نفايات ومناقصات ونظام طائفي … أين أصابع أميركا؟

هتاف دهّام

انطلق ما يُسمّى بـ«الربيع العربي» أواخر عام 2010 ومطلع عام 2011 من تونس التي اندلعت فيها ثورة جراء إحراق محمد البوعزيزي نفسه ونجحت في الإطاحة بالرئيس السابق زين العابدين بن علي، وانتهى في سورية التي بدأت فيها الأزمة بحركة احتجاجات في 15 آذار وأدّت إلى رفع الطوارئ وإجراء تعديلات على الدستور مروراً، بثورة «25 يناير» المصرية، لتليها بعد أيام الثورة اليمنية، فالثورة الليبية في 17 شباط التي سُرعان ما تحوّلت إلى ثورة مسلحة، وكانت أكثر الثورات دموية. وفيما نجحت الثورات التونسية والمصرية والليبية واليمنية في إسقاط أنظمة بن علي وحسني مبارك، ومعمر القذافي، وتنحي علي عبد الله صالح، بقى الرئيس السوري بشار الأسد على رأس الدولة السورية باستفتاء شعبي أثبت أنّ الأسد لا يزال يتمتع بشعبية واسعة داخل سورية على رغم كلّ المحاولات الغربية.

لقد أعرب سفير الولايات المتحدة لدى سورية روبرت فورد في بداية الأزمة السورية عن «قلق بلاده مما سمّاه استخدام السلطات السورية للعنف ضدّ المحتجّين»، بالتالي «إراقة الكثير من دماء الأبرياء»، قائلاً: «إن بلاده ترى أنّ الكثير من الأرواح التي زهقت جاءت بنيران قوات الأمن السورية». كذلك الأمر دانت الولايات المتحدة استخدام العنف وقمع التظاهرات في مصر وتونس وليبيا.

يتكرّر المشهد الأميركي اليوم في لبنان، حيث أعرب السفير الأميركي ديفيد هِل عن حزنه العميق حيال مشاهد وتقارير الإصابات التي وقعت خلال التظاهرات التي جرت نهاية الأسبوع في وسط بيروت، والتي عبّر من خلالها المجتمع المدني اللبناني النابض بالحياة عن إحباطه إزاء الشلل السياسي الذي أبقى لبنان أسيراً لفترة طويلة جداً، معلناً تأييده إجراء تحقيق دقيق والمساءلة وضبط النفس.

بدأت التظاهرات التي نظمتها حملة «طلعت ريحتكم» في شكل جدي يوم السبت الماضي تحت شعار الاعتراض على أزمة النفايات التي أصبحت أكواماً وجبالاً على الطرقات وأمام المنازل والمحال التجارية، لتتحوّل إلى «الشعب يريد إسقاط حكومة الرئيس تمام سلام» و«الشعب يريد اسقاط النظام».

لا تعارض الجهات الأميركية مثل هذا التحرك، ما جعل المراقبين يطرحون سؤالاً حول الاستقرار الذي يؤكد عليه الغربيون، فالسفير الأميركي دعم هذه التظاهرات، فهل ستكرّر الولايات المتحدة مواقفها في لبنان التي اتخذتها في الدول العربية إبان ما سُمّي الربيع العربي، وآلت الأمور إلى ما آلت اليه؟

وتؤكد قوى حزبية أنّ الرأي العام مضبوط في إطار الأحزاب والطوائف الكبرى، وأنّ مشاهد الشارع في الدول العربية من الصعب جداً ان تتكرّر في لبنان. وترى أنّ المبالغة في أهداف «الحملة» تدلّ على عدم نضج سياسي كافٍ، فأيّ حراك مطلبي لا يبدأ بلغة عالية السقف من إسقاط النظام السياسي، فلو تمّ حصر المعركة ضدّ الفساد والنفايات لكان نجح أكثر بكثير.

تقاسمت الطوائف اللبنانية أمس النفايات. والسؤال المطروح هل انتهى الحراك عند الجهات التي بدأت بالتظاهرات؟ لقد أعلن منسّقو الحملة عن النزول يوم السبت عند الساعة السادسة مساء في مكان يحدّد لاحقاً لإسقاط المناقصات»، وشدّدوا على «أنّ تحركاتنا وطنية وليست حزبية ولا طائفية». فإلى أين سيذهب لبنان؟ هل سيتمّ إلحاقه بالربيع العربي أم أنّ زعماء الطوائف الذين يتحكّمون بالسلطة سيلتقطون المبادرة ويقطعون الطريق على الانفجار الذي يتهدّد لبنان ويتهدّدهم؟ لا سيما أنّ هذه التظاهرات على رغم علامات الاستفهام الكثيرة حول بعض الأسماء التي نظمتها والأصابع الخفية التي تقف وراءها، غير أنّ أصحاب الحقوق والفقراء وذوي الدخل المحدود عرّوا نظام المحاصصة الطائفية الذي يحكم لبنان منذ وجوده ككيان سياسي، وأظهروا منظومة العجز المطلق، ما دفع بأركان النظام الى تجميع الكلمة والتوحّد وإخراج الحراك السلمي عن سلميته ما خلق ذريعة شرعية وقانونية لقمعه، فهؤلاء أحرجوا السبت، فردّوا الأحد، واستثمروا الاثنين عندما اتخذوا قرار إقامة الجدار العازل أمام السراي الحكومية من دون أيّ معارضة من أحد، وتمرير عروض النفايات بسرعة قصوى، والدعوة الى جلسة لمجلس الوزراء اليوم وقطع الطريق مجدّداً على رئيس تكتل التغيير والإصلاح العماد ميشال عون الذي كان سيدعو الى تحرك الأربعاء لو بقي موعد الجلسة الخميس، لا سيما انّ عون هو الوحيد الذي غطى الحراك الشعبي جهاراً وعلانية، بتأكيده انّ كلام الاحتواء العقيم لرئيس الحكومة تمام سلام لن يمرّ من دون ردّ مناسب في مجلس الوزراء وخارجه على مستوى الشعب.

ظنّ الرئيس سلام ومعه المكوّنات الحكومية أنهم أحرجوا عون ومعه حزب الله، واللعبة التي حيكت جيداً من قبل هؤلاء طرحت أمام جنرال الرابية تحديات ستفرض عليه وعلى حليفه استعمال قدرات إضافية لمنع الخصم من تحقيق أهدافه، والأفخاخ التي حاول تيار المستقبل أن ينصبها لهما، يبدو انها «ستفقع» في وجهه، فالمتظاهرون رفضوا المناقصات، بالتالي فإنّ عدم توقيع وزراء التيار الوطني الحر وحزب الله على إقرار المناقصات في مجلس الوزراء سيكون في مصلحة المتظاهرين الحقيقيين ضدّ الفساد.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى