعاون في الملف الأمني، لكن الرد السوري أتى بالرفض، مؤكداً على أن أي تواصل أمني يجب أن يتلازم مع تواصل سياسي. وفي هذا المجال، كشف المصدر أيضاً عن أن السفير الأميركي السابق في لبنان ريتشارد مورفي عقد سلسلة من اللقاءات في بيروت في الفترة الماضية مع شخصيات سورية معارضة موجودة في لبنان وشخصية سورية معارضة من داخل سورية وشخصيات أخرى مقربة وعلى علاقة قوية بالحكومة السورية، محاولاً جسّ النبض حول كيفية التوصل إلى حل سياسي في سورية، وتحرّك السفير مورفي لم يكن بالطبع تصرفاً فردياً، بل بطلب من الإدارة الأميركية.
يلفت المصدر إلى أن ما حصل في سورية على صعيد الاستحقاق الرئاسي لم يكن بالحدث العادي، وله دلالات كبيرة، أهمها أن الدولة الوطنية السورية ما زالت متماسكة بكل مؤسساتها وأجهزتها رغم الحرب الكونية التي تتعرض لها منذ أكثر من ثلاث سنوات سياسياً واقتصادياً وعسكرياً وإعلامياً واستخبارياً. وهذه الدولة الوطنية ما زالت تدير شؤون مواطنيها بكامل تفاصيلها، دولة تنجح في إجراء انتخابات على هذا المستوى وفي ظروف أمنية وتهديدات وتفجيرات وقصف على المواطنين السوريين لتخويفهم من المشاركة في الانتخابات، أمر يعني أن الشعب السوري مصمم على مواجهة الإرهاب بمختلف أشكاله من خلال عملية الانتخاب وأنه متمسّك بدولته وجيشه، ولذلك فإن كلام الوزير كيري عن الحل السياسي أن الشعب السوري يقرر مصير رئيسه، وكذلك مناشدته إيران وروسيا وحزب الله، بداية «ناعمة» للتحوّل في الموقف الأميركي، رغم الصراخ السياسي والإعلامي، فالإعلام العالمي بجميع وسائله كان يغطي الحدث السوري الذي فرض نفسه على هذا الإعلام حتى المنحاز منه والمتآمر على سورية طوال فترة الحوادث، خاصة الغربي منه، فهي رسالة واضحة إلى الولايات المتحدة وأوروبا والدول المتورطة في العدوان على سورية تنقل من خلال وسائلهم الإعلامية وليس عبر وسائل الإعلام السورية فحسب.