سورية: مسارات متعدّدة لميدان واحد
وليد زيتوني
تسارع الحراك السياسي الدولي والإقليمي لإيجاد حلّ للأزمة السورية يترافق مع حماوة بالغة على جبهات القتال الداخلية. وهي مرحلة طبيعية لو كانت في ربع الساعة الأخير من الصراع. غير أنّ الظروف لا تبدو حتى الآن كما يجب أن تكون عليه على رغم البوادر الإيجابية المنطلقة من تفاهمات دولية ـ دولية، ودولية ـ إقليمية، وإقليمية ـ إقليمية. لأنّ هذه التفاهمات بطبيعتها تأخذ بالاعتبار مصالح هذه القوى الكبرى البعيدة المدى من المصلحة الأساسية للشعب في سورية المتمثلة بوحدته وأمنه وكامل سيادته على أرضه، وحقه في اختيار قيادته.
إنّ معظم المسارات والمبادرات التي حصلت وتلك المتوقع حصولها في المدى القريب، ليست سوى محاولات جمع لقوى لا تملك أرضية مشتركة تنطلق منها لحوار جدّي حول مستقبل سورية. باستثناء السلطة القائمة يتعذر في الواقع إيجاد رؤية قابلة للتطبيق في ما خصّ السيادة والاستقلال والانصهار الوطني والاجتماعي، بل على العكس، فالقوى المسماة معارضة هي في الواقع إما صدى لمشاريع خارجية تعكس مصالح هذا الخارج أو طموحات سلطوية على قاعدة أنانية بحتة. هذا التوصيف لا ينطبق على «داعش» و«النصرة» ومَن هم على شاكلتهما ونموذجهما، كونها أدوات خارجية بامتياز تنظيمياً وإدارياً وتمويلياً، إضافة إلى الدعم المالي والتسليحي، وبالتالي هي خارج الحسبان في المعادلات المطروحة لمسارات الحلّ على رغم أنها القوى الأساسية في القتال على الأرض.
فجنيف 3 يبدو بعيد المنال الآن أو ربما مستبعداً خوفاً من الفشل الذي سينعكس على الواقع الميداني، وهذا ما سرّع في تحريك المسارات الأخرى. لقاءات موسكو، حركة دي ميستورا التابعة للأمم المتحدة، وإلى حدّ ما المبادرة الإيرانية وإنْ لم تطلق رسمياً.
هذا الحراك السياسي مترافق مع محاولات تركية و«إسرائيلية» للدخول على الخط من الواقع الميداني.
حاولت تركيا الاستفادة من الاتفاق النووي الإيراني مع الغرب من جهة واتفاقها مع الولايات المتحدة من جهة أخرى، لاستخدام قاعدة «انجرليك» مقابل السماح لها نسبياً بمنع قيام كيان كردي ثانٍ على حدودها الجنوبية الشرقية تحت مسمّى محاربة الإرهاب، فأطلقت مشروعها الباطني بالسيطرة على شمال سورية تحت عنوان المنطقة الآمنة. هذه المسألة لم يوافق عليها الأميركي بالشكل الذي تريده تركيا لأسباب تتعلق بالسياسية الأميركية تجاه الأكراد. كما أنّ إقدام تركيا على تنفيذ هذا المشروع استفز الروس في لحظة تقارب دولي وإنْ كان محدوداً. فكانت الرسالة الروسية واضحة بإرسال طائرات ميغ 31 ومدافع 130 لسورية إضافة إلى أسلحة حديثة وذخائر، ما يمكِّن سورية من تغيير المعادلة العسكرية شمالاً ووضع حدّ لأحلام المنطقة الآمنة. نتيجة للتراجع التركي شمالاً وبعد انهيار جبهة الزبداني، وبالتالي منطقة القلمون، دخلت «إسرائيل» على خط الدعم العسكري الميداني عبر قيامها بضربات جوية لمصلحة العصابات المسلحة في محاولة لرفع معنويات هذه العصابات من جهة ومن جهة أخرى لتأكيد حضورها في أي من مسارات الحلّ المطروحة. أما في الجبهة الجنوبية الشرقية فما زالت أدوات التحالف السعودي ـ الأردني ـ «الإسرائيلي» وبإشراف وتخطيط القيادة الأميركية تسعى إلى تحسين وضعها بزيادة وتيرة الهجوم في درعا وريف السويداء من دون طائل.
باختصار، إنّ تحقيق إنجازات عسكرية في جبهتي سهل الغاب ودرعا يأخذ أهمية كبرى في ما يتعلق بإسقاط مقولة حماية الأقليات التي هي المدخل الطبيعي والقطبة المخفية للتدخل الخارجي. هذه المقولة التي استخدمها الغرب جيداً في الكيان اللبناني، يحاول الآن تعميمها على امتداد كيانات الأمة السورية. إنّ الامتيازات التي تعطى للطوائف والمذاهب والاتنيات هي في الواقع امتيازات تعطى لدول خارجية تدّعي حماية هذه الطوائف وهذه المذاهب وهذه الاتنيات، هي بالتأكيد مفتاح شرذمة المجتمع وانقسامه، هي العامل القاتل لنهوض الأمة والدولة والمؤشر لفقدان السيادة والاستقلال.